أتمنى أن أحتفظ بهذه المقالة لقرائتها في المستقبل، لأنظر وقتها كيف كان حالنا في الماضي و أحمد الله على حاضر مازال مسقبلا، حينما يصبح لدينا كلنا عقول متفتحة و ثقة فيعقول الآخرين، و أتهكم من الماضي الذي مازال حاضر حينما يظن البعض أنهم أهلا لرفض أو قمع، أو أنهم قوامون على باقي البشر ليقررون ما هم مستعدين لسماعة و ما الذي يجب أن يمنع للوصول لعقولهم. كفنان متفائل أو ساذج كما يصفني البعض، قررت كتابة فيلم سينمائي ساخر كوميدي صادم ليناقش قضية التمييز الصامت - كما أسميها - بين المسلمين و المسيحيين في مجتمعنا العزيز، لأحاول فيها أن أبدأ بحل المشكلة، ليس بتقديم حلول، بل للكشف عنها و عن الواقع الذي نحياه، لظنا مني أن أول خطوات حل أي مشكلة هو الإعتراف بها و إقتناعي أن لن تحل مشكلة أبدا إن ظن أصحابها أنها ليست موجودة. و كتبت فيلما طويلا إستغرقت في كتابته حوالي العام، من التفكير و التحضير و الكتابة الفعلية و إعادة الكتابة. لأكتب فيلما يظن معظم من قرأوه أنه من أفضل ما كتبت الحمد لله. و عندما كانوا يتساءلون، هل ستوافق الرقابة على فيلما كهذا، كنت أقول لهم أنني متأكد أنهم إن أكملوه سيفهمون مغزاه حتى لو كان مستتر بعض الشيء و أنهم سيعتبروه من أول خطوات الحل و قد يدفع الناس للتكلم و سيساعدون على بدء المواجهة الحميدة بين أصحاب الديانتين عندما يعلمون كيف يفكر كل منهم في الآخر. و كان أصدقائى يظنون أن تفاءلي و عشمي في الرقابة مبالغ فيه، و خصوصا أن كاتب الفيلم مسلم و ليس مسيحي. و لكن من أكثر ما حمسني لكتابة هذا الفيلم كوني مسلما، لأنني إن دافعت عن حقوق المسيحيين سيكون لي مصداقية أكثر، و لن يتهم أي من المسلمين الفيلم بالتحيز للمسيحيين. و خوفا مني شخصيا على جرح مشاعر المسيحيين عرضت على الكثير من أصدقائى المسيحيين قرائة الفيلم، و كلهم بلا إستثناء عندما قرأوه حيوني، وشكروني، و قالولي "إحنا خايفين عليك من المسلمين المتشددين" و عندما جعلت أصدقائي الملتزمين نسبيا يقرأون الفيلم كلهم قالولي "المسيحيين موافقين على الكلام ده؟" فقلت لنفسي الحمد لله كل واحد حاسس إن الفيلم في صفه، لإنه في الحقيقة في صف الحق. و قصة الفيلم ببساطة عن طفل مسيحي من الطبقة العليا، يحيى حياة مرفهة و يذهب لمدرسة أجنبية، وعندما توفى والده إضطر لدخول مدرسة حكومية أفقر من مدرسته الأولى، ويقوم الأطفال بالتهكم عليه والسخرية منه في أول أيامه بسبب أنه من طبقة أخرى، لبسه مختلف وطريقة كلامه مختلفة وحتى ساندوتشاته مختلفة أيضا، وعندما تأتي حصة الدين يقرأ الأستاذ كل الأسامي و لا يلحظ أن البطل مسيحي بسبب إسمه المشابه لأسامي المسلمين فيقول ببساطة "الحمد لله كلنا مسلمين" فيخاف البطل أن يفصح عن كونه مسيحيا و يتظاهر بأنه مسلم طوال السنة، و يبالغ في تدينه خوفا من كشف أمره. و تكتمل الأحداث في شكل كوميدي ساخر، مما يجعل البطل يكتشف العالم الآخر ويعلم ما يقوله المسلمين في الأحاديث الجانبية عن المسيحيين، وخصوصا أنهم أطفال بلا تربية أو تعليم على مستوى جيد، وعلى الصعيد الآخر في حياته العادية نرى الكلام المستتر من المسيحيين المتشددين. وتكتمل الأحداث إلى أن ينتهي الفيلم بشكل يثبت أن التمييز الصامت، السلبي، والمستتر قد يكون أعنف و أخطر من الإضطهاد والعنف في بعض الأحيان، وأن الحل في المساواة العمياء عن أي دين و الحب بدون إثبات تطابق العبادات، بدون شعارات أو كلام قديم مبتذل. و عندما قدمت الفيلم رفض رفضا قاطعا، وعندما ذهبت لأناقشهم فيه، وجلست مع الرقباء لعدة ساعات، عشت أسوأ ساعات حياتي بلا منافسة، وأكتشفت الهوة العميقة بيني وبين توقعاتي، ظنا منهم "لمراعاة مشاعر المسيحيين" و"للحفاظ على سمعة مصر"، و"مش كل ما يحصل في الحقيقة يحصل على الشاشة"، و"مصر