المشهد الأول: العربة الكارو يجرها الحمار المنهك تسير فى الطريق غير الممهد الملئ بالحفر والمطبات، والعربجى ينهال بعصاه على ظهر الحمار ليمشى سريعا، والحمار ناء بحمله الثقيل من الحجارة والرمل والبلاط المكسر، وأخيرا وصلا - الحمار وصاحبه - إلى هدفهما، الجزء المظلم تحت الطريق الدائرى بشارع مصر حلوان الزراعى حيث نشط العربجى فجأة فى تفريغ حمولة العربة من الردم بجوار الرصيف، وانصرف إلى حال سبيله. صباح اليوم التالى؛ غطت أكوام الردم نصف نهر الطريق ،ومعظم مطلع ومهبط كوبري دار السلام بالمشاركة مع تلال القمامة ! المشهد الثاني: كان يقود سيارته عائدا إلى بيته فى الهرم، وكانت الساعة تقترب من منتصف الليل، وبعد أن نزل من الطريق الدائرى وأثناء سيره فى طريق المنصورية بمحاذاة الترعة؛ اخترقت أنفه رائحة كريهة، يا ساتر .. من أين تأتي هذه الرائحة البشعة ؟ واكتشف أن أرض الشارع غطيت بروث الخيل والجمال والحمير ؛ خاضت فيها كل السيارات المارة ، وتتبع الأثر مسرعا ، حتى وصل إلى شارع الهرم فإذا بسيارة من سيارات شفط (الترنشات) ، فتح سائقها محبس الخزان الخلفى وتخلص مما شفطه من روث حيوانات الاسطبلات فى نزلة السمان يخرّ على أرض الشارع، بدلا من أن يذهب بحمولته إلى أبى رواش ! المشهد الثالث: عندما كان عائدا من عمله برأس غارب إلى الغردقة حيث يسكن؛ وفى منتصف الطريق فاجأه وجود رجل يشير له ، فتوقف وعاد بسيارته إلى الوراء ليرى ماذا يريد، فطلب منه الرجل أن يكلم ابنه فى التليفون ليأتى إليه إذ إنه انقلبت سيارته فى الرمال منذ حوالى نصف الساعة، فاستجاب صاحبنا لطلب الرجل المصاب، وبعد أن كلم ابنه سأله: ولكن أليس معك تليفون محمول فى هذه الصحراء يا عم؟ أجابه الرجل بمرارة: بلى .. كان معى ، وأوقفت أول سيارة بعد انقلاب سيارتى وطلبت من سائقها الشاب أن يستعمل تليفونى لإجراء مكالمة لإبنى لأنى لم أكن فى كامل وعيي، فما كان منه إلا أن أخذ التليفون وهرب ! المشهد الرابع: سألت المذيعة الحسناء فى البرنامج الشهير الصياد العائد من مأساة احتجاز مراكب الصيد المصرية فى الصومال منذ أكثر من سنة: - فى الصومال ! عندكو السواحل المصرية كلها، البحر الأبيض والأحمر والبحيرات والنيل، ورايحين تصطادوا فى الصومال ؟ - مصر ماعادشي فيها خير يا مدام، فرُحنا هناك الخير كتير، يعنى نعمل إيه يعنى ؟ فعلا .. فالسواحل المصرية قد خلت من الأسماك، وعبر العشرين عاما الماضية سيجد المهتمون بالصيد أن المنحنى قارَب القاع، والأسباب يعرفها القاصى والدانى، فالصيادون يحصلون على الأسماك بكل الطرق، من الديناميت إلى المبيدات الحشرية ( الدي دي تي )، إلى استعمال التجريف من سطح الماء إلى القاع بالشباك الكبيرة بين (البلنصات)، والبيئة البحرية تدهورت أحوالها نتيجة سير آلاف القوارب واليخوت تلقى بمخلفاتها وتنفث عوادمها وسمومها فى البحر، ثم جاءت موضة صيد خيار البحر منذ عشر سنوات؛ وهذا الخيار يعتبر الكائن الأساسى الذى يعيش على فضلات الأسماك فينظف مياه البحر منها؛ فاتجهت مراكب الغطس بغطاسيها وكرست كل طاقاتها لاصطياده، ولا أحد يعرف من يشتريه، ولماذا يدفع فيه هذه المبالغ الهائلة، وللعلم فقط .. فقد كان هناك من يدفع مليون جنيه مقدما فى حمولة المركب قبل أن تخرج من الميناء لصيد الخيار، المهم أن البيئة البحرية فى البحر الأحمر قد ساءت أحوالها وما عادت مناسبة لتكاثر أنواع السمك المختلفة المهاجرة القادمة من المحيط الهندى منذ ملايين السنين، ومنذ فترة وردت الأخبار عن انتشار بقعة زيت فى منطقة سهل حشيش بالغردقة تهدد الحياة البحرية فى المنطقة كلها، قال يعنى هي ناقصة ! ألا ترى معى أيها القارئ العزيز أن كل هذه النماذج من أعمال الناس التى عرضتها لك هى من أعمال الفسق ؟ وأن من يقوم بها فاسقون ؟ قد يقول قائل إن الشعب المصرى شعب كبير وعريق، وقام بثورة تحدث عنها العالم، ولا بد أن تكون فيه نماذج صالحة وأخرى طالحة، كما ينطبق هذا القول على كل شعوب الأرض، وأردّ بما قاله القرآن الكريم عن شعب مصر إذ أطاعوا فرعون حين استخف بهم وبعقولهم: ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ) – الزخرف 54 ، أدعو الله أن يلهمنا في مصر حب بلادنا، لنتخلص من علامات الفسق التي جرها علينا حكم الفرد لأكثر من سبعة وخمسين عاما، وإلا .. فنهايتنا باتت وشيكة.. ! واسلمي يا مصر.