يفتتح فيلم Sherlock Holmes (شرلوك هولمز) بمشهد مثير يخطف الأنفاس فيه مطاردة بين عربة شرطة سوداء تجرها الخيول وتجري فوق أرض شوارع لندن في القرن التاسع عشر والمبللة بالمياه، وبجوار العربة علي الرصيف نلمح في الظلام البطل يجري بسرعة شديدة كأنه يهرب من العربة التي تطارده، وفي مشهد لاحق نري ونسمع صوت الراوي يشرح التكتيك الذي سيستخدمه هولمز ليتخلص من الشخص الذي يعيق حركته أو دخوله المكان الذي يستهدفه، وهو في حقيقة الأمر لم يكن يهرب من عربة الشرطة بل كان يحاول مستميتاً أن يسبقها ليكتشف المجرم الذي يبحث عنه قبل أن يصل إليه مفتش الشرطة التقليدي التي تخلو كل تحليلاته من أي خيال يضاهي خيال المجرم شديد الذكاء لورد بلاكوود، ويقدم المخرج «جاي ريتشي» في هذا المشهد «كود» الفيلم الذي سيمكن المشاهد لاحقاً من فهم أسلوب الفيلم وطريقة سرده للحوادث، فالمونتاج يقفز إلي مشهد سريع خاطف ومدهش وغامض، ثم يعود علي مهل إلي تفسيره من خلال فلاش باك وصورة بطيئة، ويختار المخرج شرح «شرلوك هولمز» لتحليلاته وأفكاره في الرواية بشكل وصياغة سينمائية أكثر ثراء وجاذبية بصرياً، وهو يهرب أيضاً من كل ما هو ممل وبطيء الإيقاع علي شاشة السينما من أساليب مستساغة في الرواية الأدبية المقروءة لحوار الشخصيات ووصف الأحداث. تم تقديم شخصية المحقق البوليسي «شرلوك هولمز» في السينما والتليفزيون العديد من المرات.. هي شخصية مثيرة ظهرت في القرن التاسع عشر في روايات وقصص الكاتب البوليسي «أرثر كونان دويل»، وظهرت أيضاً مع بداية السينما الصامتة، واستمرت في عشرات الأفلام بشكل أصبح نمطياً حيث يظهر فيها الممثل رجلاً نحيلاً مدخناً للبايب ويرتدي قبعة وعباءة صيادي الغزلان ويمسك عدسة مكبرة يستعين بها في الكشف عن الأدلة في أماكن الجريمة، ذلك الرجل الفيكتوري النبيل طويل القامة كما صوره «أرثر كونان دويل» قدمه أكثر من 20 ممثلاً من أشهرهم «روجر مور» و«تشارلتون هيستون» وتحول علي يد المخرج الشاب «جاي ريتشي»، والممثل الموهوب «روبرت دواني جونيور» إلي «سوبر هيرو» من نوع خاص، مختلف كثيراً عن صورته في قصص دويل، ولكنه مقبول إلي حد كبير علي شاشة السينما، وهولمز «جاي ريتشي» رياضي يستخدم قدراته العضلية في مغامراته، فإنه يحارب الجريمة والمجرمين بكل شراسة وينافس الشرطة في حل أعقد القضايا، ليس فقط بمباريات الذكاء التي يقوم بها وهو جالس علي مكتبه، وإنما عبر التحرك في شوارع لندن وأزقتها الضيقة متنكراً أحياناً، وهو إذا جلس دون عمل يحرك عقله فيتحول إلي كتلة من الغضب والعصبية ويتصرف كالمجنون، وقد تغاضي الفيلم عن الصورة التقليدية لشرلوك هولمز وقدم شخصية ذات ملامح جسدية مختلفة لكنها متقدة الذكاء والحيوية وخفة الظل، جمع الفيلم بين الأكشن والكوميديا، وظهرت فيه شخصية المحقق البوليسي كما لم تقدم من قبل، اختيار موفق للغاية للشخصيات الرئيسية للفيلم، «روبرت داوني جونيور» الذي منح الشخصية قدراً من القوة والانفعالات المندفعة بالإضافة إلي النظرات الحادة التي تعبر عن ذكاء خارق، لروبرت دواني جونيور لقاء سابق مع تجسيد الشخصيات المختلفة، لعل أهمها تجسيده شخصية الممثل الأسطورة «شارلي شابلن» في فيلم (شابلن) الذي أخرجه «ريتشارد أتنبرو»، أيضاً أجاد الممثل «جود لو» في دور مساعده الطبيب واطسون الذي يتعلق دائماً بعبقرية هولمز ويحاول مجاراته في اللماحية والتحليل السليم، لكنه في نفس الوقت يتطلع إلي التخلص من اللهاث خلف هولمز ومغامراته التي لا تنتهي ليتزوج من خطيبته، كانت الكاريزما بين «جود لو» و«روبرت داوني جونيور» واضحة في مشاهد الفيلم، تقوم أيضاً الممثلة «راشيل ماك أدامز» بدور لصة ومحتالة حسناء وحبيبة سابقة لشرلوك هولمز، لا يثق أحدهما بالآخر ولكن ظروف عملهما دائماً في مجتمع الجريمة يجعل لقاءهما مرة أخري حتمياً، اجتمع في الفيلم سيناريو ذكي كتبه كل من «مايكل روبرت جونسون» و«أنتوني بيكهام» و«سيمون كينبرج»، وحيوية إخراج «جاي ريتشي» الذي يقدم أفضل أعماله وأكثرها حيوية وإمتاعاً، وأضف إلي كل ذلك براعة الصورة والديكور والملابس التي نقلت أجواء لندن في القرن التاسع عشر بصورة واقعية واختيارات بارعة، منها أن إحدي المعارك الكبري في الفيلم كانت فوق برج لندن الشهير الذي كان ساعتها تحت الإنشاء، كما ساهمت الموسيقي تصويرية التي صاغها «هانز زيمر» في منح الفيلم حالة متفردة تجمع بين إثارة المطاردات والأكشن والطابع المرح للفيلم والشخصيات.