غداً تعقد الجمعية العمومية لحزب «الوفد» اجتماعا طارئا لمناقشة عدد من القضايا ربما كان أهمها موقف الحزب من انتخابات مجلس الشعب في حال عدم الاستجابة لضمانات النزاهة المطلوبة. ولأن الجمعية العمومية هي السلطة العليا في الحزب فسوف يكون قرارها ملزماً للجميع. يدرك الجميع أن الدكتور السيد البدوي رئيس الحزب ليس ملزماً من الناحية القانونية بعرض هذا الأمر علي الجمعية العمومية، لذا تثار تساؤلات كثيرة حول الدوافع الحقيقية وراء قراره دعوة الجمعية العمومية للانعقاد، وأيضا حول موقفه الشخصي من موضوع المقاطعة، وهنا تتعدد الاجتهادات. فبينما يؤكد البعض أن الدكتور البدوي مع المشاركة، ومن الداعين والمروجين لها سراً، ولأنه لا يريد أن يكشف نفسه ويبدو كأنه ينفذ ما يمليه عليه الحزب الحاكم، بإعلان موقفه الشخصي المؤيد للمشاركة، أراد أن يتخذ من الجمعية العمومية ستاراً يتخفي وراءه وذريعة يبرر بها موقفاً مسبقاً أملته عليه مصالحه مع النظام الحاكم. لكن البعض الآخر يري أن السيد البدوي سياسي محنك، ولجأ إلي هذه الحيلة للتخفف من ضغوط تمارس عليه ليس فقط من جانب الحزب الحاكم وإنما أيضا من داخل حزبه هو. ولأنه رجل أعمال ناجح فهو يدرك أكثر من غيره أن النظام الحاكم لن يتردد في استخدام أبشع الوسائل للتنكيل به والإضرار بمصالحه، مثلما فعل مع آخرين، إذا رفض التعاون لتمرير مشروع التوريث. وهناك تيار ثالث يذهب إلي ما هو أبعد ويري أن الدكتور البدوي ليس في حاجة إلي أن تمارس عليه ضغوط من أي نوع لأنه ولا يزال جاهزاً للتعاون بصدر رحب ولا يستبعد أن يكون قد قبض الثمن مقدماً، ويستشهد أنصار هذا التيار بصفقة شراء صحيفة «الدستور»، والتي تم الإعلان عنها مؤخراً ويعتقدون أن الحكومة وراءها، ويؤكدون وجود صفقات أخري في الطريق، تتعلق بالقنوات الفضائية، من شأنها أن تجعل من السيد البدوي مالكاً لأكبر إمبراطورية إعلامية خاصة في مصر!. ولأنني باحث، يسعي أولا وقبل كل شيء لمعرفة الحقيقة، وليست لديه معلومات موثقة تسمح له بتبين وجه الحقيقة في هذه المسألة، أراني أكثر ميلاً لاستبعاد احتمال وجود صفقة لسببين: الأول: أخلاق السيد البدوي وذكاؤه السياسي، واللذان يحولان دون إقدامه علي تصرف من هذا النوع. إذ يدرك بأخلاقه أنه تصرف فج، ويدرك بذكائه أنه تصرف خطر في الوقت نفسه. والثاني: أن اللجوء إلي دعوة جمعية عمومية يصعب التنبؤ بقرارها، يعد مغامرة غير مأمونة العواقب ولن يكون من السهل استخدامها كمبرر للإفلات من انتقام النظام في حال ما إذا صوتت الجمعية لصالح المقاطعة، وهو أمر وارد. وأيا كان الأمر، فمن الواضح أن الكرة الآن أصبحت في ملعب الجمعية العمومية للحزب وعليها وحدها تحمل المسئولية التاريخية لقرارها والذي ستترتب عليه نتائج بالغة الأهمية والخطورة في الحالتين، وذلك علي النحو الذي سنبينه لاحقاً. قد يري البعض أن تحديد موقف حزب الوفد من انتخابات مجلس الشعب القادمة شأن داخلي يخص الحزب وحده ومن ثم فليس من اللائق أن يحشر أحد من غير الوفديين نفسه فيه. غير أنني لا أتفق مطلقا مع هذا الرأي لأن المسألة لا تتعلق هنا بقضايا تنظيمية وإنما بانتخابات وطنية عامة تبدو مختلفة كل الاختلاف عن سابقاتها، خصوصا أنها تجري في لحظة تاريخية بالغة الحساسية بالنسبة لمستقبل مصر ونظامها السياسي ككل. وإذا نجح النظام الحاكم في إدارتها بالطريقة التي اعتادها، والتي ضمنت له الحصول دوما علي أغلبية تتجاوز ثلثي المقاعد أيا كان تصويت الناخبين، فسيكون قد قطع نصف الطريق لتمرير مشروع التوريث. لذا أسمح لنفسي بأن أتوجه مباشرة إلي أعضاء الجمعية العمومية لحزب الوفد لأخاطبهم، ليس بصفتي منسقاً عاماً للجمعية الوطنية للتغيير وإنما كمواطن وكباحث سياسي يدرك خطورة ما سوف يترتب علي قرارهم، ولأناشدهم تبصر عواقب هذا القرار قبل أن يتخذوه فعلاً. وأظن أنه لم يعد يخفي علي فطنة أحد