شاب مصري، حاصل علي بكالوريوس تجارة، بلغ من العمر 27 عاماً، أي أنه متخرج منذ ما يزيد علي الست سنوات، وقد أعيته الحيل في الحصول علي وظيفة، وتحول بقدرة قادر إلي عاطل متعلم، ولكن الولد واسمه «ريمون رمزي» اهتدي إلي فكرة جهنمية فقد حرر خطابا للتوصية من قبل أمين التثقيف والتدريب بالحزب الوطني السيد محمد كمال موجها إلي المدير الإقليمي لبنك أبو ظبي الوطني، وكاد الملعوب يمر ويلتحق الولد الغلبان العدمان بفرصة عمل شريفة لولا أن الفار لعب داخل عب مدير البنك وأبلغ جهات التحقيق، وكان أول هام بالنسبة إليها هو سؤال السيد محمد كمال عن حقيقة الخطاب إذا كان بالفعل صدر عنه أم أنه مزور، وعلي الفور أكد معالي أمين التدريب والتثقيف أن الخطاب مزور، وهكذا دخل أخونا ريمون رمزي في دائرة الخطر وبدلا من أن يدخل البنك ويرفل في الحرير ويذوق حلاوة الحياة الرغدة.. أصبح علي عتبات السجن ونعيمه وبالطبع أنا هنا لا أستطيع أن أتوجه بأي لوم للسيد المدير الإقليمي لبنك أبوظبي الوطني، وبالتأكيد لا يجرؤ أحد علي أن يؤاخذ سلطات التحقيق إذا هي قامت بمهمتها علي الوجه الأكمل ولكن اللوم والتثريب والعتاب هو بالتأكيد من حق الأخ محمد كمال - أمين التدريب والتثقيف- وهو لأنه بطبيعة عمله الحزبي لابد أن يكون مدربا علي مثل هذه الاحتمالات ومثقفاً ملماً بوقائع تاريخية شديدة الدلالة.. فإنني أسمح لنفسي أن أعيد علي مسامع سيادته تفاصيل حكاية دارت في زمان هارون الرشيد أيام كان البرامكة يحكمون ويتحكمون في الدولة التي اتسعت رقعتها حتي إن الغمام كان يذهب حيث شاء فإن خراجه سيأتي حاكم بغداد لا محالة وأصل الحكاية يا سعادة الأمين المثقف محمد بيه كمال أن يحيي بن خالد كانت بينه وبين عبد الله بن مالك الخزاعي عداوة وكان الأخير هو والي أرمينيا عن هارون الرشيد وقد بلغه خطابا - أي عبد الله بن مالك - حمله له رجل من أهل العراق وشك عبد الله في أن الخطاب مزور وفاتح حامله في أنه يشك في صحة الخطاب ولكن حامل الخطاب أقسم علي أن الخطاب صحيح وأنه بخط وإمضاء يحيي بن خالد، وما كان من الخزاعي إلا أنه أرسل الخطاب إلي يحيي بن خالد في بغداد ومعه أحد رسله، فطلب ابن خالد مهلة حتي يوم غد ليكتب الرد إلي والي أرمينيا ثم اتجه ببصره إلي ندمائه وجلسائه ويسأل.. ما جزاء من حمل عني كتابا مزورا وذهب به إلي أعدي الأعداء؟! وتفنن الحضور في الرد وذكروا ألوان وأنواع العذاب الذي ينتظر هذا الآثم الخائن الكاذب المزور.. ولكن يحيي بن خالد ابتسم ابتسامة عريضة وهو يقول: تعرفون مكانة عبد الله بن مالك من أمير المؤمنين وتعلمون ما بيني وبين عبد الله من عداوة.. وقد سبب الله تعالي هذا الرجل المزور وجعله واسطة في الصلح بيننا ووفقه إلي ذلك وقيضه ليخمد نار الحقد في قلوبنا وهي تتزايد علي مدي عشرين سنة وتصلح بواسطته شئوننا وقد وجب عليّ أن أوفي لهذا الرجل حقه بتحقيق ظنونه وإصلاح شئونه وأكتب له كتابا إلي عبد الله بن مالك الخزاعي مضمونه أن يزيد في إكرامه ويستمر في إعزازه واحترامه وبالفعل كتب يحيي بن خالد مكتوبه إلي عدوه فلما بلغه الخطاب ابتهج لما حواه وطلب الرجل ليمثل أمامه، وقال له أن يطلب ما يحب وخرج الرجل صاحب الخطاب المزور بمائتي ألف درهم وعشرة أفراس عربية نصفها بالجلال الحرير والأخري بسروج المواكب المحلاة وبعشرين تختا من الثياب وعشرة من المماليك ركاب الخيل وبجواهر لا تقدر بثمن، وعاد الرجل بهيئته هذه وهيبته تلك إلي بغداد قاصدا الرجل الذي قابل إساءته بالمعروف، ولما دخل علي يحيي بن خالد انحني وقبل الأرض بين يديه وهو يقول.. أيها السيد أنا الذي كنت ميتا من جور الزمان فأحييتني من رمس النوائب وبعثتني إلي جنة المطالب.. أنا الذي زورت كتابك إلي عبد الله بن مالك الخزاعي!! فأشار له ابن خالد لكي يصمت وقام هو بالكلام فقال: ما الذي فعله معك عبدالله بن مالك؟ أجاب الرجل حملني بكذا وكذا وأهداني كيت وكيت فأمر له يحيي بن خالد بمثلها وهو يقول: صنيعك معي أجمل من صنيعي معك، فقد بدلت العداوة التي كانت بيني وبين هذا الرجل بالصداقة والمودة، ولهذا فقد أمر يحيي بن خالد أن تفتح الأبواب دائما أمام هذا الرجل وتلبي طلباته من فورها.. وإلي هنا انتهت القصة يا عمنا محمد كمال وكل ما أتمناه الآن.. أن تتعمق في المعني الذي بين السطور ولا أخفيك القول بأن هناك شعبية مفقودة أكاد أجزم أيضا بأنها ممنوعة عن شخصك وقد جاءتك الفرصة تسعي إليك فأحسن استثمارها يا سيدي واثبت للناس أن في الحزب الوطني رجالا يقيسون الأشياء بمقياس الكبار المترفعين عن الصغار الباحثين عن الصالح العام.. وبالمناسبة ريمون هذا شخص لا أعرفه ولا أسعي لنيل هذا الشرف الرفيع في يوم من الأيام ولكنه مواطن مصري أتعبته الحيل ولم يجد سوي هذا الطريق لكي يتعين بشهادته انه لم يزور الشهادة ولكنه احتال لكي تعتمد شهادته في عالم وزمان لا يرحم الضعفاء الذين ينضربون علي بطونهم باعتبارهم لا ظهر لهم.. وكنت أظن أن الحزب الوطني هو نصير الضعفاء والغلابة وظهر من لا ظهر له.. ولكن هذه الواقعة مع شديد الأسف أثبتت أن ظني محله.. إثم!! ويا ألف رحمة ونور علي عصر هارون الرشيد ورجاله.. ويا ميت خسارة علي ما آل إليه حال الشباب في بلادنا المكتوب عليها وعلينا أن يحكمنا هذا الحزب الوطني الديمقراطي وقد ثبت لي ولغيري بعد هذه الواقعة.. أنه الحزن الوطني.. بالنون يا سعادة مسئول التثقيف .. أسأل الله أن يبقيك ويقويك علي ريمون وأمثال ريمون.. قولوا آمين!!