ل«تخفيف الأحمال» معني تقصده الحكومة في تصريحاتها الرسمية، وهو أننا باستهلاكنا الذي لا يزيد علي ما يقيم الأود ويمسك الرمق ويسد الجوع حمل علي كاهلها، تضطر إلي التخفف من بعضه، حتي تنهض بالبعض الآخر. ومادامت الحكومة اختارت «نوبة صراحة» تتجاو تخفيف أحمال! ل«تخفيف الأحمال» معني تقصده الحكومة في تصريحاتها الرسمية، وهو أننا باستهلاكنا الذي لا يزيد علي ما يقيم الأود ويمسك الرمق ويسد الجوع حمل علي كاهلها، تضطر إلي التخفف من بعضه، حتي تنهض بالبعض الآخر. ومادامت الحكومة اختارت «نوبة صراحة» تتجاوز حد الأدب، فلنكن علي مستوي «الحوار» مع حكامنا، ونصارحهم بأن هناك طريقة أخري لتخفيف الأحمال، طريقة تحتاج إلي جهد أقل، وتأتي بنتيجة أكبر وأفضل، وهي أن يتخفف الشعب من حمل هؤلاء الحكام. «تخفيف الأحمال» هو المبرر الذي يلقيه في وجوهنا بكل صلف نظام السماسرة الحاكم، لتبرير عجزه القاتل عن توفير اثنين من أهم الاحتياجات الأساسية بل الأولية للناس، وهما الماء والكهرباء. وهو ليس مبررا صلفا وعديم الذوق فقط، لكنه في الأساس مبرر كاذب، إذ عدم كفاية الماء والكهرباء، وكذلك نقص الخبز وتلوث الهواء، أزمات يسببها جشع السماسرة الحاكمين، الذين نهبوا ثرواتنا، حتي إذا انتهت استداروا إلي أقواتنا، التي توشك بدورها أن تنتهي، لكن «فراغة عينهم» التي لا يردعها رادع، لا تنتهي، وتجعلهم يصرون علي مواصلة أن يأخذوا «من الثلاثة اثنين» كما يقول مثلنا الشعبي. للسماسرة الحكام، وهم عشرات، ثلثا كل شئ، وللشعب بملايينه الثلث الباقي، فهل رأيتم أشد منهم جشعا، ولا أكثر منا «هيافة»؟ في الأسبوع الأول من رمضان، ظلت المياه مقطوعة، ولأكثر من يوم، عن معظم مناطق 6 أكتوبر. وفي الوقت نفسه ظلت مقطوعة لأكثر من أربعة أيام عن التجمعين الخامس والثالث. وفي المنطقتين المتباعدتين جدا ادعي المسئولون أن سبب الانقطاع هو كسر إحدي مواسير المياه. وهو مبرر شديد التفاهة مفضوح الكذب، إذ إن ملاعب الجولف (التي حدثتكم عنها في المقال السابق) ظلت في المنطقتين بخير حال، مع أن انقطاع المياه عنها لزمن يحسب بالدقائق لا بالأيام يؤدي حتما إلي تلف النجيل الممدود بساطا علي أرضها، لكن النجيل ظل يانع الخضرة، نابضا بالحياة، شاهدا علي كذب السماسرة الحكام، إذ لا يعقل أن ماسورة المياه انقطعت عن بيوتنا في أحيائها العديدة المتباعدة لكنها ظلت سليمة بالنسبة لملاعب الجولف الملاصقة لهذه البيوت! ما يؤكد أنهم قطعوا الماء عمدا عن بيوتنا، مفضلين توفيره لري ملاعبهم! وأننا نموت عطشا ليزدادوا ثراء، ونعاني نقص ضرورات الحياة ليتمتعوا باللهو! ثم يبررون جشعهم وأنانيتهم ولامبالاتهم بحياتنا بكذب يكرر كذب «إخوة يوسف» بالفجور نفسه والخيبة نفسها. الإخوة حملوا قميص «يوسف» إلي أبيه «يعقوب» عليهما السلام مدعين أن الذئب أكله، فقال الأب: ما أشد حلم هذا الذئب الذي أكل ابني من دون أن يمزق ثوبه. ونقول: ما أشد تواطؤ هذا «الكسر» الذي يقطع المياه عن بيوتنا ولا يقطعها عن ملاعب الجولف الملاصقة لها! تلك الملاعب التي يستهلك الفرد الواحد من روادها عشرة أضعاف ما يستهلكه المواطن المصري من الماء (وهكذا فهم لا يأخذون من الثلاثة اثنين فحسب، بل يأخذون عشرة من الأحد عشر). ما يجعل هذا المواطن «الجولفي» عبئا بكل تأكيد علي نظيره المصري، وحملا نحتاج إلي أن نتخفف منه، وحبذا لو تخلصنا منه نهائيا. إن هذا المواطن «الجولفي» لا يحتاج بالضرورة إلي أن يقتلنا عطشا ل«يتمتع» بممارسة رياضته «المفضلة»! إذ يمكن للجولفيين، وكلهم من فاحشي الثراء، أن يسافروا إلي أوروبا وهي «فركة كعب» بالطائرة ليلعبوا