النعامة - هذا الطائر الذي لا يطير - لها رأس صغير جدا بالمقارنة مع جسدها الكبير، ومن حين لآخر قد تضع رأسها في وسط الرمال، فيظن البعض أنها تخفي نفسها عن العيون، في حين أن جسدها الضخم ظاهر للعيان، وحقيقة الأمر أن أضخم أنواع الطيور لا تتسم بالحماقة، وإنما هي تعد المكان الملائم لوضع أكبر أحجام البيض. أما بعض البشر فيدفنون رءوسهم في الرمال، حتي لا يروا الحقيقة الواضحة! وإذا أمعنا النظر إلي جسد نظام الحكم في مصر، أو هيكله العام، سنري إلي أي حد هو منتفخ جدا، وفي الوقت ذاته مترهل للغاية، وأجزاء منه متكلسة، أو متيبسة، أومشلولة تماما، ومن ثم لا يقدر علي أي نوع من أنواع الحركة السريعة، أو المناورة المحسوبة، وحتي الحركة الطبيعية لم يعد قادرا عليها! فثمة أجهزة للأمن متضخمة جدا، ومتغلغلة، ونافذة في كل موضع من هذا الجسد العليل، ومن ثم تعيق حركته، وتمنع تقدمه إلي الأمام، في حين أن رأس النظام يبدو صغيرا جدا بالمقارنة مع جسده الديناصوري! وها هي جرائم الفتنة الطائفية تتوالي واحدة بعد أخري، حوادث بشعة، وجرائم وحشية، ما كان لها أبدا أن تقع علي أرض مصر الطيبة، لولا أن نظام الحكم يدفن رأسه في الرمال، ويتجاهل حقائق الواقع الماثلة أمام الجميع! ولنضرب مثالا واحدا، بالقانون الموحد لبناء دور العبادة، والقابع بلا حراك في مجلس الشعب منذ سنوات! ومن يبحث في أسباب الاحتقان الطائفي، سيري أنها لا ترجع إلي واقعة معينة، ولا حادثة بعينها. فالأزمة ليست بنت اللحظة، ولكنها عرض واضح لمرض خطير يتفاقم يوما بعد يوم، كما تتفاقم كل مشاكل شعبنا الصبور خلال ثلاثة عقود متصلة من حكم مبارك وعائلته. ومن ثم فمساءلة عضو برلمان، أو محاسبة شيخ في زاوية أو فضائية، أو نقل مطران نجع حمادي، أو إقالة مدير أمن قنا، أوعزل اللواء المحافظ، أوحتي تغيير الحكومة بالكامل، كل هذا لن يحل المشكلة، طالما جماهير شعبنا تعيش في الفقر والجهل والمرض، بلا حرية، ولا عدل، ولا مساواة، ولا سيادة للقانون، ولا حقوق إنسان. وإذا كان الرئيس السادات - الله يرحمه - كثيرا ما يردد عبارة: «مصر بلد الأمن والأمان»، فها نحن الآن نعيش في بلد الأمن فقط!