نعم إن تاريخ اي امة وماضيها ليس من الامور التي يمكن ان تُنسي او تغيب عنها أو حتي تعبر عليها انه معين الذاكرة الذي يعتبر احدي ادواتها للتعامل مع الحاضر واستشراف المستقبل ومن هنا لا يمكن لأي شعب او امة او وطن او حتي فرد ان يهمل ماضيه ومن باب اولي ان يتنكر له. كما ان استحضار الماضي والتاريخ ليس عملية عبثية وليس عملية انتقائية كما انه وبالحق ليس عملية عشوائية. والاستحضار العبثي للتاريخ انما يكون لجلد الحاضر والترحم علي الايام الخوالي ايام الزمن الجميل والحقيقة اننا نحن الذين نشكل الزمن فنجعله جميلا او غير جميل، إن الزمن هنا وعاء يعكس ما نصب فيه.. ان استحضار عم ماضي لمجرد ان نقول فقط لقد كنا وكنا هذا ليس المراد من رب العباد.. علينا نعم الا ننسي عم ماضي وأن يكون في الذاكرة وليس مجرد ذكري ولكن ليس بغرض ان نترحم عليه او نطبقه بحذافيرة الان وغدا ونحن نعلم ان الزمن مختلف.. انها يكون عم ماضي في الذاكرة لكي يعطي لنا ضمن معطيات عديدة مفردات للتكامل وحلولا لمعالجة الحاضر والمستقبل. هذا هو الدرس الاول الذي دار بين الاستاذ مستقبل وعم ماضي ولقد شهدت الجدل محترما بينهما هذه الايام داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الثامنة والثلاثين.. عم ماضي يشكو من ان الشباب تركوه الا قليلا والاستاذ مستقبل يرد عليه ولكنهم لم يحضروا عندي ولو حضروا بدون ان يستحضروك فلن يجدوا عندي مكانا يليق بهم.. ولكن اسمح لي يا عم ماضي هكذا قال الاستاذ مستقبل هل فكرت لماذا ينصرف عنك الشباب؟ ودعني اقول لك من واقع تسمعي للبعض منهم انهم يقولون لقد مجدت نفسك كثيرا وقلت عن نفسك اشياء عظيمة ولكنك بعد ذلك جعلت هذا المجد يبدو كأكذوبة وهذه العظمة تبدو كأسطورة لا ظل للحقيقة فيها.. وهكذا يا عم ماضي والكلام مازال للاستاذ مستقبل لقد لخبطت الناس فماقلت عنه يوما انه حرام اصبح حلالا وما قلت عنه انه مباح اصبح غيرمباح وما اعتبرته حسنة اصبح سيئة.. فكيف يقترب منك الناس الذين يعتبرونك قد ضللتهم.. وهنا انتفض عم ماضي غاضبا: عزيزي الاستاذ مستقبل مهلا وعلي رسلك.. انا لم اغير شيئا ولم اضلل احدا ولم اجعل الحلال حراما او العكس او المباح غير مباح او اي شيء من هذا القبيل. يا عزيزي ان الاخ حاضر هو الذي يقرأ علي هواه ويستنتج كما يهوي ويريد.. انا لم اقل له غير الحقيقة ولكنه يريد ان يُلونها لتصبح مبررا لما يفعل ويرغب وهذا ليس ذنبي وليس فعلي فكيف تتهمني علي ذنب لم ارتكبه وفعل لم افعله انني احذرك يا استاذ مستقبل ان تصبح ظالما وكفاني ما اعاني من ظلم الحبايب قبل الاغراب.. لقد امتلأت صفحاتي بأعمال كبار واشخاص كبار كما انطوت صفحاتي علي اخطاء كبار وكل هذا موجود ومسطور والاخ حاضر يأخذ ما يشاء ويترك ما شاء وليس الخطر هنا فلكل هوايته