مصر ذاك البلد الذي حباه الله بالنعم.. ذكره في كتابه العزيز عدة مرات ووصف رسوله الكريم جندها بأنهم خير أجناد الأرض.. ولاّدة هي.. نشم في أبنائها وجدرانها رائحة التاريخ.. ضواحيها وحواريها وأزقتها.. جلابيب أبنائها من أقصي جنوب الصعيد حتي أقصي شمال الدلتا.. طيبة وعفوية نسائها العجائز وخفة ظل أبنائها رجالاً ونساءً.. وشقاوة أطفالها.. كل شيء فيها يميزها من غيرها حتي رائحة خبزها القمحي الذي يشبه لون مواطنيها.. كل هذه المميزات وهي التركيبة الفريدة خلقت دافعاً داخل المبدعين علي اختلاف أطيافهم ومواهبهم.. ليحكوا عنها في أبيات شعرهم وسطور رواياتهم وخطوط لوحاتهم.. وبين دفتي كتبهم.. ومن أجمل بل أجمل الذين رصدوا مصر عبر سطور الروايات هو العبقري نجيب محفوظ الذي جعل الحارة تتنفس بين يديك وأنت تقرأ الرواية.. هذا لا ينسينا غيره من مبدعي مصر العظام الذين نحتاج الكثير من الأوراق والأقلام للحديث عنهم. والكتاب الذي بين أيدينا الآن هو مجموعة قصصية معنونة ب«حكايات مصرية جداً» للكاتب هشام الخشن. والتي رصدها علي أنها قصص من واقع الحياة المصرية، ويبدوا أن الكاتب هشام الخشن تأثر بعمله كمهندس، ويبدو أيضاً أنه كثير الأسفار في مجموعته القصصية الجيدة دوماً ما تحكي عن حياة مواطن مصري يتحرك من وإلي. ولا أدري لماذا تذكرني قصصه بروايات الأديب الكبير إحسان عبدالقدوس رغم البيِّن الواضح بينهما في أن رويات عبدالقدوس أغلبها تحكي عن المرأة فإن قصص الخشن دوماً ما تتحدث عن رجل إلا أن التقارب في مفاصل الحكايات من تفصيلاتها.. وهذه المفاصل تكمن في أن الاثنين يتحدثان عن بطل الحدوتة الذي يتمرد علي واقعه الذي يراه الكاتب واقعاً سليماً إلي أبعد الحدود.. ثم يصل البطل إلي الحلم المرجو والذي كان يحلم بالوصول إليه منذ الطفولة ثم تأتي النهاية علي هزيمة البطل. وإذا قرأت المجموعة القصصية للخشن ستجدها تجري علي المنوال نفسه.. فالأرستقراطي الذي كره ريفية والده متمتعاً بأرستقراطية أمه إلا أنه يكره هذه الحياة المتكلفة ويطلق زوجته التي تنتمي إلي الطبقة نفسها المتعالية ليتزوج ابنة الطبقة المتوسطة. وهذا النمط نجده في قصة الفنان والطائرة والحاج، بل وفي جميع القصص التي بين دفتي الرواية ورغم جودة القصص فإن المؤلف نسي الشريحة الأهم من الشعب المصري وهي الطبقة الوسطي ومعالم الحارة المصرية المنقوش علي جدرانها تاريخ هذا البلد.