في التجربة الأولي يكون هم المبدع إطلاق ما بداخله بعفوية ودون كثير من الحسابات، قد يكون هذا مطلوباً فالإبداع يحمل بصمة مبدعة ولا يتم من كتالوج به مواصفات محددة، وقد تصيب محاولة المبدع وقد تخيب، وفي فيلم «ورقة شفرة» كان واضحاً أن هناك نجومًا شبابًا لديهم حس كوميدي طازج ويرغبون في تقديم عمل مبتكر وغير مقلد وبه كل تلقائية وعفوية التجربة الأولي، كانت سخريتهم وكتابتهم مخلصة لقوانين كتابة كوميديا البارودي التي تسخر من أعمال فنية أخري سواء قديمة أو معاصرة، في «ورقة شفرة» لم يكن لدي الثلاثي «أحمد فهمي» و«هشام ماجد» و«شيكو» حضورًا تمثيليًا كبيرًا، وهم ليسوا معروفين بالنسبة للجمهور، ولكنهم نجحوا بسبب الشكل الجديد لتجربتهم وقرب روحهم الكوميدية من جيل الشباب ومصطلحاته التي يتداولونها فيما بينهم. عاد الثلاثي بالفيلم الجديد «سمير وشهير وبهير»، لا تختلف تجربتهم الجديدة عن السابقة كثيراً في الشكل الخارجي، نفس الإيفيهات الحديثة التي قد تمر إيحاءاتها حتي علي موظفي الرقابة، بالإضافة إلي الكتابة الكوميدية الكاريكاتورية التي تشبه كتابات كوميديا الخمسينيات مثل أسماء الشخصيات التي تلخص شخصياتهم، الشاب البصباص «منير الخطير»، أو أسماء الفتيات «شهيرة شهير»، و«سميرة سمير»، و«بهيرة بهير»، ولكن هناك اختلافات ملحوظة بين التجربتين، بل أن هناك عناصر ميزت التجربة الأولي غابت عن فيلمهم الثاني، أولها أن الفيلم الجديد اقتباس لفكرة فيلم أمريكي معروف هو فيلم «العودة للمستقبل» Back to the Future، والأمر يتعدي مجرد اقتباس تيمة العودة للماضي من خلال آلة الزمن، بل باقتباس خيوط درامية واضحة من الفيلم الأمريكي مثل شخصية العالم الذي يتمكن من صنع الآلة في الماضي ليعودوا للمستقبل، وكذلك المفارقات التي تتسبب في وقوع أم البطل وكانت لا تزال شابة صغيرة في حب ابنها المستقبلي بدلاً من الأب المفترض، ورسالة الفيلم الأصلي أن العبث بالماضي يسبب كوارث بالمستقبل، وهذه خطوط وعناصر تنتمي لقصة الفيلم الأصلي وليس مجرد تيمة العودة للماضي، وبالطبع في ظل العمل الجماعي للثلاثي تم توزيع الخيوط الدرامية علي 3 شخصيات بدلاً من شخصية واحدة، وهو أمر صنع تكرارًا للحدث الكوميدي وجعل كل شيء يحدث لأي شخصية متوقع سلفاً أن يحدث لباقي الأشقاء. الثلاث شخصيات بصورة ما أشقاء من ناحية الأب، ولدوا في يوم واحد وهذه صدفة داخلة في سياق الفانتازيا والشكل الكوميدي الذي أقره الفيلم منذ البداية، ولكن الصدفة الأخري أن والدهم تزوج من أمهاتهم ودخل بهن في نفس اليوم أيضاً، وهذا يعني أن الحمل تم في الوقت نفسه واستمر 9 أشهر باليوم، وهذه الصدفة المركبة تبرر وجود 3 أبطال لكل منهم مساحة علي الشاشة مساوية للآخرين، ولكنها تصبح مزعجة تماماً علي مستوي المنطق، وأحياناً تصبح عبئاً ورغياً درامياً، ويضاف إلي ذلك أن السيناريو لم ينجح كثيراً في استغلال التناقض بين الزمنين مكتفياً بإطلاق الإيفيهات. من مشاهد البارودي الناجحة في الفيلم إقناع أحد أبطال الفيلم «عبد الحليم حافظ» بغناء كلمات أغنية العنب علي لحن أغنية «يا خلي القلب» حيث تحولت كلماتها من القمر خدنا القمر إلي العنب خدنا العنب، وبالإضافة إلي ذلك بوستر عبد الحليم مبرزاً عضلاته وعليها تاتو باسمه، وهو إسقاط ساخر علي بوستر عمرو دياب عن ألبوم «وياه». ظهرت مشاهد الخيال العلمي وآلة الزمن ساذجة رغم أهمية تلك المشاهد بالنسبة للفيلم، ووضح فيها البخل الإنتاجي الشديد. هناك خلط كبير واستهتار بالتدقيق الزمني، فليس معني العودة للماضي وإلي فترة السبعينيات أن يتم تقديم الأحداث بهذا الشكل العشوائي حتي لو كان الفيلم كوميدياً وقصته قائمة علي الفانتازيا، فهناك علي سبيل المثال بعض الأمور التي حددت زمن الأحداث في الماضي، منها لقاء الأبطال بعبد الحليم حافظ، وعرض أحدهم عليه كلمات أغنية جديدة هي أغنية «قارئة الفنجان» وهذا يعني أنهم عادوا إلي عام 1976 أو قبل ذلك، فعبد الحليم مات عام 1977 وغني قارئة الفنجان قبل ذلك بعام، أيضاً وجود أحد الأبطال في لوكيشن تصوير فيلم «عنترة بن شداد» لفريد شوقي يعني أنهم عادوا لعام 1961 وهو العام الذي تم إنتاج الفيلم به، والتاريخيين مختلفين تماماً، ويضاف لهذا أن عمر الأبطال الحقيقي يتجاوز الثلاثين أو الأربعين، وأي من العمرين يتناقض مع شخصيات الأبطال الثلاثة وكونهم طلبة جامعة في الزمن الحالي، وهناك تفاصيل لا حصر لها تتعلق بالأخطاء الزمنية مسئول عنها الإعداد الموسيقي للأغاني والموسيقي المنتشرة في الفترة الزمنية التي عاد إليها الأبطال، والتي كانت في الفيلم مزيجًا من أغاني وموسيقي أواخر السبعينيات والثمانينيات.