ولكل احيانا روايته ولكن الخطر والمشكلة هكذا يقول عم ماضي في ان الاجيال الجديدة لم تشهد ما انطوي بين صفحاتي فليست حاضرة في ذاكرتها كما ان الاخ حاضر لم يعرض لها تلك الصفحات علي النحو الذي يجب ان يكون لا شكلا ولو موضوعا فأصبحت في وضع صعب. وعليك ان تطالع كتب التاريخ التي يدرسها ابناؤنا لكي تري ما يصنع بي انهم احيانا يخذلونني في بعض الاحداث او بعض الاشخاص كما انهم احيانا اخري يلبسونني الثياب التي يريدون بغض النظر عما ارتديه فعلا.. وهل تعلم انني اصبحت مادة اختيارية احيانا لابنائي في حين انني مادة اجبارية بالنسبة للعالم الخارجي فقل بربك يا استاذ مستقبل كيف يصح هذا؟ واثناء الحوار المحترم بين الاستاذ مستقبل وعم ماضي دخل عليهم الاخ حاضر منفعلا وغاضبا كيف يتم هذا الحوار بينهما في غيابه ولماذا تعمدوا ان يفعلوا ذلك.. وهنا تعجب عم ماضي وقال يا اخ حاضر لقد قلتم لنا ان من لا ماضي له لا مستقبل له..ومن هناك كان حواري مع الاستاذ مستقبل. واخذ الاخ حاضر الغضب لسماع ذلك من عم ماضي وقال له ساخرا هكذا انت تريد ان تفرض نفسك علي المستقبل ولم يكفك ما صنعته بنا في زمانك.. لقد جعلتنا نسكن حجرة مظلمة داخل اسوار مغلقة لا ندري ماذا يدور حولنا لقد اغلقت اسماعنا وابصارنا فلم نعد نري الا ما تريد لنا ان نراه ولم نعد نسمع الا ما تريد لنا ان نسمع كفاك ما افسدته يا عم ماضي في ايامك وتريد اليوم ان تفسد علينا حاضرنا ومستقبلنا بهذه المقولة العرجاء وصمت الثلاثة عندما قال الاخ حاضر تلك العبارة.. وتنهد عم ماضي وشق هذا الصمت قائلا انت معذور يا اخ حاضر لانك لم تر في صفحاتي الا ما تريد ان تتوهم انه موجود وانه لا شيء سواه.. بل انك تضيف ما تشاء ان تضيف وتحذف ما تريد ان تحذفه هكذا وانا قد لا اتهمك بسوء القصد والنية ولكني اراك لا تعرف عني شيئا اذا كانت تلك نظرتك الي او لعلك لا تعرف بالقدر الكافي.. وهنا صرخ الاخ حاضر قائلا تلك تهمة باطلة لا اقبلها انك فقط تريد ان نظل سجناء لك تكبل ارجلنا وسط عالم يقفز تريد ان نعزف نفس النغمة التي كنت تعزفها ولا نغير فيها شيئا وان نغني نفس الاغنية ونأكل نفس الطعام وهكذا غير ممكن فضلا عن انه غير مرغوب..وتجمع بعض رواد معرض الكتاب علي صراخ الاخ حاضر وتجمعوا وسمعوا عم ماضي وهو يرد علي صراخ الاخ حاضر قائلا ان ما تقوله يا اخ حاضر هو من نسج خيالك فأنا لا املك ذلك الذي تقول به كما انني لا ارغب فيه كل ما اسعي اليه ان يصبح لي مكان في ذاكرتك تستعين به للمراجعة واخذ العبرة وهو ليس قيدا عليك ولكنه اداة لمساعدتك وليس صحيحا انني اريد ان تبقي مع ابي العلاء رهين المحبسين بل انني علي العكس اريد ان اجنبك ذلك.. هذا ما شاهدته عزيزي القاريء في لقاء الاستاذ مستقبل وعم ماضي والأخ حاضر بمعرض الكتاب.