المواطن يدفع مرغماً ضرائب كسب العمل والدخل والدمغة والمبيعات والتنمية وأخيراً.. الضريبة العقارية يوسف بطرس غالي ادفع.. كلمة من أربعة حروف، تأثيرها يفوق حجم حروفها، ولكنها تلازم هذا المواطن المطحون في أي مكان يوجد فيه، ليتعلم من معايشته اليومية لشتي جوانب الحياة، أن من يدفع يحصل، وأن من يمتنع عن الدفع بالحسني، فسيدفع بالقوة، هذا ما طبقته سياسة د. يوسف غالي الضريبية بدءاً من عدم توجيهها رسالة للمواطن لكي يدفع وقيامها بفرض ضريبة كسب العمل علي راتبه مباشرة، وضريبة الدمغة التي يدفعها دون أن يشعر في كل ورقة يوقع عليها دون الحصول علي موافقته في كلتا الحالتين، نهاية إلي توجيه رسالة له بالدفع كما حدث في الضريبة العقارية، والتي يبدو في ظاهرها أنها رجاء من جانب الدولة للمواطن بالدفع، لكنها في حقيقة الأمر رسالة عنيفة ليست في أي حال من الأحوال أحسن من سابقتها، فإن كانت استأذنت المواطن بطريقة لائقة لكي يتقدم بإقرار ومن ثم بالطبع الدفع لاحقاً، إلا أنها لم تكمل جميلها، وتكمل رسالتها بوقع جيد علي المواطن، فسرعان ما تحولت إلي العنف لتقول له ادفع بالتي هي أحسن، فإن لم تدفع فستوقع عليك الغرامة التي تتراوح ما بين 200 و2000 جنيه. وإن كان د. يوسف غالي يتفنن في فرض الضرائب المتتالية من حين لآخر ويتقنن في قوانينها التي تقوم بجباية الأموال من الشعب أكثر من مرة وبأكثر من طريقة، من دون أن يشعر المواطن ليسد به عجزاً هنا أو هناك لخزانة الدولة. د. صلاح جودة أستاذ الضرائب بأكاديمية السادات يؤكد خضوع المواطن المصري لستة أنواع من الضريبة، تتمثل في ضريبة كسب العمل، ضريبة الأرباح التجارية، «الدخل»، ضريبة الدمغة، المبيعات، ورسم التنمية وأخيراً الضريبة العقارية، وتنفذ هذه الأنواع جميعاً بمجرد دخول الشخص باب مصلحة الضرائب لإصدار بطاقة ضريبية، تأتي ضريبة كسب العمل علي رأس هذه الضرائب وهي الضريبة الوحيدة التي تتأكد الحكومة من جني حصيلتها، وعدم التلاعب فيها، حيث تقوم باستقطاعها من رواتب جميع الموظفين في الدولة، سواء قطاعاً عاماً أو خاصاً، وهناك 6 ملايين موظف مسجلين في الدولة ومعلوم رواتبهم بما يضمن للحكومة الحصول علي كم كبير من الضرائب. وتحسب هذه الضريبة علي هيئة شرائح تبدأ من 2% وتصل إلي أعلي معدل لها وهو 22%، وذلك بعد إعفاء أول 5000 جنيه، بمعني أن الموظف الذي يحصل علي راتب يبلغ 12000 جنيه في العام وذلك بالمكافآت والأرباح إلخ، أي بمعدل 1000 جنيه في الشهر، فإن الضريبة ستخصم بنسبة 2% من أول 2000 جنيه بعد 5000 جنيه المعفاة، ثم بنسبة 5% علي ثاني 5000 جنيه، وهكذا يزداد المعدل ليصل إلي أعلي شريحة خصم وهي 22% وذلك مع الموظف الذي يصل راتبه إلي 25 ألف جنيه فيما فوق. ثاني أنواع هذه الضرائب، هي ضريبة الأرباح التجارية والتي تعرف بمصطلح آخر وهو ضريبة الدخل، ويطبق هذا النوع علي كل شخص يملك شيئًا بداية من كشك السجائر الذي يسترزق منه وصولاً إلي المحل أو المصنع، وتحسب من الأرباح بعد عزل المصروفات والإيرادات، وفقاً للقانون رقم 113 لسنة 2005، وذلك بنسب