لا شك أن استهداف محمود عبد الرءوف المبحوح - القيادي بكتائب الشهيد عز الدين القسام - خارج بلاده وسرعة نقل جثمانه إلي دمشق وخروج قائد حركة حماس وأعضاء المكتب السياسي لتشييع جنازته يؤكد مدي أهمية هذا الرجل وخطورته ومدي ترصد الاحتلال الإسرائيلي له منذ فترة كبيرة. وكشف أسامة حمدان ممثل حماس في لبنان عن أن التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية في دولة الإمارات بينت أن الشهيد محمود المبحوح قد قتل علي يد الموساد الإسرائيلي في العشرين من الشهر الحالي، موضحاً أن تأخير الإعلان عن وفاته ارتبط باستكمال التحقيقات وعدم التشويش علي مجرياتها. المصادر داخل المكتب السياسي لحركة حماس لم ترجع أهمية المبحوح إلي تاريخه النضالي والعسكري فقط، بل أكدت ل«الدستور» أن المبحوح لم يتوقف عن عمله العسكري والحركي منذ خروجه من غزة بعد مطاردة الاحتلال له حيث تمكن المبحوح من اجتياز الحدود هو ورفاقه إلي مصر، ومن ثم إلي ليبيا، ومن هناك غادروا إلي سوريا حيث أكمل مشواره الجهادي حتي يوم استشهاده. كما أكدت المصادر أن الحركة لديها العلم بأن المبحوح من الشخصيات المستهدفة داخل الحركة مشيرة إلي أن سفر المبحوح إلي دولة الإمارات العربية المتحدة كان لمهمة خاصة ورسمية من قبل قيادة الحركة. وأوضحت المصادر أن المبحوح هو من قيادات العمل العسكري للحركة وأنه أحد أهم الأفراد المسئولين عن دعم كتائب القسام لوجستياً ومادياً من خارج فلسطين. وبالرغم من التزام إسرائيل الصمت تجاه الاتهامات بوقوفها وراء عملية اغتيال المبحوح، فإن الإذاعة الإسرائيلية قالت إنه يستدل من تقارير مختلفة علي أن المبحوح كان يقف وراء تهريب صواريخ ووسائل قتالية أخري من إيران إلي قطاع غزة عبر السودان بواسطة عشرات الشاحنات. وقالت إن شاحنة السلاح التي قصفها الطيران الإسرائيلي في السودان قبل نحو عام كان هو من يقف خلفها، وذكر موقع «والا» الإسرائيلي أنَّ المبحوح هو المطلوب الأول للجيش الإسرائيلي. وعلق محلل الشئون الأمنية والعسكرية في موقع صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإلكتروني، رون بن يشاي، علي موت المبحوح بالقول إنه «كان واحداً من مسئولي المنظومة المشتركة لحماس وإيران، وقد نظم وأشرف علي تهريب القذائف، والسلاح، ومواد تفجيرية ومخربين فلسطينيين مدربين من إيران إلي غزة. وهذا أيضاً السبب الذي من أجله، كما يبدو، ذهب المبحوح إلي دبي». ورأي بن يشاي أنه «من الممكن أن حماس تفترض أن لإسرائيل مصلحة في اغتياله، ليس فقط لعرقلة تهريب السلاح والقذائف من إيران إلي القطاع، بل أيضاً لإمرار رسالة تحذير لنشطاء حماس الذين يأسرون جلعاد شاليط، وعلي رأسهم أحمد الجعبري. كما لم يستبعد محمود الزهار القيادي في حماس أن يكون المشتبه في اغتيالهم محمود عبد الرءوف المبحوح القيادي في الحركة الذي وافته المنية الأربعاء قبل الماضي يحتمل أنهم دخلوا إلي دولة الإمارات ضمن الوفد الإسرائيلي الذي زار دبي مؤخراً برئاسة «عوزي لانداو» وزير البني التحتية الإسرائيلي. وقال الزهار: « نحن نريد أن نعرف ما إذا كان هناك داخل الفندق من أسهم في عملية القتل، والأدوات التي استُخدمت في جريمة الاغتيال، ومن أي بلاد جاء المنفذون، وبأي جوازات سفر دخلوا إلي الإمارات ؟». وصرح مصدر أمني مسئول في دبي بأن التحقيقات ترجح أن الجريمة ارتكبت علي يد عصابة إجرامية متمرسة كانت تتبع تحركات المبحوح قبيل قدومه للإمارات، موضحاً أن معظم المشتبه فيهم يحملون جوازات سفر أوروبية، وأن الشرطة ستباشر الإجراءات اللازمة مع الإنتربول الدولي من أجل إلقاء القبض عليهم ومحاسبتهم. ومن جانبه أرجع محمد نزال - عضو المكتب