«هل تريد أن تبدأ صفحة جديدة معي؟» قالتها بحسرة ولم تجد إجابة منه. فقالت «هل نستطيع أن نبدأ التحدث بلغة جديدة أبجديتها مفهومة لينا إحنا الاتنين؟» فظل صامتا. فصمتت هي أيضا. وبالتأكيد لم يكن الصمت أبلغ من الكلام. ولم تستمر الحكاية. ماتت بسكتة لغوية! «إن الحياة هو ما يحدث لك بينما أنت مشغول بعمل خطط أخري» قالها الموسيقار المغني الشهير جون لينن. إنه عضو البيتلز وصاحب الأغنية الشهيرة «تخيل» وقد قتل في ال40 من عمره. وأكيد كانت له خطط أخري. والمشكلة دائما أن لحظات حلوة تتوه منا و«إحنا مهمومين باللحظة الجاية». وكم كان صادقا العزيز يوسف إدريس عندما سئل يوما: «امتي تعرف إنك بتحبها؟». فسرح للحظات وبعد أن أخذ نفسا عميقا من سيجارته قال: «لما تكون مش موجودة». إنه الحنين والاشتياق للحظة إياها معها نعم اللحظة التي كانت أو ربما ستكون. وهي طبعا الغائبة الحاضرة. انها هنا وفي كل زمان. وطبعا لها الحق كل الحق الكاتبة اللبنانية علوية صبح أن تقول عن نهلة (بطلة روايتها «اسمه الغرام») بأنها «هي التي دعتني لاكتشاف حياتها وجسدها بالكتابة»: انها دعوة للمغامرة والمخاطرة و«أنثنة» الكتابة والقراءة. وأن تخوض هي وأخواتها هذه الاكتشافات دون مصادرة أو تشويه أو تسلط ذكوري. بالمناسبة تردد أخيرا أن هذه الرواية منعت من دخول مصر. والمتأمل لعنوان المقالة «من فات جديده.. تاه برضه» قد يتصور للحظة (وقد يستنتج) بأن هناك خطأ ما في العنوان (يعني حصل غلط) أو إن احنا تهنا في الطريق. إلا أنه لا فيه غلط ولا تهنا (لا مؤاخذة). كل ما في الأمر أننا مثلما نكرر القول أحيانا بأن من فات قديمه تاه فإننا نحب نذكر ونتذكر بأن هناك جديدًا ومتجددًا ومستجدًا ومجددًا كل الوقت.. يحدث حولنا وبداخلنا ولو فاتنا هذا الجديد هنتوه برضه. نعم إن التحدي الأكبر أو المشكلة الكبري هي أننا أحيانا لا نري الجديد لا نريد أو لا نستطيع أن نراه. فعادة الإنسان تفاديا منه لبذل الجهد أو تقضيلا منه للبقاء في «منطقة الأمان والراحة» لا يقبل علي الجديد رغم تكرار كلامه عن ضرورة التغيير وشكواه المستمرة من المعتاد والمتكرر والممل والمشل. خاصة أن الخروج عن المألوف (كسر القيود أو الخروج من الصندوق) يحتاج إلي شجاعة وجرأة ومخاطرة ومغامرة واكتشاف. بالمناسبة توجد كتب وأيضا دورات تدريب لأساليب وطرق تدريب حواسك لرصد الجديد خصوصا الجديد الذي يمثل إضافة لك وإثراء لحياتك وذلك بمفهوم «دور عليه تلقاه.. دورعليه دور». وطبعا هذا الرصد والاستمتاع في حاجة ماسة لقابلية ورغبة و«..الا مفيش داعي تتعب روحك» يقول عادل مضيفا «يعني ببساطة ماينفعش معاها خلاص عارفين اللي مكتوب واللي بيتقال واللي بيتعزف وكأننا حكمنا بالإعدام بكامل قوانا العقلية علي كل ما هو جديد أو قد يكون جديدا في حياتنا». عادل بالمناسبة هو المنتبه والمتابع لكل تقلبات الحياة، كأنه يعمل في «بورصة الدنيا» وبالتأكيد بما أن له أسهمًا فيها فهو «دايما عامل حساب أسهمه».. ولا يمكن أن يقول خلاص زهقت. ويري عادل ببساطة ويوافقه الكثير من خبراء النفس البشرية أن وقتها أكيد «العيب فيك ومش في الدنيا اللي إنت زهقت منها». ولا يمكن أن يفوت عادل أو يفوتنا مثلا انشغال الدنيا بزلزال هاييتي وفيلم «أفاتار». الأول حدث مأساوي واقعي (ضحاياه من الموتي قد يصل أو يتجاوز ال200 ألف ودولة بسكانها كأنها