الوكالة الدولية للطاقة الذرية: معلومات إيران عن البرنامج النووي الإسرائيلي تبدو متعلقة بمركز أبحاث إسرائيلي    مصرع 3 أشخاص في حادث تحطم طائرة صغيرة بجنوب إفريقيا    وسط استمرار حالة الجمود السياسي.. رئيس كوسوفو تحدد موعدا للانتخابات البلدية    تقارير: مفاوضات بين الهلال والنصر لمشاركة لاجامي في المونديال    امتحانات الثانوية العام 2025.. رفع درجة الاستعداد ب9 مراكز في المنيا    صور زفاف أمينة خليل وأحمد زعتر في اليونان    بالفيديو.. إقبال كبير على سينمات وسط البلد في آخر أيام عيد الأضحى    مدرب منتخب بولندا يكشف تفاصيل أزمة ليفاندوفسكي    تصفيات كأس العالم.. تشكيل كرواتيا والتشيك الرسمي في مواجهة الليلة    شيخ الأزهر يعزي أسرة البطل خالد محمد شوقي: ضرب أروع الأمثلة في التضحية    قرار قضائي بشأن واقعة مصرع طفلة غرقًا داخل ترعة مغطاة في المنيا    مصدر بالسكة الحديد: إحالة شاب اقتلع إنارة قطار روسي على خط الصعيد للمحاكمة العسكرية    موعد أول إجازة رسمية بعد عيد الأضحى المبارك .. تعرف عليها    خبير: «المتحف المصرى الكبير» إنجاز عالمى يضم 100 ألف قطعة أثرية    "الجزار" يتفقد مستشفى عين شمس العام ويوجه بتوسيع تشغيل العيادات التخصصية    وزير الصحة يتلقى تقريرا عن متابعة تنفيذ خطة التأمين الطبي للساحل الشمالي خلال الإجازات    بعد صراع مع السرطان.. وفاة أدهم صالح لاعب سموحة للتنس    البابا تواضروس يوجه نصائح طبية لطلاب الثانوية العامة لاجتياز الامتحانات    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ميني باص على صحراوي قنا    محمد البهنساوي يكتب: حج استثنائي فماذا بعد ؟    بطولته ستبقى في سجل الشجعان.. محافظ الدقهلية في عزاء سائق حريق العاشر من رمضان    العثور على 10 جثث لشباب هجرة غير شرعية غرب مطروح    دوناروما يقود منتخب إيطاليا ضد مولدوفا في تصفيات كأس العالم    أمين عام الناتو: سنبني تحالفًا أقوى وأكثر عدالة وفتكًا لمواجهة التهديدات المتصاعدة    الزراعة: ذبح 450 أضحية لمؤسسات المجتمع المدني في غرب النوبارية    استعراضات فرقة الطفل تخطف الأنظار على المسرح الروماني بدمياط الجديدة    لتجنب تراكم المديونيات .. ادفع فاتورة الكهرباء أونلاين بدءا من غد 10 يونيو    روشتة طبية من القومي للبحوث لمريض السكري في رحلة الحج    مظهر شاهين عن إحياء أحمد سعد حفلًا غنائيًا: "مؤلم عودة البعض عن توبتهم"    بأنشطة في الأسمرات والخيالة.. قصور الثقافة تواصل برنامج فرحة العيد في المناطق الجديدة الآمنة    «سرايا القدس» تعلن الاستيلاء على مسيّرة للاحتلال في شمال غزة    إصابة 20 شخصا بحالة تسمم نتيجة تناول وجبة بأحد أفراح الدقهلية    «التعاون الخليجي» يبحث مع «منظمة الدول الأمريكية» تعزيز التعاون الاقتصادي والاستثماري    هل تنتهي مناسك الحج في آخر أيام عيد الأضحى؟    الصحة: فحص 3 ملايين و251 ألف سيدة ضمن المبادرة الرئاسية ل «العناية بصحة الأم والجنين»    حارس إسبانيول على أعتاب برشلونة.. وشتيجن في طريقه للخروج    هل الموز على الريق يرفع السكري؟    