هذه القصة مهداة للسيد وزير النقل وكلي أمل أن يستجيب للاقتراح الملحق بها. في طريقي من أسوان إلي القاهرة في قطار النوم رقم 87، استيقظت بعد الأقصر علي صوت تأوهات قوية تكاد أن تنقلب صراخًا، خرجت لاستطلاع الأمر فوجدت رجلاً في منتصف الخمسينيات يجد صعوبة بالغة في التنفس، كان الرجل يشعر بأوجاع بالغة جعلته يضرب رأسه في جدران القطار بقوة وكان مرافقه قليل الحيلة لا يملك شيئا سوي استخدام جريدة قديمة في التهوية له، سألته عن القصة فقال لي إنه يعاني أحيانًا من أزمة تنفس تستلزم أن يحصل علي حقنة معينة، سألته عنها فأخرج لي العلبة فارغة تمامًا، ثم قال إن رئيس القطار وعده بأن يتوقف في أسيوط ليحضر له الحقنة من أقرب صيدلية، كانت أسيوط علي بعد ثلاث ساعات علي الأقل وكان الرجل في حالة صعبة وحرجة للغاية لدرجة أنه بدأ يصرخ طالبًا بعض الهواء، طلبت من الرجل أن يستلقي وسألت مرافقه أن يدلك صدره ويجري له تنفسًا صناعيًا إن أمكن لكن الرجل المريض رفض الفكرة، قلت له إنه بخير وأن ما به مجرد انزعاج وشعور بالخوف لأنه وجد علبة الحقن فارغة، طالبته بالهدوء والصلاة علي النبي وأن يقول الله كثيرًا من أعماقه، وقررت أن أبحث عن طبيب في القطار لكن بلا جدوي. طلبت من المرافق اسم الدواء واتصلت بزوج شقيقتي وطلبت منه أن يحضره ومعه سرنجة وأن ينتظرني علي رصيف محطة سوهاج التي تبعد ساعة ونصف، ثم أخبرت المريض بأنه سيحصل علي الدواء في فترة أقل من التي يتوقعها عله يتماسك قليلاً، سألني بصعوبة عن الوقت فقلت له نصف ساعة بالكثير، وقفت أراقب المحطات من النافذة وتمنيت لو أنني أجيد قيادة القطارات لأسرع به ولا أتمهل كل قليل مثلما فعل قائد قطارنا. كانت حالة الرجل تسوء وكانت أوجاعه تزداد بمرور الوقت وأنا أطمئنه بأننا علي وشك الوصول، وعندما استشعرت خطورة الموقف بحثت عن أي مسئول في القطار فقادني عامل السفري إلي أمين شرطة سرعان ما استدعي الضابط ووقف الاثنان ومعهما المفتش بلا حول ولا قوة، كان الضابط يسأل أسئلة ساذجة من نوعية رايح فين وهو عنده إيه وليه ماجابش الدواء، طلبت من الضابط أن يوقف القطار في أقرب محطة وأن يطلب سيارة إسعاف لتنتظر المريض وتحمله إلي أقرب مستشفي، لكن أمين الشرطة لفت نظره إلي أن الموضوع يعني تحرير محضر فسأل المرافق إن كان يود عمل محضر أم سينزل بمريضه في أسيوط بشكل ودي، نظر لي المرافق وكله حيرة ثم سألني فاضل قد إيه علي سوهاج؟ سيدي وزير النقل ربما لم تذهب إلي الصعيد في قطار من قبل لكن هذا الحادث تكرر كثيرًا وربما يتكرر يوميًا في قطار يتحرك بين مدن المسافة بين أقربها لبعضها ساعة علي الأقل، وكم كانت هذه الساعة موجعة وقاتلة علي كثيرين تعرضوا في القطار لأزمة قلبية أو ذبحة أو حتي غيبوبة سكر، فيا سيدي وزير النقل إذا كانت الداخلية تتكفل بوجود أمين شرطة علي الأقل في القطار فلماذا لا يوجد طبيب أو علي الأقل ممارس عام من خريجي الطب الجدد لإسعاف الناس في مثل هذه الظروف، ولماذا لا توجد وحدة طبية في كل محطة من محطات الصعيد يتوقف عندها القطار لإنقاذ شخص يحتضر؟، صدقني ربط السكة الحديد بخدمة طبية متحركة وثابتة سيمنح الناس شعورًا بالأمان وسيحسب هذا المشروع لإنجازاتك وربما سيكون أفضل إنجاز لوزير نقل في مصر. لن أستطيع أن أشرح لك يا سيادة الوزير الشعور بالعجز الذي سيطر علي كل الموجودين في القطار وفشلنا في العثور حتي علي طبيب أسنان بالصدفة علي متن الرحلة، أو مشهد الركاب وهم يتعجلون الوصول إلي سوهاج، صحيح أننا بوصولنا وجدنا زوج شقيقتي ينتظرنا بالحقنة لكن الرجل كان قد لفظ أنفاسه قبلها بثوانٍ قليلة.