لا يريد الرجل من المصريين سوي التحرك سلمياً من أجل التحرر من جميع أشكال الاستبداد محمد البرادعي لقد كتبت من قبل مقالة بعنوان : (ماذا تريد مصر من البرادعي؟)، وخلاصة المقالة أن مصر تحتاج البرادعي رئيساً لكي يقوم بمهمتين رئيسيتين، الأولي : الفصل بين السلطات، والثانية : دعوة عقول مصر الكبيرة لصياغة دستور جديد. وها هو الدكتور محمد البرادعي ابن مصر البار وأملها في التغيير يكتب مقالته الرائعة في العدد الأسبوعي من «الدستور» : (من أين نبدأ ؟)، وفيها يطالب مصر (قيادة وشعباً) بأن تقوم بثلاث خطوات، لو تحققت لتقدمت مصر إلي المراتب الأولي بين الأمم. ولكن - والحق أقول لكم - مقالة الدكتور تنقسم إلي قسمين : القسم الأول : تراه في السطور واضحا جليا. القسم الثاني : تراه بين السطور مستترا خفيا. كيف ذلك ؟ أقول : إن من يريد أن يفهم كلام الدكتور محمد البرادعي عليه أن يقرأ كل تصريحاته ولقاءاته، لكي يستطيع أن يرد متشابه كلامه إلي محكمه، وأن يستوعب غامضه من جليه، وأن يفهم خاصه من عامه...! فهذا الرجل - يا سادة - لا يتحدث جزافاً، بل يتحدث وهو يعلم جيدا ماذا يقول ؟ ومتي يقوله ؟ وكيف وبأي صيغة يقوله ؟ لذلك حين يقرأ المرء منا كلامه الذي يطالب فيه الشعب وقيادته ب... كذا وكذا وكذا... إلخ... لا بد أن يتذكر ما قاله سابقا بأنه لن يمنح لجنة شئون الأحزاب شرف أن يقف أمامها طالبا تأسيس حزب سياسي ! وأنه لن يدخل تمثيلية لانتخابات دون ضمانات، وأنه يري أن الدستور المصري يقنن المنع لغالبية الشعب من حقوقه في اختيار حكامه... إلخ. لذلك... أقرأ بين السطور دعوة محمد البرادعي لشعب مصر بالتحرك السلمي لتغيير الواقع، وتحقيق هذه الشروط، وانتزاعها انتزاعا من اليد الباغية التي تمنعها ! محمد البرادعي ليس كبقية المعارضين في مصر - مع كامل احترامنا لهم جميعا - يسجل موقفاً أمام التاريخ، ثم ينصرف لحاله وكفي الله المصريين القتال...! محمد البرادعي يعمل من أجل تغيير حقيقي علي الأرض، إنه لا يقول للتاريخ : لقد قلتُ (لا) حين اغتصب الظالمون حقوق الناس، بل يقول للتاريخ (قف مكانك)...! ماذا يريد البرادعي من مقالته ؟ مطالب سياسية ؟ شروط منطقية لانتخابات نزيهة ؟ يعلمنا مبادئ المبادئ في أصول الاقتراع النزيه ؟ أعتقد أن كل هذه الأمور - علي أهميتها - لا تحتاج هذا العناء ! وأنا لا أستطيع أن أفهم مقالة الرجل من خلال سطورها، بل من خلال ما بين السطور، وما بين السطور واضح...! لا مجال لمناقشة أفكار الرجل إذن، فهي في مجملها مسلّمات، وأنا في هذه المقالة أحاول أن أفك شفرة الرسالة التي يرسلها الرجل إلي شعب مصر، وخلاصتها : إنني علي استعداد للحركة معكم سلميا، ولكن ... لا بد أن تتحركوا أنتم أيضا...! إذن... ماذا يريد البرادعي من مصر ؟ يريد هدفا واحدا... أن يتحرك المصريون نحو حريتهم تحركا سلميا دؤوبا منظما من أجل التحرر من جميع أشكال الاستبداد الداخلي والخارجي ! لا يريد البرادعي من القيادة سوي أن ترحل، ومن يقرأ كلامه في مناسبات سابقة يعلم أنه سيصفح عن الماضي مقابل أن يتركوا لنا فرصة في المستقبل. ويريد من الشعب أن يبدأ التحرك السلمي من أجل تمهيد طريق التغيير. كل الشروط التي ذكرها البرادعي في مقالته لا قيمة لها دون الناس، ولو أن من يطالب بها نبي مرسل من الله لكان أيضا بلا قيمة طالما ظل نبيا بلا أتباع ! ولكن لو تحرك الناس خلف شخص يملك من الكفاءة والأمانة ما يؤهله للقيادة فإنه سيصبح في مركز القوة هو ومن وراءه من المؤيدين، وحينها - وحينها فقط - يمكنه انتزاع الحقوق المنهوبة، واسترداد الثروات المهدرة، والآدمية المنتهكة...! إن الانتخابات وشروطها والدساتير وقوانينها - في النهاية - وسائل يستخدمها شعب واع في تحقيق أهدافه، وبدون هذا الشعب الواعي لا تغني الدساتير ولا القوانين ولا الانتخابات حتي وإن كانت نزيهة ! إن الفيصل في فهم مقالة الدكتور البرادعي، وسائر تصريحاته أن نفهم أنه يراهن علي الناس، وبدون تحرك الناس، سيعجز كل المحللين عن فهم معني كلامه، ومدي منطقيته، وإمكانية تحققه علي أرض الواقع... لذلك... وبصفتي مقررا عاما للحملة الشعبية لدعم ترشيح البرادعي للرئاسة أدعو كل شعب مصر في الداخل والخارج إلي التحرك السلمي من أجل تعديل الدستور، واختيار البرادعي رئيسا شريفا لكل المصريين. يا أهل مصر... اقرأوا ما بين السطور، وتحركوا معنا، فنحن أمام فرصة ذهبية قد لا تتاح إلا بعد عمر طويل...! ابدأوا بالتحرك لمطار القاهرة يوم الجمعة 19 فبراير، ستصل طائرة الدكتور البرادعي في تمام الساعة الثالثة عصرا، في صالة الوصول رقم ثلاثة. ليأت كل واحد منكم علي حدة، أو في تجمعات لا تزيد علي ثلاثة أفراد، بدون أن يحمل أي منكم أي شيء يدل علي أنه ذاهب لاستقباله. سنكون جميعا هناك... بهدوء... في شكل حضاري سلمي... من أجل أن نبدأ تحركنا الحقيقي، لكي نشد صباحنا من بين أصابع الظلام...! عاشت مصر حرة للمصريين وبالمصريين...