احتفيت منذ عدة أسابيع برسالة كنت أعتقد أن الروائي الكولومبي الكبير جابرييل جارثيا ماركيز هو كاتبها، وأنه أرسلها من فراش المرض حيث يعاني سرطان البروستاتا لجميع أصدقائه وقرائه، رسالة كانت في منتهي الرقة والحكمة واعتبرتها المواقع الإلكترونية وصية ماركيز الأخيرة، ولاقت الرسالة نجاحاً ساحقاً بان في رسائل الكثيرين من قراء هذه الزاوية، حيث قال فيها من ضمن ما قال «لو شاء الله.. أن يهبني شيئاً من حياة أخري فسوف أستثمرها بكل قواي. ربما لن أقول كل ما أفكر به لكنني حتما سأفكر في كل ما سأقوله. سأمنح الأشياء قيمتها، لا لما تمثله، بل لما تعنيه. سأنام قليلاً، وأحلم كثيراً، مدركاً أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور. سأسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكل نيام، للطفل سأعطي الأجنحة، لكني سأدعه يتعلم التحليق وحده، وللكهول سأعلمهم أن الموت لا يأتي مع الشيخوخة بل بفعل النسيان، لقد تعلمت منكم الكثير أيها البشر.. تعلمت أن الجميع يريد العيش في قمة الجبل غير مدركين أن سر السعادة تكمن في تسلقه. تعلمت أن المولود الجديد حين يشد علي إصبع أبيه للمرة الأولي فذلك يعني أنه أمسك بها إلي الأبد». إلا أن الصديق محمد حسين كان له رأي آخر أرسله لي موثقاً فكان جديراً بالاحترام والنشر تقديراً لاهتمامه ومجهوده ويقول في رسالته: "فيما يخص مقال حضرتك الذي نشر في «الدستور» يوم الخميس الموافق 10 ديسمبر 2009 بعد أن انتهيت من قراءة الكلمات المنسوبة للأديب العالمي المليئة بالحكم والعبارات الرقيقة الجميلة، ولكوني دارس اللغة الإسبانية وقارئاً لأعمال ماركيز في طبعتها الإسبانية وترجمتها للعربية، ملأتني الشكوك نحو مضمون الرسالة والأسلوب الذي كتبت به والذي لم أعرفه قط عن الكاتب وقد بدأت الشكوك منذ أول كلمة في الرسالة وهي «إن شاء الله» والتي لا تتفق مع طبيعة الكاتب الإلحادية أو اللا إرادية (وهذا ليس محل نقد)، كما أن جابو (وهو اسم دلع للكاتب) ليس بالرجل الذي يطلب من الدنيا أن تمهله ثانية أخري للعيش. فشرعت في البحث علي محرك جوجل الإسباني، للحصول علي النص الأصلي وللاستمتاع بقراءته. وبالفعل تبين لي أن تلك الرسالة كان قد تم تداولها عبر الصحف ومواقع النت منذ سنوات وأشيع أن ماركيز كتبها لأصدقائه بعد علمه بدخوله في مرحلة حرجة من مراحل مرض السرطان. ولكن سارع الأديب بنفي أي علاقة له بتلك الرسالة بل صرح للإعلام قائلاً: «ما قد يصيبني بالموت هو أن يصدق أحد أنني قد كتبت كلمات مبتذلة مثل تلك». ورجح البعض أن تلك الرسالة لكاتب مكسيكي كوميدي يدعيJohnny Welch وتمت سرقتها منه. وقال آخرون إنها مجرد فبركة صحفية قام بها صحفي بعد أن جمع تلك العبارات من مصادر مختلفة. ولما تقتضيه الأمانة الأدبية أرجو تنبيه القراء بحقيقة الأمر في أقرب فرصة. وشكراً. تصحيح الصديق محمد لم يكن الوحيد بل وصلتني عدة رسائل مشابهة. وأخيراً كان لدينا نص أدبي رائع كنا نتمني أن تكتمل روعته بتوقيع العم ماركيز، لكنه رأي أنه لديه ما هو أفضل من ذلك وأرقي ليقوله لنا وأنا أصدقه، في كل الأحوال سواء كانت كلماته أو كلمات جوني ويليش.. المهم أننا اتبسطنا.