أسعار الذهب صباح اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024    بدء تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء الجديد بالمراكز التكنولوجية بكفر الشيخ    أسعار الخضار والفاكهة اليوم الثلاثاء 7-5-2024 داخل سوق العبور    تنظيم 90 قافلة طبية وعلاج 71 ألف حالة ضمن مبادرة حياة كريمة بالجامعات    القلعة تربح 6.5 مليار جنيه في 2023 بدعم انت التخارج من بعض استثماراتها    بيان عاجل من السودان بشأن العلاقات مع السعودية    غارات الاحتلال دمرت المنازل.. ليلة دامية على الفلسطينيين في رفح    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    برلماني يطالب المجتمع الدولي بالتحرك لمنع كارثة إنسانية جديدة في رفح    رويترز: جيش الإحتلال الإسرائيلي يسيطر على معبر رفح الفلسطيني    موعد مباراة الزمالك ونهضة بركان المغربي والقنوات الناقلة    الأهلي يلتقي الاتحاد السكندري الليلة فى الدوري    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    مواعيد مباريات اليوم الثلاثاء في الدوري المصري والبطولات العالمية    حالة الطقس اليوم، منخفض جوي يساعد على خفض درجات الحرارة (فيديو)    زوج الأم كلمة السر.. دماء بمنطقة حساسة تكشف انتهاك جسد صغير بولاق الدكرور    تي شيرتات عليها صورة جانيت السودانية أمام محكمة التجمع    استمرار حبس طرفي مشاجرة أسفرت عن إصابة 4 أشخاص في الهرم    مصرع سيدة أربعينية دهسا أسفل عجلات قطار في المنيا    تفاصيل الحالة المرورية في شوارع وميادين القاهرة والجيزة (فيديو)    حكاية سعودية تبرعت بجزء من كبدها لوالدها    أسعار الأسمنت اليوم الثلاثاء 7 - 5 - 2024 في الأسواق    اليوم.. مجلس النواب يناقش حساب ختامي موازنة 2022/2023    شاهد.. تجهيز لجان امتحانات الترم الثاني بمدارس القاهرة لاستقبال الطلاب غداً    إصابة الملك تشارلز بالسرطان تخيم على الذكرى الأولى لتوليه عرش بريطانيا| صور    ميدو: الزمالك رفض التعاقد مع علي معلول    الزراعة: 35 ألف زائر توافدوا على حدائق الحيوان والأسماك في شم النسيم    الجيش الإسرائيلي: تم إجلاء الغالبية العظمى من السكان في منطقة العمليات العسكرية شرقي رفح    Bad Bunny وSTRAY KIDS، أفضل 10 إطلالات للنجوم بحفل الميت جالا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 7-5-2024    هل يجوز أداء سنة الظهر القبلية أربع ركعات متصلة.. مجدي عاشور يوضح    صدق أو لاتصدق.. الكبد يستعد للطعام عندما تراه العين أو يشمه الأنف    مفاجأة في سعر الدولار اليوم في البنوك    60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. الثلاثاء 7 مايو 2024    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    ياسمين عبد العزيز:" عملت عملية علشان أقدر أحمل من العوضي"    صدقي صخر: تعرضت لصدمات في حياتي خلتني أروح لدكتور نفسي    شبانة: هناك أزمة قادمة بعد استفسار المصري بشأن شروط المشاركة في بطولات افريقيا    رامي صبري يحيي واحدة من أقوى حفلاته في العبور بمناسبة شم النسيم (صور)    كريم شحاتة: كثرة النجوم وراء عدم التوفيق في البنك الأهلي    أمين البحوث الإسلامية: أهل الإيمان محصنون ضد أى دعوة    صدقي صخر يكشف مواصفات فتاة أحلامه: نفسي يبقى عندي عيلة    صليت استخارة.. ياسمين عبد العزيز تكشف عن نيتها في الرجوع للعوضي |شاهد    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    الدوري الإنجليزي، مانشستر يونايتد يحقق أكبر عدد هزائم في موسم واحد لأول مرة في تاريخه    فرح حبايبك وأصحابك: أروع رسائل التهنئة بمناسبة قدوم عيد الأضحى المبارك 2024    إبراهيم عيسى: لو 30 يونيو اتكرر 30 مرة الشعب هيختار نفس القرار    الأوقاف تعلن افتتاح 21 مسجدا الجمعة القادمة    ب800 جنيه بعد الزيادة.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي الجديدة وكيفية تجديدها من البيت    "يا ليلة العيد آنستينا وجددتي الأمل فينا".. موعد عيد الأضحى المبارك 2024 وأجمل عبارات التهنئة بالعيد    يوسف الحسيني: إبراهيم العرجاني له دور وطني لا ينسى    ياسمين عبد العزيز تكشف ل«صاحبة السعادة» سبب طلاقها من أحمد العوضي    هل يحصل الصغار على ثواب العبادة قبل البلوغ؟ دار الإفتاء ترد    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    بعد الفسيخ والرنجة.. 7 مشروبات لتنظيف جسمك من السموم    للحفاظ عليها، نصائح هامة قبل تخزين الملابس الشتوية    كيفية صنع الأرز باللبن.. طريقة سهلة    أستاذ قانون جنائي: ما حدث مع الدكتور حسام موافي مشين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد القدوسي يكتب : تخفيف أحمال!
