في غمرة الفرحة العارمة بالفوز بكأس الأمم الأفريقية للمرة الثالثة علي التوالي، أري أنه من المناسب أن نقف ونتأمل في المفارقة العجيبة التي تجعل نفس الفريق البطل بنفس لاعبيه وفنييه ومديره الفني الذين حققوا رقماً قياسياً يصعب كسره في هذه البطولة يعجزون عن الوصول لكأس العالم 2010 بعد أن عجزوا عن الوصول للكأس السابقة 2006، فما الذي يجعل الفوز ممكناً هنا ومتعذراً هناك لدرجة أننا لم نصل إلي نهائيات كأس العالم خلال السبعين عامًا الأخيرة سوي مرة واحدة عام 90 «دعك من حكاية سنة 1934». في اعتقادي أن الأمر له علاقة بمقولة فيدل كاسترو الشهيرة التي كتب عنها المرحوم أحمد بهاء الدين ذات يوم. يقول كاسترو: إن شعوبنا تملك عبقرية اللحظة الحاسمة ولا تملك عبقرية العمل الدؤوب. أظن أن هذا يفسر حالتنا رياضياً وسياسياً واجتماعياً وحتي عسكرياً.لقد كانت إسرائيل كياناً عادياً يسهل هزيمته بجهد عادي، ومع ذلك هزمتنا في 48، واحتلت سيناء بسهولة في 56 ثم حققت انتصاراً كاسحاً في 67، ولكن في أكتوبر 73 ظهرت عبقرية اللحظة الحاسمة التي شحذت كل الجهد وجمّعت كل الطاقات واستنفرت كل ملكات المصريين الإبداعية لمواجهة الوحش الأسطوري المسلح الذي صار أقوي مائة مرة من كل المرات التي واجهناه فيها في السابق.. والعجيب أننا كسرنا عظام الوحش وقطعنا ذراعه الطويلة وتركناه يلعق جراحه لفترة طويلة. وبعد حرب أكتوبر رجعنا للنوم في العسل وأصبح العالم ينظر الينا ويقوم بتصنيفنا في نفس المربع مع جيبوتي وبوروندي ونيبال وبورما وبوتسوانا وألبانيا!. وأصبح يفصلنا عن دول مثل تركيا وماليزيا وايران وكوريا الجنوبية والهند والبرازيل مسافات شاسعة في التصنيع والتصدير والزراعة والتعليم والشفافية وحقوق الإنسان. و أظن أن الأمر لا يحتاج لشرح فيما يتعلق بالفرق بين أداء منتخبنا في التصفيات المؤهلة للمونديال وأدائه في كأس الأمم الأفريقية، فالأولي تقام في مدة تزيد علي سنة ويوجد بين كل مباراة وأخري شهران وأحياناً ثلاثة، وهذا بالتأكيد يدفع للكسل والأنتخة والاعتماد علي إمكانية التعويض، وكذلك التعويل علي أن نتائج الخصوم مع بعضهم قد تلعب لصالحنا، علي العكس من البطولة الثانية التي تقام كلها في أسبوعين تقريباً وتكون مبارياتها يومًا بعد يوم وتكون بنظام خروج المغلوب ولا أمل إلا في الاعتماد علي الذات والفوز في كل المباريات. وهنا تظهر الطبيعة المصرية العجيبة التي تحسن الأداء في وقت الخطر وتحقق نتائج باهرة عندما يكون الظهر إلي الحائط وتثبت أننا نمتلك عبقرية اللحظة الحاسمة ولا نمتلك بكل أسف عبقرية البناء التراكمي والعمل الدؤوب.