«أطلب الكوكاكولا ولا أشربها، أتوجه إلي الحمام، أخلع جلبابي المزهر، ينتظرني في الحقيبة بنطالي الجينز الواسع المفضل، مع سترته الصوفية الزرقاء، أرتديهما، ثم أخرج للشوارع والمقاهي كأي بوهيمية أصيلة.. آه يا جابرييل، ربما فعلت كل ذلك وربما لم أفعله، فنحن نكذب لعدد لانهائي من الأسباب» أقل من عامين انتظرتهما الشيماء حامد لتصدر مجموعتها القصصية الثانية، الأولي «صباحا مع فنجان قهوة» صدرت في 2008 عن «مجموعة الكل» السكندرية، أما مجموعتها الجديدة «لافندر»، فهي باكورة إنتاج دار «بيت الياسمين» التي أسسها الروائي إبراهيم عبدالمجيد مانحًا مؤسسته الوليدة اسم إحدي أشهر رواياته، في «لافندر» لم يبد أن الزمن المحدود بين المجموعتين سمح للمؤلفة باختلاف لافت في اللغة، علي الرغم من ذلك تبقي مجموعة لافتة في السرد الحميم، في محاولات التجريب، مغامرات التقمص، عبر 21 نصًا تتلبس الراوي خلالها أرواح نساء ورجال وأطفال، شوارع وبيوت، مستشفيات وروائح ونصوص شعرية، إن كان ثمة نص مفتاحي فهو «عزيزي جابرييل»، روح الكاتبة الشابة «1981» واضحة في أمنياتها «آه، كم تمنيت لو تعاطيت بحرًا غير هذا، ولو أحب أناسًا غير الذين أحبهم، في شوارع لا أعرفها. ولا تعرفني ولو لبعض الوقت»، يخاطبنا النص بشفرات يفترض أننا نعرفها، أو أننا نشترك فيها مع الراوية «فردة حذائي كانت فوق الأخري أمام باب منزلنا هذا الصباح. خرجت جدتي وأشارت إليها.. أنت تعرف بما ينذر ذلك. إنه السفر إذا». البحث عن تجارب، حيوات أخري، سمة تكاد تسكن كل نصوص المجموعة، تبحث عنها الراوية ولو في استبدال ذكري بأخري «صنع من كفيه طبقًا مليئًا بالفراولة الطازجة، مد يده ناحيتي بنفس الابتسامة الرحبة، - شكلك عطشانة. ضحكت، مد يده ناحيتي أكثر، فتعالت ضحكتي رغمًا عني وكانت رائقة. هذه الذكري ليست لي» تتحول الكلمات السابقة من قصة «طبق الفراولة» إلي جسر يعبر بالحكاية من أرض تحققها إلي مشهد سينمائي «ربما بمكان ما في أمريكا اللاتينية»، مشهد اقتنصته الراوية من التليفزيون «أوقفت التنقل الهيستيري بين قنوات الوصلة علي هذا المشهد، تسمرت أمامه، ثم حشرته في ذاكرتي». في قصة المجموعة «لافندر»، ندخل مع البطلة في غيبوبتها، منطقة معتمة بين بوابتين، حادثة سيارة ليس بعدها سوي ظلام لكن النائمة في غيبوبتها تحس، زيارة الأب، صوت أغنيتها المفضلة يضعوها لها بسماعات في أذنيها، ذكريات متقطعة وصور تراها باللمس وبالتذكر فقط «كم أفتقد سماع صوتي»، تجاهد النائمة كي تبدي إشارة، دليلا علي استجابتها، أخيرا تحرك إصبعًا ولكن «لم يره، انشغل بتمسيد شعري وربما لم يتحرك إصبعي من الأساس»، يرحل الزائر ولا تبقي سوي رائحته وبعض صور قليلة في ذاكرة النائمة «أتشبث(.. ) تنفسي، فقط، تنفسي». لا تخلو المجموعة من مناجاة ذكريات وأسرار، مناجاة تتجنب الابتكار إلي ما يشبه سرد السيرة، نري ذلك مثلا في «أشياء بالية جميلة»، حيث تبدو حكاية العمة «هدي» أشبه بدين مسدد إلي صاحبة الحكاية، الشخصية الرئيسية هي الموضوع وليس قصتها، يقلل ذلك من النص علي الرغم من وجود شذرات عذبة، وعبارات تستمد قيمتها من تلغرافيتها «أبي وأمي حوالة بريدية تصلني كل شهر». الغلاف: غلاف بسيط، البطولة فيه لاسم المجموعة واسم المؤلفة، واللوحة رسم سيلويت أسمر علي خلفية بيضاء وزرقاء ناعمة، وفوق وجه السلويت البروفايل ورود ملونة غزيرة علي شكل باروكة زهرية. علي خلفية الكتاب يكتب مؤسس الدار الروائي الكبير إبراهيم عبدالمجيد عن الشيماء: «الحقيقة أن الشيماء حامد لم تفتنني فقط ببراعة القص وعمق الموهبة، لكن في القصص ما يدل علي قراءات عميقة ومتنوعة في الفن والموسيقي والتاريخ وغيرها من الفنون، ويتخلل المجموعة نسيج القص وكأنه مفردات عادية لا تشعر معها بنتوء من أي نوع ولا معانٍ فكرية محددة، فقط مشاعر وأحاسيس تنسج في النهاية حكاية تقرها فيتسلل إلي روحك كثير من مشاعر البهجة والأسي والمعاني الكبيرة للحب والفقد والرغبة والتمرد وغيرها فهي كاتبة قرأت وعرفت وهضمت فن القصة القصيرة وهي تعيده لنا حاملاً روحها الخاصة وصوتها المميز».