تبدأ من 5% لتصل إلي 20%، حيث تقسم إلي شرائح وتبدأ من مبلغ 10 آلاف جنيه وتخصم منه نسبة 5%، وهكذا إلي أن تصل نسبة خصم الضريبة 20% من مبلغ 40 ألف جنيه، أعلي شريحة بمعني أنه بداية من هذا المبلغ «40 ألفاً» فيما فوق وصولاً إلي المليارات فيتم خصم الضريبة منه بمعدل 20%. تعادل ضريبة الأرباح التجارية في معناها، ضريبة المهن الحرة، وهي التي تطبق علي المحامين والمحاسبين والفنانين وكل من يكسب من مهنته من خلال مكتب خاص، ويبلغ الحد الأقصي لهذه الضريبة 25% من الربح بعد حساب المصروفات والإيرادات جانباً، وتبدأ ب5%، حيث إن أول 10 آلاف جنيه تطبق عليهم نسبة خصم الضريبة ال5% عليها، ومن 10 إلي 20 ألفاً نسبة 10%، ومن 20 إلي 25 ألفاً بنسبة 15% ثم بنسبة 20% من مبلغ 25 إلي40 ألف جنيه، إلي أن تصل إلي أعلي معدل لها بنسبة 25% وذلك علي مبلغ 40 ألف جنيه فيما فوق وتعتبر ضريبة الأرباح التجارية والتي تعادلها ضريبة المهن الحرة أكثر ضريبة تحقق للدولة حصيلة من الأموال. ثم الضريبة التي لا يكاد يمر يوم علي المواطن دون أن يسمعها من أحد الموظفين، أو يراها مكتوبة علي الأوراق التي يتعامل معها، وهي ضريبة الدمغة وهي التي يدفعها المواطن عندما يوقع علي أي ورقة، وتعرف بضريبة التوقيع، وتحصد من التوقيع علي الكشوفات، وعلي الفواتير التي يحصل عليها المواطن من الباعة، وقيمتها 20 قرشاً، وتؤخذ علي جميع الإعلانات سواء في الشارع أو الإعلان المنشور في جريدة ما وعلي اللافتات والأجندات، والنتائج ولكن نسبة أخري ثابتة وهي 15%، حيث لا يوجد بها شرائح وأصبحت 15% وفقًا لقانون الضرائب الجديد رقم 91 لسنة 2005 وتشكل هذه الضريبة حصيلة كبيرة جدًا - حسبما ذكر جودة - تصل إلي 5،8 مليار جنيه تزيد باستمرار. إلي أن تصل إلي ضريبة الازدواج الضريبي، وهي ضريبة المجموع، والتي تعرف بضريبة «رسم التنمية»، حيث تفرص علي جميع الضرائب السابقة، بمعني أن الفرد الذي تصل كل الأموال التي يحصل عليها طوال العام أكثر من 18 ألف جنيه يدفع 2% منها ضرائب. ويري د. جودة أن هذه الضريبة نوع من أنواع البلطجة الحكومية، فلا يوجد شخص يعاقب مرتين علي فعل واحد، فعندما يكسر السائق الإشارة علي سبيل المثال يدفع الغرامة مرة واحدة عقب ارتكاب الواقعة، فلا يدفعها في ذلك الوقت، ثم يعود ليدفعها مرة ثانية في نهاية العام، لافتًا إلي أن الحكومة قد لجأت لهذا النوع من الضريبة لتحصل علي أموال إضافية تسد عجزها. وهناك ضريبة المبيعات، والتي يقول عنها د. جودة إنها اختراع لجمع حصيلة من الأموال علي السلع والخدمات، لتزيد علي المواطن عبئاً إضافياً إلي أعبائه، وهي تفرض بنسبة واحدة «قطعية» في 90% منها، وذلك بنسبة 10% أي أن المواطن الذي سيشتري علي سبيل المثال ثلاجة ب1000 جنيه يدفع 100 جنيه إضافية ضريبة مبيعات أي 1100 جنيه. ويضيف د. جودة، أن في ذلك حكاية أخري ف1100 تذهب 100 جنيه منهما ضرائب إلي الحكومة، فيتبقي 1000 جنيه للبائع الذي يخصم منها علي سبيل المثال 600 جنيه مصروفات ولتكن 400 جنيه أرباحه، حينئذ تخضع ال400 جنيه أرباح لضريبة