وكيل الشباب والرياضة بالقليوبية يشهد احتفالات مبادرة «العيد أحلى»    حزب العدل: انتهينا من قائمة مرشحينا للفردي بانتخابات مجلس الشيوخ    ما حكم صيام الإثنين والخميس إذا وافقا أحد أيام التشريق؟.. عالم أزهري يوضح    آخر موعد لتقديم الأضحية.. وسبب تسمية أيام التشريق    موعد إجازة رأس السنة الهجرية.. تعرف على خريطة الإجازات حتى نهاية 2025    من الشهر المقبل.. تفاصيل زيادة الأجور للموطفين في الحكومة    خاص| محامي المؤلفين والملحنين: استغلال "الليلة الكبيرة" في تقديم تريزيجيه غير قانوني    حقبة تشابي ألونسو.. ريال مدريد يبدأ استعداداته لكأس العالم للأندية 2025    دار الإفتاء تنصح شخص يعاني من الكسل في العبادة    ارتفاع كميات القمح الموردة لصوامع وشون الشرقية    التحالف الوطنى بالقليوبية يوزع أكثر من 2000 طقم ملابس عيد على الأطفال والأسر    الأربعاء.. عرض "رفرفة" ضمن التجارب النوعية على مسرح قصر ثقافة الأنفوشي    الجامعات المصرية تتألق رياضيا.. حصد 11 ميدالية ببطولة العالم للسباحة.. نتائج مميزة في الدورة العربية الثالثة للألعاب الشاطئية.. وانطلاق أول دوري للرياضات الإلكترونية    ترامب يتعثر على درج الطائرة الرئاسية.. وروبيو يتبع خطاه    د.عبد الراضي رضوان يكتب : ل نحيا بالوعي "13 " .. حقيقة الموت بين الفلسفة والروحانية الإسلامية    دعاء الخروج من مكة.. أفضل كلمات يقولها الحاج في وداع الكعبة    الصحة: فحص أكثر من 11 مليون مواطن بمبادرة الكشف المبكر عن السرطان    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    بعد صعود سعر الفراخ البيضاء.. أسعار الدواجن اليوم الاثنين 9-6-2025 صباحًا للمستهلك    استعدادا لامتحان الثانوية 2025.. جدول الاختبار لطلبة النظام الجديد    الخميس المقبل.. ستاد السلام يستضيف مباراتي الختام في كأس الرابطة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أشرف الصباغ يكتب: الثورة المصرية بين التراخي والتآمر
نشر في الدستور الأصلي يوم 15 - 05 - 2011

لقد صبر المصريون 10 سنوات على حكم أنور السادات. وصبروا 30 عاما على حكم مبارك. وقاموا بواحدة من أندر الثورات في تاريخ البشرية، حيث انتهى أصلا عصر الثورات الكلاسيكية، ولم نر إلا الثورات الملونة في الفضاء السوفيتي السابق وبعض دول الكتلة الاشتراكية السابقة أيضا. لكن المدهش أن قطاع غير بسيط من المصريين، وهم من أكبر المستفيدين من الثورة، يتهمونها بأنها تعطل مصالحهم، وأن "العيال" في ميدان التحرير "ذودوها قوي". والأكثر إثارة للدهشة أن وسائل الإعلام المصرية، وعلى رأسها التلفزيون الحكومي وبعض القنوات الخاصة والصحف الرسمية، تقوم بتعميق هذه الفكرة والترويج لها وتسطيح كل ما حدث ويحدث عن طريق تناول الموضوعات وطرح الأسئلة ونوعية الضيوف والمحللين.
إذا كنا قد أدركنا تماما أن الملف الطائفي "الوهمي" في مصر كان ملفا أمنيا بيد "تنظيم أمن الدولة السابق" استخدمه كورقة رابحة للحفاظ على النظام السياسي وطواغيت المال والمستفيدين من تحالف السلطة مع المافيا والتنظيمات الأمنية، فلماذا تصيبنا الدهشة الآن، ونحن على أول طريق مواجهة الثورة المضادة، عندما نرى كل تلك الاشتباكات بين المواطنين المصريين التي يروج لها البعض، وبالذات وسائل الإعلام، باعتبارها فتنة طائفية، بينما الأرضية الأساسية لها علاقات حب وزواج وطلاق ومشاكل أسرية وبيع وشراء وتأجير؟
إن انهيار التجربة السوفيتية عام 1991 أدى إلى قيام حربين داخليتين، وانهيار اقتصادي شبه كامل. وبصرف النظر عن الاتفاق والاختلاف حول انهيار التجربة السوفيتية، فقد تمكن الروس بعد 10 سنوات كاملة من استرداد عافيتهم. ما يحدث في مصر الآن لا يساوي عشر ما حدث في روسيا. فالأجهزة الأمنية عاثت فسادا في تلك الدولة المترامية الأطراف والغنية. وكان قطاع كبير من العاملين في أجهزة الشرطة يرتدون زيهم الرسمي نهارا، ويستبدلونه بثياب اللصوص ليلا. وكان القتل يتم في عز الظهر وفي أي مكان في موسكو والمدن الأخرى. اخترعوا لروسيا أيضا مشكلة المسيحيين والمسلمين، فكانت حربا الشيشان، وما سمعنا عنه وشاهدناه من أحداث مأساوية للأطفال والنساء في المدارس والمسارح.
