فرض هذا الموضوع نفسه كأمر واقع استدعاه الحضور الإسلامي المشهود في ثورة 25 يناير والتحام المسلمين مع المسيحيين، ومظهر صلاة الجماعة حتي في ظل إغراق المصلين بخراطيم المياه المتدفقة من عربات القمع الأمني، وصلوات الجمعة أيام المليونيات بجوار القداسات للإخوة المسيحيين. وأذكر هنا مكالمة تليفونية أثناء الثورة من صديق سياسي وباحث أكاديمي كبير وصحفي قدير وربيب أسرة سياسية لأب مناضل له نفس إسلامي واضح بحكم اشتراكنا معاً في الجمعية الوطنية للتغيير وإحساسنا المشترك بالمسئولية عن الثورة، حلماً وإرهاصاً وإعداداً ومشاركة ورغبة صادقة في نجاحها والوصول بها إلي بر الأمان، يطالبني فيها بتخفيف المظاهر الإخوانية في ميدان التحرير وسألته: ما هي تلك المظاهر حيث أننا التزمنا تماماً بما تم الاتفاق عليه، فلم نرفع أعلامنا ولم نردد هتافاتنا ولم نطالب بمطالب خاصة بنا؟ فاجأني بالقول: مظهر صلاة الجماعة وصلاة الجمعة والأدعية .. الخ كان ردي سريعاً بديهياً : وهل هذه مظاهر إخوانية أم مظاهر إسلامية؟ أجاب طبعاً متراجعاً : هي مظاهر إسلامية وأضاف بسرعة ولكنها تثير قلق الكثيرين خاصة من المراقبين الأجانب. الدين في مصر متجذر من عصر الفراعنة، ومروراً بكل العصور التاريخية حتي انتهي بالإسلام الذي قال الله عنه في كتابه: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ . المائدة : 48 ومستقبل هذا الوطن رهن بعوامل عديدة أهمها هو حسم العلاقة بين الدين والمجتمع، وبين الدين والسياسة، وبين الدين والتطور السياسي الديمقراطي ، كما هو أيضاً بين الشعب والجيش ودور الجيش في الحياة السياسية والدستورية، وكما هو بين رجال المال والأعمال والمجتمع والسياسة والإعلام، وأيضاً ما هو الدور المرتقب لمصر في عالمها ومحيطها العربي والإقليمي والإسلامي والأفريقي والعالمي. إذا كان الشعب المصري متدينا بفطرته فإن الذين يعبرون عن المشروع الإسلامي بجميع جوانبه هم الدعاة المستقلون والمؤسسة الدينية بجناحيها الإسلامي والمسيحي ثم الحركات الإسلامية الدعوية والسياسية وكذلك التجمعات المسيحية العلمانية أو المرتبطة بالكنيسة. لذلك جاءتني دعوة كريمة من موقع "علامات" علي شبكة الانترنت وقد تم تدشينه في 2011/3/15 م مواكباً للثورات العربية، ويهتم بقضايا العالم العربي والإسلامي ويتبع شركة متخصصة في مجالي التدريب والصحافة الالكترونية "غراس" للمشاركة مع دعاة وباحثين كرام في حلقة نقاشية حول: "مستقبل الخطاب الإعلامي للحركات الإسلامية".. وشارك فيها علماء كبار مثل أ.د. محمد المختار المهدي الأستاذ بجامعة الأزهر والرئيس العام للجمعية الشرعية لتعاون العاملين بالكتاب والسنة المحمدية، وأ.د. عبد الرحمن البر أستاذ علم الحديث وأصوله بالأزهر وعضو مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين، بجانب دعاة أعلام كالأخ العزيز محمد حسان والأخ الحبيب صفوت حجازي، وصحفيين وباحثين كالأستاذ جمال سلطان رئيس تحرير جريدة »المصريون« الالكترونية، ود. عمار علي حسن الباحث القدير وأ. صلاح عبد المقصود القائم بأعمال نقيب الصحفيين . الموضوع من الأهمية بمكان بحيث يحتاج إلي عدة حلقات نقاشية لإثارة القضايا العامة حول رؤوس الأقلام والعناوين الرئيسية، ثم ندخل إلي مؤتمر هادئ يتم الإعداد له بجدية وعناية تناسب أهمية الأمر ولابد من إعداد أوراق بحثية من جميع الجوانب في مكان هادئ ليومين أو ثلاثة يخرج منها بوثيقة شاملة تتضمن إجراءات عملية وعلمية لترشيد الخطاب الإعلامي الإسلامي شكلاً ومضموناً وأهدافاً ورسالة ثم حسن تدبير الموارد اللازمة لهذا الأمر وتوظيف كل الطاقات مع وضع القواعد العامة والأسس الضرورية لعملية مستمرة لسنوات قادمة. الآن نحن في حاجة ملحة في البداية لتناول عدة مسائل لا تحتاج إلي كثير بحث لمعالجة المشكلات التي ظهرت خلال الأسابيع الماضية حيث علينا أن نقرّ بأن الخطاب الإعلامي الإسلامي يواجه تحديات خطيرة يمكن تلخيصها في الأمور التالية: أولاً: من نخاطب ؟ أي تحديد شخصية ونوعية المستقبل للرسالة الإعلامية . ثانياً: بماذا نخاطب ( لغة الخطاب) ؟ أي تحديد مضمون الخطاب لكل طائفة . ثالثاً: كيف نخاطبه ؟ أي تحديد الوسائط الإعلامية المناسبة لكل طائفة. رابعاً: تحديد الأدوار المختلفة بين العاملين للإسلام جميعاً وهؤلاء متنوعون جداً، هناك عموم الأفراد المسلمين الذين لهم سلوكيات تحتاج إلي ضبط وفق القواعد الشرعية ، وسلوكهم دعاية إما جيدة للإسلام وإما سيئة وقد تكون كارثية مثل ذلك الذي قام بقطع أذن لشخص مسيحي في الصعيد وتم نسبتها إلي الإسلام نفسه بل إلي تيار إسلامي بكامله. وقد يقول البعض أن هؤلاء الأفراد هم مادة الخطاب الإعلامي أو عموم المستقبلين إلا أن الحقيقة تقول إنهم في حال كونهم مستقبلين متأثرين بخطاب غير مباشر أو مباشر، فإنهم أيضاً يمارسون دوراً رسالياً بسلوكهم وطريقة تعبيرهم عن مكنون فهمهم للإسلام، وهنا نستحضر ما تفعله الجاليات الإسلامية في الغرب، وأهمية ما تقوم به الحركات الإسلامية الفاعلة علي الساحة وفي الأرض وليس في الوسائط الإعلامية وأقصد هنا الدور الأخطر والأهم في التربية والتزكية والتعليم لأن ذلك الدور هو الذي يشكل وجدان وعواطف المسلمين كما يشكل منهج التفكير لديهم، وكذلك طريقة التعبير عن تدينهم بسلوكهم العادي الطبيعي في حياتهم . واكتفي للتدليل علي ذلك بأمور نعيشها الآن : قصت علي زوجتي أنها أثناء متابعتها لبرنامج "المطبخ" علي إحدي القنوات الدينية الإسلامية قبل يوم "شم النسيم" كان "الشيف" يشرح طريقة إعداد أكلة "الرنجة" والأسماك التي اعتاد المصريون من عهد الفراعنة تناولها في هذا اليوم، فإذا بمعظم المداخلات تأتي لتركز علي أمر واحد، لماذا تشرح تلك الأكلات في هذا اليوم ؟ وهل هذا حلال أم حرام ؟ ولماذا نخص ذلك اليوم بتلك الأكلات ؟ اضطر الشيف في النهاية وبعد ضجر وملل للاعتراف بأنه ليس شيخاً ولا مفتياً وأن من أرادت أن تتعلم طريقة إعداد الأكلة فعليها أن تتناولها في الوقت المناسب لها. ومثال آخر : أتابع مع آخرين ما فعلته فرنسا بنفسها في قانون حظر النقاب في الأماكن العامة وفرض غرامة عالية تصل إلي 150 يورو علي من تتحدي القانون مما أدّي إلي تشويه صورة الجمهورية الفرنسية والعلمانية التي تفخر بها والدستور الذي يحمي حقوق المواطن. كان رد الفعل الإسلامي متفاوتاً : الأغلبية المسلمة لم تتصد للأمر لأن عدد المنقبات لا يزدن علي 1500 أخت مسلمة . رجل أعمال فرنسي من أصل مغربي أو جزائري خصّص وقفاً ماليا ًلدفع الغرامات للنساء اللاتي يصممن علي مواجهة القانون . عدد من الأخوات المنتقبات، بعضهن فرنسيات الأصل تصدين للقانون رغبة في تحدي انتهاك حقوق المرأة وانتهاك الدستور الفرنسي نفسه، وحتي كتابة هذه السطور لم يصل العدد إلي خمس أخوات . دفعت واحدة فقط الغرامة ، وترك البوليس الأخت الأخري التي تحدت القانون أمام قصر الإليزيه نفسه قصر الرئاسة) . هذا التفاوت يمكن توظيفه ولا يمكن منعه، فردود الفعل تختلف من إنسان لآخر ومن فصيل إسلامي إلي حركة أخري طبقاً لاختلاف الفهم واختلاف الطبائع وردود الفعل المتوقعة. وإذا بدأنا بالسؤال الأول: من نخاطب ؟ أو من هو متلقي الخطاب الإعلامي الإسلامي للحركات الإسلامية ؟ فإننا سنجد ان هناك طيفاً واسعاً من المتلقين : 1- عامة الناس، مسلمين وغير مسلمين، مؤمنين وكفار، مصريين وغير مصريين، لأن الوسائط الإعلامية الآن تشمل الكرة الأرضية كلها. 2- الجمهور الإسلامي خاصة. 3- أبناء الحركات الإسلامية الملتزمون علي تنوعاتهم المختلفة. 4 - النخب الفكرية والقوي السياسية التي تريد التعاون أو التحالف مع الحركات الإسلامية أو تتنافس معها في الساحة السياسية. 5- العالم الخارجي الذي يرصد بدقة الخطاب الإعلامي للحركات الإسلامية ليحدد موقفه منها، ويضع خططه للتعامل معها خاصة في حال مشاركتها المنتظرة بقوة في البرلمانات التي تلعب دوراً خطيراً في البلاد الديمقراطية أوحتي مشاركتها في الحكومات المرتقبة أو انفرادها بالحكم بعد حين.