منهم أن هناك أحزابا وقوي سياسية أخري قررت المشاركة، بصفقة أو دون صفقة ليس هذا هو المهم، لكنها تنتظر قرار الوفد بالمشاركة لتتخفي وراءه ولتحمله وحده مسئولية إفشال الجهود الرامية لتحقيق إجماع حول المقاطعة في حال عدم الاستجابة لضمانات النزاهة المطلوبة. صحيح أن قرار الوفد بالمقاطعة لن يضمن بالضرورة التزام الآخرين التام بالخط نفسه، غير أنني علي ثقة تامة بأنه سيعري كثيرين وربما يجبرهم علي التراجع. وفي هذه الحالة سيحسب تاريخياً لحزب الوفد أنه هو الذي قاد الطريق فعلياً نحو المقاطعة. لذا أتمني أن تصوت الجمعية العمومية لحزب الوفد غدا لصالح المقاطعة إذا لم تتم الاستجابة للضمانات المطلوبة. ولا أظن أن أحداً سيجرؤ علي تفسير قرار الوفد بأي شيء آخر سوي أنه يعكس تجاوباً مع موقف جماهير الشعب المصري الرافض مشروع التوريث والمصر علي بناء نظام ديمقراطي بديل. يدرك الوفديون قبل غيرهم، وهم دعاة الديمقراطية وروادها، أنه لن يكون بالإمكان التحرك خطوة واحدة علي طريق الديمقراطية دون ممارسة أقصي ضغط ممكن علي النظام الحاكم في مصر. ولأن مقاطعة الانتخابات هي إحدي أهم وسائل هذا الضغط وأكثرها فعالية، خصوصا في حال توافر إجماع حولها، فسوف يكون لقرار الوفد بالمقاطعة الأثر الأكثر حسماً لإنجاحها أو إفشالها، ويدرك الوفديون أيضاً أن جماعة الإخوان، وهي القوة الأكثر شعبية علي الساحة السياسية في الوقت الراهن والأكثر احتياجاً للمشاركة في الانتخابات باعتبارها الوسيلة الوحيدة لتأكيد شرعيتها الجماهيرية في مواجهة الحظر المفروض عليها رسمياً، تنتظر بدورها قرار الوفد لتحدد موقفها النهائي، وليس لدي شخصيا أدني شك في صدق نوايا الجماعة حين تؤكد استعدادها للمقاطعة حال التزام الجميع بها. ولأنه يصعب علي حزب التجمع، والذي تواجه قيادته ضغوطاً من داخله للمقاطعة، أن يشارك في الانتخابات إذا قاطعها الوفد. ومعني ذلك أن حزب الوفد أصبح من الناحية الموضوعية البحتة، في وضع من يمسك برمانة الميزان ومن ثم بوسعه ترجيح أي من الكفتين. لا أتصور شخصياً، ولا أتمني للوفد، أن يتخذ قراراً بالمشاركة في انتخابات يدرك يقينا أنها ستزور، لأنها ستجعله شريكاً في جريمة التزوير. صحيح أن مشاركته فيها قد تتيح له فرصة أفضل للحصول علي عدد أكبر من المقاعد في مجلس الشعب القادم، لكنها ستعرضه لخسارة أكبر علي المدي البعيد، وهي خسارة نفسه كحزب معارض حقيقي، وستبدد رصيداً كبيراً كان قد حققه مؤخراً في انتخابات رئاسة الحزب. فلن يكون بوسع أحد أن يفهم كيف يتسني لحزب يؤمن حقاً بالديمقراطية أن يتواطأ مع الحزب الحاكم لتكريس الاستبداد والفساد وتمرير مشروع التوريث وفرضه بالقوة علي الشعب المصري. يخطئ من يتصور أن مقاطعة الانتخابات هي الاختيار السهل وأنها تعني الركون والاستسلام والبقاء في المنازل، كما يدعي البعض. فالواقع أن فترة الانتخابات، والتي يصعب فيها تطبيق قانون الطوارئ، ستكون المناسبة الأفضل للتحرك وسط الناس وفضح أساليب التزوير وشرح أسباب ومبررات المقاطعة. ولأنني لا أتصور أن يصبح النظام، بعد المقاطعة الجماعية لانتخابات موقف الشعب، في موقف يمكنه من الدفاع عن شرعيته، فليس لدي أدني شك في أن نجاح المقاطعة سيكون هو الخطوة الأولي ونقطة الانطلاق الرئيسية علي طريق التغيير وتجديد الأمل. بقي أن أقول إن تصويت الوفد لصالح المشاركة في انتخابات بلا ضمانات قد تتيح للحزب تمثيلاً أكبر في مجلس الشعب القادم. ماذا سيفعل بهذا التمثيل خصوصاً أن هذا المجلس بالذات لن يستمر لأكثر من عام أو عامين علي أكثر تقدير. المستفيد الوحيد سيكون الحزب الحاكم، والخاسر الأكبر في النهاية سيكون حزب الوفد والذي سيتسبب في إطفاء أمل الديمقراطية المتوهج. وعلي أي حال فالقرار في النهاية هو قرار الجمعية العمومية غدا، وعليها أن تتحمل وحدها تلك المسئولية التاريخية الكبري. ولك الله يا مصر.