لا شك أن الموضوعين الطائفي والعرقي لهما امتدادات داخلية وخارجية. الأولى تتمثل في التيارات والقوى الفاشية والعنصرية، والأحزاب والجماعات السياسية التي تعتاش على ذلك وتطمح لاستخدام هذين الملفين للوصول إلى السلطة أو العودة إليها. والثانية جيوسياسية لإضعاف الدولة اقتصاديا وعسكريا وأمنيا وضرب منظومة عاداتها وتقاليدها ومنظومتها القيمية، ومن ثم تحويلها إلى إما سوق مفتوحة للمركز الأورو – أمريكي أو مصدر للمواد الخام والقوى البشرية الرخيصة..
على هذه الخلفية المقتضبة للغاية، والتي تكاد تكون مُخِلَّة، نجد أن مصر على أول الطريق، لأن القضية لم تكن إطلاقا في رأس النظام والطغمة المالية – الأمنية – المافياوية المحيطة به والتي كانت الدولة قائمة عليها أساسا. بل في مؤسسة الدولة ومنظومتها التشريعية والإدارية والفكرية والقيمية. كل ذلك لم يحدث، ولم يبدأ أصلا، لأن الثورة المضادة ليست مجرد كلمة تتضمن الرئيس وزوجته وأولاده وأقاربهم وعناصر التنظيمات الأمنية السابقة وطواغيت المال والحزب الحاكم فقط، بل وأيضا المنظومة الإدارية في مؤسسة الدولة والتي كانت أحد أكبر المستفيدين من وجود النظام السابق. هذه المنظومة لا تزال موجودة كما هي بلا أي تغيير على الإطلاق في مصر بداية من وزارة الثقافة التي جرت بها تغييرات شكلية تشبه لعبة الكراسي الموسيقية والتباديل والتوافيق، وانتهاء بوزارة التعليم والاقتصاد وكافة المرافق والوزارات الأخرى. كل ما في الأمر أنه تم تغيير "القبعات" أو "الطرابيش" كخطوة لإبداء حسن الطوية والنية على التغيير! وكان الرسوب في اختبار وضع دستور جديد للبلاد والتركيز على المكتسبات الوطنية الديمقراطية والخوض مباشرة في الملف الاجتماعي بمعناه الواسع إشارة واضحة على أن الثورة المضادة قوية وعاتية ولن ترحم أحد. بينما الشعب المصري الذي صبر 40 عاما على مقدمة الطغيان والاستبداد، ثم عليهما عمليا، يتعجل الآن لا نتائج الثورة بقدر ما ينظر إلى الثورة بعين الشك، ويقلل من شأنها، ويتهم "العيال بتوع التحرير" بأنهم "ذودوها قوي".
في هذه المرحلة أيضا يمكن أن نلمح "الوقاحة السياسية" في تحركات الأحزاب والجماعات العتيقة التي رفضت أصلا أن تشارك الشعب ثورته، ثم حاولت القفز إبان وجود النظام السابق. وبعد ذلك بدأت بطرح التبريرات المخزية أو بتغيير جواربها تمهيدا لقفزة نوعية أخرى على الثورة. فالبعض لا يخجل أن يعلن بصفاقة على شاشات القنوات الفضائية أن الثورة انطلقت من أحد مقاهي وسط البلد، بينما البعض الآخر يقوم بإنتاج أفلام تسجيلية ووثائقية ليؤكد أن الإخوان المسلمين (الذين رفضوا أصلا الخروج ثم ذهبوا إلى عمر سليمان للتفاوض معه إلى جانب حزبي الوفد والتجمع وبعض الأحزاب الأخرى غير الموجودة لا على الساحة السياسية ولا في الشارع) كانوا وراء الثورة. بينما يمارس هواة النظرية "عاداتهم السرية" بأن التراكمات النضالية التي قاموا بها هي التي أدت إلى قيام الثورة.
كل ذلك يحدث وكل أجهزة الإعلام في مصر تعمل بنفس العقلية التي تبحث دوما عن سيد جديد لتخدمه لا أن تمارس دورها المهني. كل ذلك يحدث والمصريون يتعرضون لضربات "كائنات فضائية!" لا يستطيع أحد أن يعثر عليها لا قبل الاعتداء ولا بعده!
