كان الخطاب الإعلامى للحركات الإسلامية قبل ثورة 25 يناير مختلفاً وله أولويات فرضتها ظروف الحظر والتقيد والمطاردة الأمنية. كان خطاباً متحدياً يثعلى من سقفه ونبرته الإعلامية، وكان خطاباً مدافعاً أحياناص عن الهوية الإسلامية ضد محاولات الاقصاء والألغاء اليوم وبعد ثورة مصر العظيمة تختلف أولويات الخطاب الإعلامى. سيظل الخطاب الإسلامى مركزاً على القضايا التى تثبت الهوية الإيمانية أولاً قبل الهوية الإسلامية، بمعنى البح عن المشترك مع الآخر المؤمنين بالله واليوم الآخر من أهل الكتاب وغيرهم. هذا المشترك يشمل: الإيمان بالله رغم الاختلاف فى طبيعة هذا الإيمان حتى بين بعض الطوائف المشتركة فى دين واحد، فلابد من اتحاد المؤمنين. ويشمل التركيز على الأخلاق الأساسية التى جاءت بها كل الأديان ، وتشترك معها فيها ثقافات وضعية حيث لا يمكن لإنسان سوى أن يحرّم الصدق أو يبيح ا لكذب، وكذلك الأمانة والخيانة، حتى هؤلاء الذين ينتهكون قدسية الحياة الزوجية وأصبحت سلوكاً مستقراً فى حياتهم المجتمعية لا يمكن لهم أن يقولوا فى العلن إن الخيانة الزوجية حلال بل تؤدى تلك الخيانة إلى انهيار مصداقية أى رئيس أو نائب برلمانى. وفى مجال القواعد الكلية للشريعة الإسلامية نجد انها متفقة مع القواعد الكلية لكل المواثيق القانونية فى الدول الكبرى وعلى المستوى العالمى أيضاً. ولا مجال للتفصيل هنا ولكنى أشير إلى بعضها: لا ضرر ولا ضرار، الضرر يزال، المشقة تجلب التيسير، العبرة فى العقود بالألفاظ والمبانى .. الخ. نحن المسلمين نؤمن بقول الله تبارك وتعالى : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } [المائدة : 48] ونؤمن بقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } [الحجرات : 13] ونؤمن بقوله تعالى : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا } [آل عمران : 64] ونؤمن بقوله تعالى : { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ۖ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴿46﴾ } [العنكبوت] كما نؤمن بأن منهج الدعوة إلى الله الذى ألزمنا به ربنا: { ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ۖ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [النحل: 125] ونؤمن بقوله تعالى : { وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴿34﴾ } [فصلت] ويأتى بعد ذلك التركيز على أن يكون التطبيق الإسلامى المعاصر للشريعة الإسلامية عن إقناع وإقبال وليس عن إلزام بسلطة القانون فقط. لذلك على الخطاب الإعلامى للحركات الإسلامية أن يركز على تقديم الإسلام فى مجال المعاملات والعلاقات بين الناس ونظم الحكم المختلفة والعلاقات الدولية إلى الناس، وإلى الخبراء ، وأن يكون مجال المناقشة بموضوعية وعلم وبحث متعمق حول المبادئ الأساسية لتلك القضايا التى يسأل عنها الناس بعد ان غاب التطبيق الإسلامى لفترات طويلة عقب عصور الانحطاط فى الفقه والفكر فى البلاد ا لإسلامية خاصة فى مجال المعاملات والإدارة ونظم الحكم السياسية. هذا خطاب متخصص للباحثين والأكاديميين والجامعيين الذين لهم بحوث رائعة وحيدة أعلم بعضها واطلعت على الكثير منها ولى سابق معرفة بهؤلاء بحكم دراستى فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر بالقاهرة وبكلية الحقوق والآداب بجامعة القاهرة ، وكان هؤلاء جميعاً يتم إقصاءهم وعدم تسليط الضوء عليهم ولا على بحوثهم وانتاجهم العلمى المتميز. اليوم نحتاج إلى إبراز تلك الجهود مع ضرورة الانتقال إلى مجالات التطبيق العملى لهذه البحوث والدراسات فى الحياة العامة. التحديات الكبرى الآن هى فى مجالات: نظم الحكم وتطبيقاتها، نظم الإدارة العامة، الاقتصاد ومجالاته المتعددة، الإعلام وحرياته ، الفنون بمختلف ألوانها، العلاقات الدولية والاتفاقات الدولية. على كل أبناء الحركات الإسلامية وبناتها الذين يخاطبون الجمهور من خلال الوسائط الإعلامية والمنابر المختلفة أن يوضحوا للناس أبعاد تلك القضايا وأن ينتقلوا بالناس بجوار الوعظ والإرشاد ودعم الإيمان والأخلاق كما أسلفنا إلى الحوار الموضوعى حول المبادئ العامة والركائز الأساسية لتلك النظم الحياتية. على مقدمى البرامج ومحررى الصحف وصانعى الإعلام والشباب على شبكة الانترنت والمدونيين على شبكات التواصل الاجتماعى أن يقودوا الحوار نحو تلك الموضوعات الجادة بجانب الجوانب الخفيفة التى لابد أن تستمر لأن الحياة ما هى إلا مزيج بين هذا وهذا. جانب ثالث مهم جداً فى الخطاب الإعلامى للحركات الإسلامية بعد الثورة أو قل الثورات العربية التى طرحت الحركات الإسلامية فى صدارة المشهد السياسى والمجتمعى والإعلامى العالمى وليس العربى. هنا لابد للحركات الإسلامية أن تتبنى خطاباً إسلامياً عالمياً موجهاً إلى العالم الحذر والقلق والمترقب لأداء تلك الحركات الإسلامية. يجب علينا أولاً أن ندرك أن ذلك الخارج ليس الغرب فقط، بل هو الغرب والشرق وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، وأن لنا أصدقاء بين هؤلاء جميعاً، أصدقاء ضد الهيمنة الثقافية الغربية على العالم. كما يحسن بنا أن ندرك أن الغرب ذاته ليس كتلة صمّاء بل هو تنوع ضخم ليس فقط بين الحكومات وبين الشعوب، بل حتى داخل تلك الحكومات نفسها. وعلى الخطاب الإعلامى للحركات الإسلامية بعد الثورة أن يتوجه فى المقام الأول إلى الجمهور الأوروبى والعالمى وأن يركز هنا على صانعى الأفكزار والمؤثرين فى الرأى العام من مفكرين وباحثين وجامعيين خاصة هؤلاء الصحفيين المتخصصين فى الشئون الدينية والإسلامية. جمعنى لقاء مع جمع من هؤلاء وصل إلى قرابة ال 20 وعندما سألت الأخت / نجوان الأشول التى نظمت اللقاء وكذلك باتريك هاتى من الطرف الآخر عن الانطباعات بعد اللقاء أجمعوا على أنهم اندهشوا من تحميلى لهم مسئولية العداء الغربى الرسمى للحركات الإسلامية أو الانحياز الرسمى للعدو الصهيونى، وأنهم استنكروا أن أوجّه إليهم الانتقادات التى نحب توجييهها للغرب وأننى تلكمت بلغة حسبوها حادة.