تمخضت وزارة الداخلية فلفظت 505 لواءا، و82 عميدا، و82 عقيدا، ناهيك عن بعض الترقيات والتنقلات الأخرى . وعندما نعلم أن 54 من الضباط المتهمين فى قضايا قتل المتظاهرين تم ترقية بعضهم ونقل البعض الأخر الى مواقع ادارية، وذلك كله قد تم بحجة صعوبة مخالفة القوانين التى لا تسمح بانهاء خدمة أى من السادة الضباط الا بعد ثبوت ادانته بالتهمة الموجهة اليه.. فعندها يجب أن نتوقف ونتسائل : ما الجديد فى هذه الحركة؟!.. وهل لو هبت هذه الثورة فى وجه الرئيس السابق ولم تنجح فى خلعه – لا قدر الله – هل كان سيقوم بأقل مما قام به اللواء العيسوى لاسترضاء الجماهير الغاضبة؟! اسمح لى يا سيادة الوزير أن أذكرك بالقانون الذى تدعى أنه يكلبش يديك عن اتخاذ القرار الشجاع الذى كنا نتوقعه منك، ودعنى أتحمل عنك عناء الاطلاع على قانون الشرطة الذى من الواضح أنك لم تتصفحه من قبل، ولو حتى تصفحك للصحف اليومية . وسوف أذكر هنا ما يهمنا من نص المادة 53 من هذا القانون والتى تخول لوزير الداخلية أو لأحد مساعديه أن يوقف أى من أعضاء هذا الجهاز عن العمل اذا تم توجيه التهمة له فى جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو بالأمانة، مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر ولا يمكن مد مدة الايقاف الا بقرار من مجلس التأديب بحسب المدة التى يحددها . لقد شاهدت العيسوى فى أحد برامج التوك شو وهو يستنكر قرار الدكتور شرف حول انهاء خدمة الضباط المتهمين فى قضايا قتل المتظاهرين وكان يلوح بأنه لن يسمح لأى أحد كائن من كان أن يمس "أحد رجالتى".. وبالطبع هذا الكلام غير مقبول لغة وتفصيلا، لأننا لسنا فى "سوق للخضار" كما أنه لم يكن من اللائق اطلاقا أن تتقمص شخصية "المعلم عيسوى" لأنك ببساطة لست هذا الرجل، ولكنك معالى وزير داخلية الدولة المصرية . لقد كتبت من قبل مقال نشر فى أحد الصحف الأجنبية بتاريخ 4/7/2011 تحت عنوان "وزارة الثورة المضادة" اقترحت فيه عدة خطوات.. ارتأيت أنها ربما تساعد الجماعات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدنى فى طرح البدائل للوصول الى التطهير الشامل واعادة الهيكلة كأولويات ملحة لهذا الجهاز، وذلك لتجنب الاصابة بالتلوث السمعى الناتج – عادة - عن الجملة الشهيرة التى أخذ يرددها النظام البائد مخاطبا بها المعارضة فى كل مرة تطالب فيها بتغيير أساليب الادارة العقيمة لاحدى مؤسسات الدولة دون طرح البدائل المناسبة : "انتو ولا ترحموا ولا تخلوا رحمة ربنا تنزل !"، وكانت هذه الاقتراحات كما يلى : 1-انهاء خدمة جميع القيادات الشرطية الحالية – بلا استثناء – المتمثلة فى الوزير منصور عيسوى وجميع مساعديه ومديرى القطاعات والادارات والأمن ومساعديهم فى جميع المحافظات، وتصعيد الضباط الشرفاء والمشهود لهم بالكفاءة الى هذه المواقع بغض النظر عن الرتبة.. وذلك بالطبع بعد أن أثبت لنا هؤلاء أنهم لا يريدون تطهيرا ولا اصلاحا ولا حتى ثورة، بل على العكس فقد تم توجيه التهم اليهم من قبل الكثيرين بأنهم هم المحرك الأساسى للثورة المضادة، والداعى والمنظم "للاضراب الوضعى" الذى يمارسه رجال الأمن فى جميع أرجاء البلاد، وذلك بالطبع أحد افرازات العقم الفكرى الذى يتسم به هؤلاء، والذى دفعهم الى تصوير الشعب المصرى – بعد ما حدث فى جمعة الغضب - على أنه خصم للداخلية.. هذا الى جانب عدم قدرتهم على تقبل فكرة التحول الى الصفة الخدمية لهذا الشعب التى يجب أن نراها على أرض الواقع كنتيجة لمكتسبات ثورتنا العظيمة . 