انتهت) تقف أمامه حتي الدول الكبري الغنية عاجزة عن إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وأما الثاني فهو فيلم خيالي مبهر يشد انتباه البشرعلي امتداد العالم لتتخطي إيراداته المليار دولار بعد 27 يوما من بدء عرضه. والزلزال والفيلم يشغلان العالم الذي ينظر إلي الرئيس الأمريكي باراك أوباما بعد سنة من توليه الحكم بأمل وقلق واستطلاعات الرأي تشير الي تدني شعبيته وتزايد الشكوك حول ما يمكن أن يحققه. وأكثر عبارة ترددا علي لسانه علي مدار العام (كما رصد المراقبون) هي «دعني أكون واضحا». وتري ما الذي دفع أوباما لتكرار هذه العبارة؟؟ في بداية فيلم «أفاتار» هناك عبارة تشد الانتباه «العلم الجيد هو الملاحظة الجيدة». وأكيد الملاحظة الجيدة والالتفاتة الجيدة لما ينشر ويبث في موالد وسائل الإعلام خاصة المصرية والعربية منها قد تأتي بالجيد الجديد في دنيانا ونظرتنا لها. ألم تلاحظ مثلا أن اهتمام وسائل الإعلام بما هو شأن داخلي وأمر اجتماعي وهم إنساني وتناولها ل «تابوهات» عديدة في تزايد مستمر وهو أمر جيد جديد حتي لو لنا بعض التحفظ فيما يخص الجدية والتعمق وضرورة الابتعاد عن الحنجورية والإثارة الرخيصة. وملاحظة أخري عن الجيد والجديد هل لاحظت أن بعض كتاب الأعمدة «واقفين بالمرصاد مصحصحين» لكل ما هو جديد وجيد لالتقاطه والحديث عنه للقراء الأعزاء في حين أن الكثير منهم (من كتاب الأعمدة) كأنهم يقفون أمام المرآة وليس أمام الشباك للحديث عن الدنيا وما يحدث فيها. وعليك أنت عزيزي القارئ كتدريب واختبار(لوشئت طبعا) أن ترصد وتتابع وتجد وتحدد من يقف أمام الشباك ومن لا يريد أن يتحرك من أمام المرآة؟! والحكاية التي أحب أن أحكيها كلما التقيت بمجموعة شباب يدرسون أو يعشقون الصحافة هي حكاية العالم نيوتن وشجرة التفاح وجاذبية الأرض. إذ كم من بشر علي مدي قرون استلقوا مرتاحين تحت أشجار التفاح؟ وكم من المرات سقطت تفاحة علي من هو مستلقي أو مرتاح تحت الشجرة؟!. وكيف تعامل كل شخص مع التفاحة بعد أن انزعج من سقوطها عليه فإما أن أكلها وأخذ قضمة منها أو رماها بعيدا. لكن الملتفت الأول ( صاحب الملاحظة الجيدة) لهذا الحدث أو من فكر فيما حدث بطريقة جيدة وجديدة ومغايرة ثم قام بربط الأشياء بعضها ببعض كان نيوتن صاحب قانون جاذبية الأرض. والعالم الانجليزي الكبير إسحاق نيوتن (1643 1727) له إسهاماته العديدة والعظيمة في إثراء المعرفة الإنسانية. والهدف من هذه الحكاية و«الكلام ليك يا صحفي» (كما اعتدت أن أقول في نهاية حكايتي) هو أن تكون مصحصحا لما يحدث حولك حتي لو كان ما حدث شيئا بسيطا وربما متكررا، ثم الأمر الأهم هو أن تحاول تحليل وتفسير دلائل ما حدث. هكذا يحدث التشوق والتشويق والاهتمام والاكتشاف حتي لو ظننا أن كل ما حولنا ومن حولنا «يوووه نفس الأشياء ونفس الوجوه ونفس الكلام». ومش لازم نكون صحفيين عشان نطبق نظرية وأسلوب ومفهوم نيوتن مع التفاحة أو مع أي ثمرة أخري. وطبعا مهما اختلفت آراء ومواقف فلاسفة عشق الحياة فإن الهمسة في الأذن دائما تقول إن المطلوب أو المنتظر منا هو أن نري الأشياء بعيون جديدة، حتي لو لم تتاح لنا الفرصة أن نري أشياء جديدة وأيضا أن نسمع الأصوات بأذان جديدة.