السياسي أهمية المبحوح ودوره في الحركة إلي أنه أحد أفراد الخلية الأولي لكتائب عز الدين القسام وهو أحد مؤسسي الكتائب برفقة الشهيد صلاح شحادة، بالإضافة إلي تاريخه النضالي منذ الانتفاضة الأولي، مضيفا: أن تاريخ المبحوح الجهادي زاخر ولا ننسي أنه المسئول عن عملية أسر جنديين صهيونيين في عام 1988م، حيث تمكن مجاهدون تابعون لكتائب القسام بقيادة الشهيد محمود المبحوح من أسر رقيب صهيوني يدعي «آفي سبورتس» وجندي آخر في 1989/5/3 يدعي «إيلان سعدون». وأكد نزال أن عمل المبحوح لم يتوقف حتي يوم استشهاده وأن سفره إلي دبي كان رسمياً من قبل الحركة، لكن نزال في الوقت ذاته لم يفصح عن المهمة التي ذهب لها المبحوح إلي دبي، مشيرا إلي أن التحقيقيات لا تزال مستمرة في دبي وأن الاتصالات بين قيادة الحركة وحكومة الإمارات لن تتوقف حتي يتم الكشف عن الجناة، موضحاً أن المعلومات الأولية تؤكد تورط شخصيات أوروبية ذات صلة بالاحتلال في مقتل المبحوح. وأشار نزال إلي أن حركة حماس لن تقف مكتوفة الأيدي أمام جريمة اغتيال المبحوح، مؤكداً أن الأوامر صدرت لكتائب القسام منذ لحظة اغتيال المبحوح لاتخاذ الرد المناسب والموجع للاحتلال. وحول تغيير قواعد اللعبة واستهداف الاحتلال لقادة الحركة خارج فلسطين، أوضح نزال أن استهداف القادة في العواصم العربية ليس بجديد عن الاحتلال، وأضاف : الاحتلال الصهيوني لا يزال يخطط لعملياته القذرة بالتعاون مع العصابات وشبكات المافيا لاستهداف قادة الحركة في العواصم العربية مثلما سبق مع رئيس المكتب السياسي خالد مشعل حين تم استهدافه في عمان - الأردن وكذلك محاولة استهداف أسامة حمدان وعلي بركة في بيروت وهذه السياسة ليست جديدة علي الاحتلال لكننا نحاول اتخاذ الحيطه قدر المستطاع بالإضافة إلي قدرتنا علي الانتقام لدماء شهدائنا الزكية. ومن جانب آخر اتهمت عائلة المبحوح السلطات المصرية بإعاقة خروجها من قطاع غزة للمشاركة في تشييع جنازة فقيدهم محمود المبحوح، وقال شقيق الشهيد - سعيد المبحوح - في اتصال هاتفي مع الدستور: إن السلطات المصرية تحمل كل الكره والبغض لشقيقي محمود وتسميه إرهابياً مشيراً إلي أن مصر طالبت من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل في إحدي السنوات الماضية بعدم اصطحاب شقيقه ضمن وفد كان متوجهاً إلي القاهرة في تلك الفترة. وأضاف المبحوح أن المعلومات التي أُفدنا بها منذ البداية أن هناك ثمة آثار ضرب علي الرأس من الخلف وبقع دماء علي السرير الذي كان ينام عليه، حيث ضرب بصاعق كهربائي شل حركته ثم خنق. وأكد أن من يكمن وراء ذلك الاغتيال هو إسرائيل، مشيرا إلي أن الاحتلال الإسرائيلي حاول مراراً وتكراراً اغتياله، حيث تعرض لمحاولتي اغتيال في الأعوام الأخيرة في كل من سوريا ولبنان. وأوضح أن شرطة الفندق الذي نزل به شقيقه في تلك الليلة لم تكن تعلم أن هذا الشخص المقتول هو أحد قادة حماس وتعاملت كأي مواطن عادي، لكن بعدما علمت أنه ينتمي لحماس ويعد أحد قادتها باشرت بالتحقيقات لمعرفة ملابسات تلك الجريمة. جدير بالذكر أن الشهيد المبحوح الذي اغتيل في دبي في 20 يناير 2010، ولد بمخيم جباليا للاجئين في قطاع غزة عام 1960، ودرس في مدارس المخيم حتي الصف السادس الابتدائي، وعمل ميكانيكياً للسيارات حتي خروجه من غزة في العام 1989 بعد أن اكتشف الاحتلال الصهيوني ضلوعه في اختطاف الجنديين آفي سبورتس وإيلان سعدون. فيما نقل الموقع الإخباري الإسرائيلي «والا» عبد والده سعدون أن عملية التصفية جاءت متأخرة 20 عاماً، وكان علي الجيش الإسرائيلي أن يقوم بقتله منذ فترة طويلة. كما امتدح زوار الموقع الجيش الإسرائيلي لقيامه بقتل المبحوح.