2-لقد اقترحت فى مقالى السابق بخصوص هذه النقطة أن يتولى حقيبة الداخلية رجل من رجال القوات المسلحة بصورة مؤقتة يعمل على اعادة النظام والضبط والربط الى هذه الوزارة المهلهلة.. ولكن بعد ما تحسسناه من غموض فى موقف المجلس العسكرى تجاه ما يحمله الثوار من مطالب فى الفترة الأخيرة، فانى أقترح أن يتولى هذه الحقيبة رجل مدنى ممن يتمتعون بخبرة قانونية، أو ممن لهم خلفية حقوقية حتى يستطيع تطهير واعادة هيكلة الجهاز بالكامل، دون اللجوء الى الترقيع الذى نحن بصدده الأن . 3- استحداث الية لدمج وزارة الداخلية مع وزارة العدل، بحيث تسمح بتوفير أحد أعضاء النيابة العامة فى كل قسم من أقسام الشرطة ليشكل الجهة المختصة بتلقى شكاوى المواطنين، التى تنتج عادة عن الأسلوب الاستفزازى الذى يتعامل به بعض الضباط وأفرد الشرطة مع هؤلاء المواطنين الشرفاء.. وليمثل أيضا جهة رقابية للحد من ممارسات التعذيب داخل أماكن الاحتجاز.. كما أن تواجد ممثل عن النيابة العامة داخل قسم الشرطة بصفة مستمرة سوف يكون له بالغ الأثر فى توفير عنصرى الوقت والجهد عند تحويل المتهمين الى النيابة العامة للتحقيق معهم . 4-دراسة امكانية قصر أكاديمية الشرطة على خريجى الجامعات فقط، والغاء امكانية الالتحاق بها عقب تخطى مرحلة الثانوية العامة.. حيث أن مصر هى الدولة الوحيدة التى مازالت تتبنى هذا النظام الذى يؤدى – بالطبع - الى عزل الطالب عن المجتمع كليا.. أضف الى ذلك كم ما يتلقاه من أفكار طبقية داخل الأكاديمية تساعد على اصابته بالأمراض الاجتماعية والنفسية التى يشتهر بها ضابط الشرطة كالتعالى على المواطنين، والسادية المفرطة التى تعتبر السبب الرئيسى فى حوادث التعذيب التى نسمع عنها بين الحين والأخر . 5- بعد الانتهاء من تنفيذ كل ما سبق من اجراءات قد تسهم فى ترويض هذا الجهاز لضمان عدم خرق القانون وتزوير ارادة الشعب من جديد.. حينها يتعين وضع دراسة شاملة لاعادة هيكلة الأجور مرة أخرى فى وزارة الداخلية، ابتداء من السيد الوزير، وصولا الى عسكرى المرور . هذه هى بعض الخطوات العملية التى يجب أن تتبعها سيادة الوزير اذا كنت بالفعل تسعى الى ارساء المبادىء الجديدة للثورة من كرامة وحرية وعدالة اجتماعية داخل وزارة.. كانت ومازالت تعمل بكل طاقاتها فى عكس اتجاه هذه المبادىء، كما أن ما تم الوصول اليه من انجازات، وما تم تحقيقه من مكتسبات بعد 25 يناير سوف يدفعنا الى عدم تقبل أية تعديلات تتناقض بشكل أو بأخر مع ما سبق من مبادىء، وتقلل أيضا من الجهود المبذولة لترسيخ شعار "الشرطة فى خدمة الشعب"، أما اذا كان كل ما تستطيع أنه تقدمه من اجراءات اصلاحية لا يرتقى الى ما سبق.. "فاحنا أسفين يا عيسوى" !