في هذه المرحلة سنمل ونضجر من التراخي الذي يمكن تفسيره على أوجه كثيرة ومختلفة ومتنوعة ليس من بينها إطلاقا دعم الثورة أو الحفاظ على مكتسباتها. فالجهاز الإداري كان مستفيدا من وجود النظام السابق، فكيف بالله علينا جميعا أن يقوم بحماية الثورة أو بالعمل على أكمل وجه وهو كما هو لم يتغير إلا رئيسه أو مديره الذي جاء من مكان آخر في نفس الوزارة أو المؤسسة؟؟؟!!! إنهم هم أنفسهم الذين كانوا يفتحون الأبواب لأركان النظام السابق ويحملون حقائبهم وحقائب أولادهم ويتهافتون على المناصب بالانبطاح أمامهم. الجهاز الإداري في مصر أذكى من تنظيم أمن الدولة وأذكى من مبارك والعادلي وصفوت وزكريا وسرور. هذا الجهاز تحديدا هو الذي يعوق أي خطوة إلى الأمام عموما، وبالذات فيما يتعلق بترتيب الأوراق الاجتماعية في مصر. البلاد ليس فيها اعتصامات أو احتجاجات فئوية إطلاقا، إنها مطالب اجتماعية لقطاع يضم عشرات الملايين من المصريين وتمثل في الوقت ذاته أحد أهم أركان الثورة المصرية وأسباب نجاحها ووقوفها في وجه الثورة المضادة. وهذا ليس تهديدا لأركان وخفافيش الثورة المضادة، بقدر ما هو دعوة مصرية خالصة لكل جموع الشعب المصري بألا تنزلق إلى الاستهتار بالثورة أو التقليل من دور وجهود "ائتلاف شباب الثورة" و"العمال" وكافة أبناء الوطن في كل جامعة ومصنع ومؤسسة. هل كانت الأمور في عهد النظام السابق أفضل فعلا؟ إذن، لماذا كنا نشكو ونتشكى ونبكي يوميا من البطالة وضيق ذات اليد؟ لماذا كان رب الأسرة يقتل أولاده، والأمهات يلقين بأطفالهن من البلكونات ومن على أسطح المنازل المؤسسات الحكومية، مثل حادثة مجمع التحرير؟ لماذا كان المصريون يبيعون أطفالهم للأجانب؟ ولماذا عاشوا عشرات السنين وأنجبوا وربوا وعلموا خلالها وهم في أحياء عشوائية لا مياه ولا كهرباء ولا حياة كريمة؟ ولماذا كان الاعتداء على دور العبادة والإبادة العرقية للمصريين في الأعياد والمناسبات؟
إنه المعدن المصري الذي يحاولون كسره وتشويهه. لقد خدعونا طوال السنوات السابقة، وهم يخدعوننا الآن أيضا، بأن السبب كان مبارك وأسرته وطواغيت المال وتنظيم أمن الدولة. نعم، ولكن السبب الحقيقي الأخطر هو النظام بكامله والمنظومة الإدارية بكاملها.
هناك سبب آخر يتعلق بنا نحن كمصريين، ألا وهو أننا صدقنا ونصدق كلامهم إلى الآن وارتحنا لرحيل بعض الأفراد أو وضعهم في السجون ونريد أن ننهي كل شيء ليخرجوا إلينا مرة أخرى ويديروا البلاد ونعود إلى ما كنا عليه. إن شركاتهم ومؤسساتهم لا تزال تعمل وتدر عليهم الأرباح التي يذهب جزء منها لتمويل الثورة المضادة. وهذه النقطة تحديدا مرتبطة بحماقة جهاز الإعلام المصري وبعض الذين يروجون لما يصفوه بالاحتجاجات الفئوية. لا احتجاجات فئوية وعلى من بيده الأمر الآن في البلاد أن يضع خطة لإدارة شركات ومؤسسات وأعمال طواغيت المال السابقين، وكافة شركات ومصانع ومؤسسات الدولة، وإنعاشها ومنح العمال والموظفين حقوقهم لكي يؤمنوا بأن الثورة لم تسلبهم شيئا بل فتحت أمامهم الطريق لحياة كريمة. هذا سيكون مجرد تمهيد للبدء في بناء الوجه الاجتماعي والإداري للثورة المصرية. لا ينبغي أن تكون هذه الخطة مجرد "رشوة" لإنهاء الاعتصامات والاحتجاجات، بل مقدمة لعملية تغيير جذري في الإدارة والمنهج. فالمصريون جربوا رشاوي النظام السابق في أعياد العمال والأضحى والفطر، جربوا كل شيء وحفظوا كل "حركات الأنظمة الاستبداية" و"ألاعيب" الفساد والمافيا وطواغيت المال. وكما لم تحسن أوضاعهم في السابق، فلن تحسنها اليوم. فهل يمكن أن ندرك قيمة ما يفعله المصريون في ميدان التحرير وكافة ميادين ومصانع ومؤسسات البلاد؟ هل يمكن أن يفهم المصريون الأسباب الحقيقية من الاعتداء اليومي عليهم وعلى دور عبادتهم؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.