وبالطبع ألا نمل من تكرار ما نفعله وما نراه وما نسمعه وما نقوله والشارع الذي نمشي فيه والصحيفة التي نقرأها طالما أننا لم نفقد الرغبة والقدرة علي أن نكتشف الجديد ونري الجديد ونسمع الجديد ونقول الجديد. ولعل وليد طاهر المنطلق والمحلق في سماء صفحات الصحف وكتب الأطفال والمنعش برسوماته و «حبة هوا» وضع إيده عالجرح أو شاور عالطريق اللي يجب أن نمشي فيه (كلما أمكن) عندما كتب: امبارح وأنا مروح مادخلتش في شارعنا ودخلت شارع تاني.. تهت.. بس شفت.. شجر تاني.. باب تاني.. كلب تاني.. بكره وأنا مروح مش هاروح وهاسيب نفسي أتوه تاني! وما أحلاه ذلك التوهان الإرادي (مع سبق الإصرار والترصد) الذي تكتشف به شيء تاني وتالت وعاشر في حياتك. التوهان الذي تجد به نفسك.. واللي بيدلك علي كل ما هو جميل في حياتنا وحياتك وشوارع المدينة والحواري والأزقة اللي جنب بيتك. وبالمناسبة » أنا مش عايز بس أتوه دانا نفسي أتوه ونص» وطبعا الجديد القديم في دنيانا في أم الدنيا هو الحواوشي أو الفخفخينا أو التوليفة المصرية القادرة علي أن تلاغي الحياة وتدلعها وتهندس أيامنا وتمشي أمورنا وتسخر من قسوة الزمن وتذكرك دايما بأن لنا رب اسمه كريم. وطبعا كلنا ثقة في «الخبيئة» التي أشارت إليها العزيزة سكينة فؤاد وهي تتأمل وتتألم حالنا. منذ أسابيع بدأت ريم ماجد برنامجها المميز «بالمصري الفصيح» (علي قناة أون تي في) بالإشارة إلي أنها آسفة لأنه مفيش خبر يشرح القلب. وهي عندها حق فكل أخبارنا في أغلب الأيام (إن لم تكن كل الأيام) تغم وتسد النفس وأحيانا تكفر الواحد. وكلنا في الهم سوا. وربما إذا انتظرنا قد يطول انتظارنا للخبر إياه اللي يمكن يشرح القلب. وبصراحة مش الخبر السار أو مجموعة أخبار سارة هي التي ستغير الأحوال أو ستغير كونا. أنا في رأيي الخبر السار وده مش الخبر بس بل المبتدأ والفعل والفاعل اللي يشرح القلب ( وخدوني علي قد قلبي) هو قدرة المصريين علي الاستمرار والبقاء و«المقاوحة».. عبقريتنا في «بلع الزلط» (حتي لو كان مش من حبيب) وتمسكنا ب «خليها علي الله» و«بكره تفرج» ، واتقاننا المبهر «للقافية» و«القفشة».. وطبعا احتضاننا الحميم ل «روح الدعابة» وذوباننا للآخر في «النكتة». وهذه الأوصاف مش «ضحك عالدقون» وأنا شفتها وباشوفها وحستها وبأحسها وعشتها وعايشتها وعايشها وعايشينها في الشوارع والحواري والقهاوي و اسمعوا كلامنا كلام المصريين لما تسألوهم في أي حاجة. كلام ياكل العقل حتي لو مافيهوش منطق. والخبر ده بصراحة هو المانشيت الرئيسي اللي يفرح ويشرح القلب. وكلام في سرك يا ريم «لسه عايزة خبر يشرح القلب إيه هتنهبي؟؟». وخمسة وخميسة في عين العدو وربنا يحمينا ويحمي مصرنا.. وسواء كانت لديك ذكريات تحب تزورها من حين لحين أو لديك خطط تقعد ترسم فيها وتلونها وتحلم بيها أيام وليالي فخليك دايما صاحي ومصحصح وطبعا شوف حواليك عشان ماتفوتكش حاجة جديدة الحاجة الجديدة إللي إنت حتعرفها أو تتكعبل أو تتخبط فيها أكيد حتضيف لحياتك. وحتكتشف معاها حاجات جديدة تانية ومش بس حواليك إنما جواك كمان الجديدة اللي حتخليك تنتعش وتقول إن الدنيا لسه فيها خير وبخير والجديد اللي حيجذبك ويشدك لفكرة جديدة وخطة جديدة ونهار جديد ويمكن كمان صحبة جديدة وحكاية جديدة من غير«كان يا ما كان» حكاية تعيشها دلوقتي وممكن تحكيها بعدين عرفت بقه أنا قلت وكررت ليه من فات جديده تاه برضه المهم ماتفوتكش لا جديد ولا قديم وطبعا إنت وشطارتك.. وأكيد حتطلع كسبان وتدعيلي خلاص اتفقنا؟!