كان يوماً مؤلمًا لي وأنا طفل صغير أحمل كتبي ومعي إخوتي الآخرون ونحن ذاهبون بأوامر مشددة من أمي إلي سيدي علي... وسيدي علي هو جدي وكان خال أمي ويعمل مدرساً في المرحلة الابتدائية وكان شيخاً معممًا يقدس التربية قبل التعليم... وقصة ذهابنا تتلخص في تمسك والدتي - رحمة الله عليها - بأن نذهب إليه كل يوم في درس خصوصي بالمجان، ليساعدنا في الدراسة... وكانت رحلتنا إلي بيت سيدي علي مملوءة بمشاعر الرهبة والخوف والقلق علي الأقل عندي أما أخي - رحمة الله عليه - والذي كان يكبرني بسنوات قليلة فكانت هذه الرحلة له ضحكًا وهزارًا وعلو صوت وما أن جلسنا علي طبلية سيدي علي إلا وبدأ معنا رحلة القراءة والكتابة من خلال كتاب صغير وكان من سوء حظ أي واحد فينا أن ينطق كلمات اللغة العربية خطأ فما هي إلا لحظات ويجد نفسه معرضًا لكمية كبيرة من الضرب المبرح مع أنني كنت أقل إخوتي استحقاقاً للضرب نتيجة بذل جهدي الكبير حتي لا أقع تحت يده..!!! ومن سوء حظي أن والدتي - رحمة الله عليها - تمسكت بأن أذهب وأنضم إلي المدرسة الابتدائية التي يعمل بها سيدي علي وهكذا اكتملت حلقات الفزع والرعب لي شخصياً لأري سيدي علي في البيت وفي المدرسة!!! ومع أنني لم أكن مشاكساً معه وأخي كان أكبر مشاكس لكن مع ذلك كان يحب ويعشق أخي عني! ليه إلي الآن لا أعرف؟! وذهب سيدي علي إلي جوار ربه ومع ذلك لا يمكن أن أنسي هذه الأيام الأليمة التي عشتها تحت وطأة إرهاب عصا سيدي علي!!! هذه القصة الأليمة تذكرتها هذه الأيام بعد أن انتقد وزير التربية والتعليم الجديد أحمد زكي بدر - ابن وزير الداخلية الأسبق زكي بدر- إلغاء الضرب في المدارس في جلسة مجلس الشوري الأخيرة وأنا هنا أعرض بعض التساؤلات علي الرأي العام وعلي سيادة الوزير نفسه... وأبدأ هل إصلاح العملية التعليمية في مصر والتي اتفق أكثر المراقبين والخبراء في التعليم والرأي العام في مصر علي أنها معضلة يبدأ حلها بعودة الضرب مرة أخري إلي مدارسنا؟ هل بهذه الطريقة نكون قد بدأنا مشوار إصلاح التعليم؟ هذا سؤال وأيضًا إذا كان الضرب في المدارس في السابق كان يؤتي ثماره وأنا نسبيًا أقر ذلك لكن هل عند عودته مرة أخري إلي المدارس في أيامنا هذه هل يمكن أن يؤتي ثماره؟ هل الأسرة المصرية الآن وخاصة شباب اليوم من الآباء والأمهات مستعدون لأن يضرب أبناؤهم في المدارس (أظن أن هذا صعب للغاية ) ثم لابد لنا أن نسأل أنفسنا هل الطفل في مصر تربية المدرسة فقط؟ ألا يشارك في التربية الشارع والبيت ووسائل الإعلام والبيئة؟ إذن المسألة ليست في المدرسة فقط ولا يمكن لأحد أن يتصور أن الضرب سيكون مقدمة لحل مشكلة التعليم... ثم لا يمكن لنا أن نسأل أنفسنا هل عقاب الطالب أو التلميذ في المدرسة فقط يكون الضرب؟ أليس هناك وسائل أخري للعقاب غير الضرب؟ وهل يضمن السيد وزير التربية والتعليم أن السيد الأستاذ المدرس وهو يضرب التلاميذ في المدارس لن يحدث لهم عاهة ونحن أمامنا أحداث مؤسفة مثل ذلك مازالت معروضة أمام القضاء؟ وهل يمكن لوزير التربية والتعليم أن يضمن لنا أن الأستاذ الضارب سيضرب التلميذ فقط من أجل التعليم بمعني هل يضمن لنا ألا يضرب الأستاذ التلميذ من أجل الدروس الخصوصية أو من أجل أن زوجته سمَّعته كلمتين قبل أن يذهب إلي المدرسة علي سبيل التفريغ؟ أو كان السيد المدرس مهمومًا بمشاكله المادية أو كارهًا وزير التربية والتعليم ويخرج كل ما فيه ضربًا في التلميذ...! لابد أن نعترف أن مسألة ضرب التلاميذ في المدارس ليست هي الأسلوب الأفضل للتعليم ويجب أن نصلح أولاً مناهجنا العرجاء، ومدارسنا العقيمة، ونصلح طاقم التدريس والإدارة أدبيًا وماديًا.. ونرجِّع إلي المدرسة الحياة مرة أخري، ألا يعلم السيد الوزير الذي يتباكي علي الضرب في المدارس أنه أصلا لا يوجد تلاميذ في المدارس... التلاميذ هربوا وذهبوا إلي مدارس أخري في فصول، نعم فصول الدروس الخصوصية التي يصل عدد التلاميذ في فصلها الواحد لأكثر من 40 تلميذا.. ثم ألا يعلم السيد الوزير أن هناك في الدرس الخصوصي يمارس بعض المدرسين الضرب أيضًا وربما يقبل الأب والأم ضرب ابنه في الدرس ولا يقبل ضربه في المدرسة ، فالمشكلة كبيرة وعميقة وتحتاج إلي كثير من الجهد والعرق لحلها وليس بتصريح لوزير التربية والتعليم ينتقد فيه عدم وجود ضرب للتلاميذ في المدارس. رحم الله سيدي علي فلو كان حيًا لشعر بسعادة غامرة بتصريحات السيد الوزير الأخيرة.