هناك فارق هائل بين الشعور بالغضب والتعبير عن الغضب، بين الأمرين مسافة لا يقطعها سوي الشجعان أو المجانين أو القتلة، ورحلة الإنسان منذ نزل أبوك آدم علي الأرض هي صراع بين القدرة علي كتم الغضب وإطلاقه؟ لعل هذا يعطينا أول إشارة مرور في محاولة الإجابة عن سؤال ممض وحسن النية يردده كثيرون هذه الأيام هو: لماذا يسكت المصريون علي وضعهم الاقتصادي المتدني وفقرهم الدكر؟، ولعل شيئا من القلق ينتاب البعض عندما يقتصر الغضب وإعلانه علي طلاب الجامعات وبعض نشطاء المعارضة غير المهجنين في إدارات الأمن إزاء تصرفات الاستبداد والديكتاتورية، بينما لانري غضبا جماعيا من شرائح عادية من المصريين إلا الغضب الطائفي المتعصب سواء من المسلمين في وقفات وهجمات علي كنائس أو مظاهر مسيحية، أو من مسيحيين وأقباط داخل حدود الكنيسة وبين أسوار البطريركية! فيما عدا غضب شباب من الاستبداد.. أو غضب مجموعات عادية تعصبا وتطرفا فيبقي السؤال حارًا وحادً، وربما تحولت أحرف صياغته قليلا فصار: لماذا لا يغضب المصريون فعلا؟ والإجابة أن المصريين غضبوا ويغضبون وكل حاجة، بل هم أكثر غضبا من أي وقت مضي، وكنا فين وبقينا فين، لكن غضب المصريين كالمصريين تماما خاص وخليط بين الفهلوة والعشوائية، وغضب داخلي مكتوم داخل البني آدم وأعضائه الحيوية، بل يغضب المصريون حتي إنهم من فرط غضبهم يصابون بالسرطان والضغط والسكر. غضب المصريين يتسرب في أشكال غير مباشرة، المشكل أن أجهزة الأمن التي تمنع الغضب تشعر بالانتصار أن الغضب لم يحدث أبدا وكأنها لا تعرف أنها هي التي منعته، ثم أجهزة الأمن والحزب ثم الإعلام الحكومي التي تنبسط جدا وتشمت أن الغضب لم يكن بقدر ما ظنت أو بحجم ما خشيت ينسون أن الغضب المعلن والمنظم والمحدد له موعد والمؤقت له زمن أفضل مليون مرة من الغضب العشوائي التلقائي الذي ينفجر بلا تنظيم وبلا تخطيط وبلا إنذار فيربك ويرتبك ويمضي نحو التطرف في التعبير باعتباره انفجارًا مفاجئًا بعد ضغط، ويزداد عنفا في مواجهته من الأمن والدولة حتي يبدو غلاًّ وانتقامًا ووحشية لأن الدولة فوجئت ساعتها فتتصرف بإحساس المغدور به والمطعون في كبريائه! مصر غاضبة لكنها كالزوجة، غاضبة في بيت أمها، بينما حين تغضب في بيت زوجها ستقتله سمَّا أو ذبحا!