الأرباح التجارية وضريبة رسم التنمية، وهذا ما يعني أن قيمة الضرائب المفروضة علي السلعة، أكبر من تكلفة السلعة نفسها، وبهذا تصبح حياة المواطنين ضرائب في ضرائب، والحكومة هي صاحبة المكسب الأول فيما يتم، دون أن تظهر بذلك بل إنها ارتدت مظهر الإفلاس، وأنها تحمل نفسها أعباء كفالة المواطن وضمان حياة كريمة وعادلة له، لكنها في حقيقة الأمر تضحك علي المواطن دون أن يشعر. وإلي سادس أنواع الضرائب، وآخرها، وهي الضريبة العقارية، والتي عرفت في السابق كما يقول هاني الحسيني خبير ضرائب وعضو جمعية الضرائب المصرية بالعوائد وكانت تحسب علي أساس القيمة الإيجارية للحجرة، وتخصم نسبة 10% عن الحجرة العادية وبنسبة 20- 40% علي الفاخرة، ويدخل فيها تقنيات المساحة والموقع.. إلخ. إلي أن استحدثت الضرائب العقارية، وفرضت نسباً جديدة وفقاً للقانون 196 لعام 2008، والذي يحمل من التعقيدات الكثير والتي يصعب فهمها، منها أن العقار الذي يقدر بنصف مليون جنيه تفرض عليه ضريبة ب33 جنيهاً، بينما البالغ 600 ألف جنيه يفرض عليه مبلغ 158 جنياًه، والبالغ مليوناً تؤخذ عليه 660 جنيهاً والذي يراه الحسيني جيداً إذا لم يتم احتساب ضريبة علي الشقة «الواحدة السكنية» التي لا يملك سواها المواطن ولا تدر له ربحاً. حيث إن القانون بهذه الصورة، يعد مخالفاً للدستور في مادته السابعة عشرة والتي تقر بأن الضريبة لا تفرض علي شيء لا يدر دخلاً فيما يري صلاح جودة أن د. يوسف غالي وزير المالية أراد بهذا القانون، جلب أكبر كمية من الأموال لخزانة الدولة لسد العجز الواقع بها، وأنه في سبيل ذلك قام بتقنين القانون وحسابه بالتدقيق، في كل خطوة من خطوات تطبيقه، فمع افتراض أن نسبة الأمية في مصر 20% ومع افتراض أن نصفهم علي الأقل لن يقوموا بتقديم الإقرار، بما يعني عدم تقديم الإقرار ل25 مليون وحدة، وبالتالي فرض الغرامة عليهم، والتي تتراوح ما بين 200- 2000 جنيه، وإذا ما تم حساب الحد الأدني للغرامة أي 200 جنيه، فإن الغرامة حينئذ ستصل قيمتها إلي 5.2 مليار جنيه، ليس هذا فقط، فإن الوزير لم يجعل الاعتراض علي تقدير لجان ربط الضريبة علي الوحدة، والتي ستقدر الضريبة مجاناً، وإنما جعل الاعتراض الواحد ب50 جنيهاً، مما يعني 5.1 مليار جنيه إضافية الذي سيضاف لخزانة الدولة، قبل فرض أي قيمة ضريبية، 4 مليارات جنيه جاءت من حصيلة الغرامات والاعتراضات. ونظراً ل«التفنينات» الحادثة في جميع الضرائب السابقة والتي قام عليها د. يوسف غالي وقام بالتعديل فيها جميعاً، لتكون أحسن «مصنعية» للضرائب حدثت بعد الثورة بقيامه بإلغاء قانون الضرائب واستبداله بقانون جديد تماماً وهو القانون رقم 91 لسنة 2005، ليجلب به للدولة أكبر حصيلة ضرائب في تاريخها الجمهوري، لتصبح حصيلة الضرائب 187 مليار جنيه، أي 52% من الموازنة العامة للدولة، مما يعني أن المواطن يعطي للدولة أكثر مما يأخذ وأن إنفاقه يأتي أموالاً، فأين الدعم إذن الذي تقدمه الدولة وتعلن من الحين للآخر أن تتحمل مزيداً من الأعباء وتبذل مجهودات كثيرة في سبيل عدم المساس بدعم المواطن.