عمر ما حصل فيها تمييز لا سلبي ولا إيجابي ولا حتى جوا النفوس"، و"طول عمر المسلم والمسيحي عايشين إيد واحدة"، وأخيرا "إحنا يا إبني لو وافقنا على فيلمك نقفل الرقابة أحسن و نشوفلنا كلنا شغلانات ثانية". طبعا من وجهة نظرهم التي يجب أن أحترمها هم يدافعون عن الوطن، و بنفس الأسباب رفض الفيلم من لجنة التظلمات المحترمة و المبجلة غصب عني. وطبعا من وجهة نظري المتطرفة يمكن.. الرومانسية جايز.. الحالمة مش هنقول لأ.. أنا لا أتفق مع آرائهم لواحد من الألف. أولا المسيحيين يوميا بيسمعوا كل الكلام اللي بيتقال في الفيلم ده، و فيلمي لا يختلق أي منهم، وعندما قرأ أصدقائي المسيحيين الفيلم كانوا يضيفون كلاما لم أكن أظن أنهم يعلموه وكلام يسمعونه لم أسمعه أنا نفسي. سمعة مصر هتلاقوها على لسان كل أجنبي زارها، على كل موقع عالمي بيحذر السياح من التحرش والتطرف والسرقة والرشاوي اللي هتطلب منه في كل خطوة، سمعة مصر في جرايد المعارضة والتوك شو، سمعة مصر للأسف من عمايلها على كل لسان، سمعة مصر مش هتتحسن إلا لما نناقش مشاكلها ونحلها، أمريكا معظم أفلامها إنتقاد لأوضاعها، مش خايفين على سمعتهم، بالعكس ده بيظهرهم قدام العالم إنه شعب بيعالج أخطائه وبيجلد نفسه على الجرايم اللي بيرتكبها. أما عن الشعارات بتاعت المحبة فكلها إتفقست بعد الحادث الأخير، وشوفنا على الفيس بوك بس البلاعة اللي إنفجرت من أفكار متطرفة ظهرت، من أول المسلمين اللي محرمين أي نوع من أنواع التعاطف من المسلمين للمسيحيين ورموزهم وإحتفالاتهم، لمسيحيين إن كان عليهم يطردوا المسلمين من البلد لإنها بلدهم. لما عملنا فيديو بيحث الناس على الإحتفال مع المسيحيين إخواتنا وشركاتنا في الوطن وإرجاع الشعارات القديمة مثل "الدين لله و الوطن للجميع" و "إرفاع الهلال مع الصليب" لقينا ناس كثير سابت الموضوع و ركزوا مع حرمانية إشراك الهلال مع الصليب والإحتفال مع المسيحيين، كأن ده وقته، و كأن صرخة البنت "أبويا مات" في الفيديو الشهير لم تجعل إهتمامهم ينصب على إظهار التعاطف والتراحم والإيمان بفكرة أن من مات مصري شريك في هذه البلد بغض النظر عن دينه. طبعا العقلاء كانوا بيقولوا كلام عقلاني متحضر بيأكد على التسامح والحب، من الطرفين، بس ظهر على النقيض مقدار الكبت والتعصب اللي تحت الرماد عشان ماحدش سايبه يبان و يتعالج، ما هو طول ما حاصل صمت يستحيل العلاج، ينفع تروح عند دكتور يقولك عندك إيه ماتردش عليه خوفا على سمعتك عشان مايتقلش عليك عيان؟ وأنا مش مع إن حد يتقطع عيشة، بس فعلا أنا ضد الرقابة فكرة ومضمونا، أنا فنان ورقيب على ما بقدمه بناء على أفكاري وإيماناتي، و المتفرج رقيب على اللي بيسمح لنفسه إنه يتفرج عليه، وخصوصا إنه لو عايز يشوف كهول يمارسون الفحشاء مع الحيوانات الضالة هيدخل على النت ويلاقي فيديوهات للصبح، الرقابة أصبحت فكرة غير منطقية في هذا العصر، وإن كانت تدل فتدل فقط على حجر وسيطرة غير واقعية على عقول الناس. وإن كان الناس سيقبلون على الجنس إن قدم لهم، فعالجوا مشكلة الكبت الجنسي والمشاكل الإقتصادية المسببة لعدم الزواج، إن كانوا سيثورون لو تكلمنا عن الطائفية، فعالجوا أسبابها وإمحوا الغضب المكبوت وعلموا الناس صح يعني إيه دين وسماحة، وإن كان الشعب سينزعج من فكرة وجود العنف يبقى يرفض الفيلم ومايروحوش. وأعتقد إن رفض الفيلم ما منعش الحادث المأساوي المكئب اللي حصل، مامنعش التطرف يبان بعديه، ما منعش إننا كلنا خفنا من فتنة كان ممكن تحصل، ما منعش أحداث جانبية أسوأ من قبل. ولسه متفائل إني هعمل الفيلم في يوم من الأيام، لسه ماعرفش إزاي أو إمتى، بس يومها هكتب قبله إنه رفض من مصر أيام ما كان فيها عقول الناس ملفوف حوليها سور، لأني هعلموا في يوم هيتهد فيه الأسوار... والأصنام.