من المؤكد أن مسئولي الأندية الجماهيرية شاهدوا واحدا من أفلام الخيال العلمي الأمريكية التي يسعي فيها عالم مجنون إلي تخليق سلاح متطور عبر تجارب غير مسبوقة علي البشر. وعلي الرغم من أن جميع هذه التجارب اتسمت بنهايات حزينة بل ومدمرة أحيانا، فإن هؤلاء المسئولين لم يتعلموا شيئا، وشرعوا في تحويل شباب من جمهور الكرة المتحمس إلي كيانات عنيفة ظنا منهم أنها ستكون سلاحا لتحقيق أهدافهم وردع خصومهم. ظنوا أن روابط المشجعين تلك، وهي الكائن الذي أشرفوا علي تكوينه في غرف اجتماعاتهم ومن خلال الدعم المالي والمعنوي، لن يخرج أبدا علي طاعتهم، وسيظل إلي الأبد مخلصا لسياساتهم، غير مدركين أنه مع الوقت أصبح لديه أجندته الخاصة، وأهدافه المستقلة، وسيصبح أكثر فتكا مما توقعوا ومن دون أن يكون هناك إلي السيطرة عليه سبيل. ف«الفرسان البيض» من مشجعي الزمالك قرروا مؤخرا الإغارة علي القلعة الحمراء، محطمين كل ما وقف أمامهم من بوابات وممتلكات وبشر ربما لمنعهم من تشجيع فريقهم في مباراة كرة يد وربما ردا علي ما قام به «ألتراس أهلاوي» قبل ستة أشهر من استعراض في ميت عقبة. 32 شابا من جمهور الزمالك قضوا ليلتهم في قسم قصر النيل فيما كان 18 من شباب مشجعي الأهلي محتجزين علي ذمة تحقيق آخر بالإسماعيلية للاعتداء علي موظف عام وإحداث تلفيات في محطة قطار المدينة الساحلية. تحولت روابط المشجعين من ظاهرة مبهجة كست الملاعب إلي كابوس يعيد إلي الأذهان أياما سوداء قضتها إنجلترا وأوروبا كلها في السبعينيات والثمانينيات. غالبا لم يعش أفراد روابط «الألتراس» أو يقرأ عن حادثة استاد «هيسيل» في بلجيكا عام 1985 والتي تسبب فيها أسلافهم من مشجعي ليفربول في موت 39 فردا من جمهور يوفنتوس في المباراة النهائية لكأس أوروبا للأندية. كانت هذه الحادثة هي نقطة الذروة في منحني كارثة أجبرت رئيسة وزراء إنجلترا في هذه الفترة مارجريت تاتشر علي تأسيس ما سمته ب«مجلس الحرب» لاتخاذ تدابير حاسمة للقضاء علي «الألتراس». صحيح لم تصل مصر إلي هذه المرحلة بعد، ولكنها حتما علي الطريق. فالألتراس تحولوا من أصوات تزأر وألوان ترفرف وطاقة إيجابية خلف فريقهم فائزا أو مهزوما، إلي تنظيمات سرية تصدر البيانات، وتبدي آراء في سياسات الأندية واختيار العاملين بها، إضافة إلي الاشتباك مع الأمن في الشوارع والمدرجات. فألتراس الزمالك يرفض وجود مرتضي منصور ويهاجمه «رسميا» وألتراس الأهلي يشتبك مع الأمن في لقاء ودي ثم يقاطع المباريات ويرفض التشجيع إلا بتحقيق مطالب يلبيها حسن حمدي ومحمود الخطيب بعد التماسات من اللاعبين بضرورة عودتهم للمدرجات، وكأن المشجعين المعتدلين الذين يصيحون فرحا مع الفوز وغضبا عند الهزيمة، ويذهبون إلي الاستاد مع أصدقائهم وعائلاتهم، ويهتفون «هوبا إيه.. هوبا آه.. إن شاء الله هنكسب» غير كافين الآن لإثارة حماس النجوم أصحاب الملايين لمداعبة الكرة! لم تصل الروابط إلي هذه القوة والنفوذ من فراغ، وإنما بدعم من جبهات وأشخاص داخل الأندية الكبيرة لهم مصالح تتحقق بصوت جماهيري عال يؤيدهم ويضفي عليهم شعبية، ويساعدهم كورقة ضغط لتمرير قرارات ومنع أخري. ولكن التجربة النقية في ظاهرها الخبيثة في طياتها حولت المشجع إلي وحش يلتهم من يقف في طريقه. وقد هرب هذا الوحش بالفعل من مدرجات الاستاد مثلما فر من سيطرة صاحبه وأصبح طليقا في الشارع، وربما يكون ضحيته القادمة هو من صنعه في المقام الأول. وإذا كنتم لا تصدقون، اسألوا وزير الداخلية الفرنسي الذي أصدر قرارا بحل سبع روابط واعتقال بعض من أعضائها بعد مقتل مشجع من أنصار نادي باريس سان جيرمان ينتمي إلي إحدي هذه الروابط علي يد مشجعين من رابطة أخري تساند باريس سان جيرمان أيضا! فالوحوش حينما تفرغ من فرائسها، تتحول إلي بعضها البعض لمواصلة القتال.