كما يحلو لهم. بدلا من نقل «النجيل» الذي ينمو في مراعي أوروبا، الممطرة طول الوقت، والذي لا يحتمل الجفاف لساعة واحدة، إلي بلادنا، وهي صحراء قاحلة. مصر يا أيها الجولفيون الذين لا تعرفونها ليست أكثر من صحراء، وإن كان قلبها مبللا بشريط من الماء، هو ذلك النهر «النحيل» الذي نسميه نهر «النيل»، فإنه قدر من الماء قليل، يكفي بالكاد لنشربه قراحا في القلل والأزيار، ونسقي منه حيواناتنا ومزارعنا المحدودة، وعلي هذا فهو أيها الجهلة الجشعون لا يحتمل عبثكم، ولا يكفي أبدا للهوكم. وبالله عليكم إن كنتم لله تعرفون هل رأيتم أوروبا بكل غناها وتقدمها، تحاول استجلاب ثابت من ثوابت بيئتنا؟ الأوربيون يأتون إلي بلادنا شتاء للاستمتاع بالشمس، ويقصدون رمال واحاتنا، ومياهنا الكبريتية، وغير ذلك، لكنهم أبدا لا يحاولون نقل أي من هذا إلي بلادهم، ببساطة لأن انتقالهم هم أسهل وأرخص، وأكثر أمنا للبيئة وفائدة للاقتصاد. هذا ما تفعله أوروبا، حيث الدول أكثر ثراء، فقارنوه بما يرتكبه السماسرة الحكام في بلادنا، لتتأكدوا من أنهم «حمل» لابد من «تخفيفه»، وعبء يتبدي في كل مكان، ويكفي لكي تدركوا مدي ثقله أن تتذكروا مثلا عدد المرات، والساعات الطوال ، التي تعطل فيها المرور، وأجبرتم علي البقاء حبيسي وسائل النقل، لأن «الباشا معدي»! ثم بعد نهاية الموكب ستجد السماسرة الحكام، ولأنهم لا يستحون، يصرون علي أننا بلد ديمقراطي، الناس فيه سواسية، وأن «زمن الباشوات راحت عليه». إن حالة «الهلع الأمني» التي تتبدي في قطع الطرق وإيقاف الحركة كلما مر وزير، وأحيانا رئيس هيئة أو بنك تحمل أكثر من دلالة: فهي دليل قاطع علي أننا لسنا بصدد حكومة تمثل شعبا، بل سلطة تختطف وطنا، وتستولي علي حكمه، سلطة تعرف أكثر من غيرها وقبل غيرها أنها في نظر الناس لا تستحق إلا المطاردة والعقاب، ولهذا تستخفي منهم وتحجب نفسها بالحراس. وهي مع الحراس المنتشرين في كل مكان اعتراف صريح بأن إجراءات الأمن العادية لا تكفي. والواقع أن الحرس الخاص أو «البودي جارد» واللجوء إلي المجمعات السكنية الخاصة، وإخلاء الشوارع والشواطئ والنوادي كلما ارتادها واحد من السماسرة الحكام، كل هذا محاولة للحصول علي «الأمن المعبأ» علي غرار مياه الشرب المعبأة بالقدر الكافي للباشوات، أما الناس الذين تنتهك آدميتهم حيثما حلوا، فمن قال إنهم آدميون من الأصل؟ وتكرار «مواكب قطع الطريق» ناتج من نواتج ترهل السلطة وتعدد أجنحتها، مع سعي باشواتها في مواجهة بعضهم البعض علي استعراض العضلات، استعراض مظاهر الأبهة والسيادة وأولها المواكب التي زادت عن حدها، وطالت ساعات قطعها للطريق. ورحم الله زمنا كنا نسير فيه بسياراتنا إلي جوار المحافظين والوزراء، زمن لم يكن المرور يتعطل فيه إلا لموكب رئيس الجمهورية، ولم يكن الرئيس يتحرك بالموكب إلا في بعض المناسبات. أما الآن، فكلهم رؤساء، وحركتهم كلها مواكب! لهذا نحتاج قطعا إلي تخفيف الأحمال، التي لن تزيحها عن كاهلنا الاحتجاجات «الرقيقة» بالتي شيرت المطبوع، ذلك أننا يا ابن والدي اعتدنا حين نغضب أن «نخلع القميص» لا أن نلبسه لا مطبوعا ولا سادة! اعتدنا أن نحرق الجرائد حين لا يعجبنا قرار الحكم في الملعب، وهي وسيلة يمكن استخدامها للاحتجاج علي «موكب الباشا» ووضعه في حجمه الحقيقي. أما ملاعب الجولف التي استوردوها من أوروبا المطيرة ليرووها بمياهنا القليلة في صحرائنا القاحلة، فلنجعل منها مراعي للضأن والماعز، التي يكفي إطلاق قطيع واحد منها لتخليصنا من عبء هذه «الملاعب» دفعة واحدة، وثقوا أننا سنجد ماءً كثيرا يكفي كي نشرب و«نبلبط» ولكن بعد أن نخفف أحمالنا!