نشر في الدستور الأصلي يوم 17 - 09 - 2010

ل«تخفيف الأحمال» معني تقصده الحكومة في تصريحاتها الرسمية، وهو أننا باستهلاكنا الذي لا يزيد علي ما يقيم الأود ويمسك الرمق ويسد الجوع حمل علي كاهلها، تضطر إلي التخفف من بعضه، حتي تنهض بالبعض الآخر. ومادامت الحكومة اختارت «نوبة صراحة» تتجاو
تخفيف أحمال!
ل«تخفيف الأحمال» معني تقصده الحكومة في تصريحاتها الرسمية، وهو أننا باستهلاكنا الذي لا يزيد علي ما يقيم الأود ويمسك الرمق ويسد الجوع حمل علي كاهلها، تضطر إلي التخفف من بعضه، حتي تنهض بالبعض الآخر. ومادامت الحكومة اختارت «نوبة صراحة» تتجاوز حد الأدب، فلنكن علي مستوي «الحوار» مع حكامنا، ونصارحهم بأن هناك طريقة أخري لتخفيف الأحمال، طريقة تحتاج إلي جهد أقل، وتأتي بنتيجة أكبر وأفضل، وهي أن يتخفف الشعب من حمل هؤلاء الحكام.
«تخفيف الأحمال» هو المبرر الذي يلقيه في وجوهنا بكل صلف نظام السماسرة الحاكم، لتبرير عجزه القاتل عن توفير اثنين من أهم الاحتياجات الأساسية بل الأولية للناس، وهما الماء والكهرباء. وهو ليس مبررا صلفا وعديم الذوق فقط، لكنه في الأساس مبرر كاذب، إذ عدم كفاية الماء والكهرباء، وكذلك نقص الخبز وتلوث الهواء، أزمات يسببها جشع السماسرة الحاكمين، الذين نهبوا ثرواتنا، حتي إذا انتهت استداروا إلي أقواتنا، التي توشك بدورها أن تنتهي، لكن «فراغة عينهم» التي لا يردعها رادع، لا تنتهي، وتجعلهم يصرون علي مواصلة أن يأخذوا «من الثلاثة اثنين» كما يقول مثلنا الشعبي. للسماسرة الحكام، وهم عشرات، ثلثا كل شئ، وللشعب بملايينه الثلث الباقي، فهل رأيتم أشد منهم جشعا، ولا أكثر منا «هيافة»؟
في الأسبوع الأول من رمضان، ظلت المياه مقطوعة، ولأكثر من يوم، عن معظم مناطق 6 أكتوبر. وفي الوقت نفسه ظلت مقطوعة لأكثر من أربعة أيام عن التجمعين الخامس والثالث. وفي المنطقتين المتباعدتين جدا ادعي المسئولون أن سبب الانقطاع هو كسر إحدي مواسير المياه. وهو مبرر شديد التفاهة مفضوح الكذب، إذ إن ملاعب الجولف (التي حدثتكم عنها في المقال السابق) ظلت في المنطقتين بخير حال، مع أن انقطاع المياه عنها لزمن يحسب بالدقائق لا بالأيام يؤدي حتما إلي تلف النجيل الممدود بساطا علي أرضها، لكن النجيل ظل يانع الخضرة، نابضا بالحياة، شاهدا علي كذب السماسرة الحكام، إذ لا يعقل أن ماسورة المياه انقطعت عن بيوتنا في أحيائها العديدة المتباعدة لكنها ظلت سليمة بالنسبة لملاعب الجولف الملاصقة لهذه البيوت! ما يؤكد أنهم قطعوا الماء عمدا عن بيوتنا، مفضلين توفيره لري ملاعبهم! وأننا نموت عطشا ليزدادوا ثراء، ونعاني نقص ضرورات الحياة ليتمتعوا باللهو! ثم يبررون جشعهم وأنانيتهم ولامبالاتهم بحياتنا بكذب يكرر كذب «إخوة يوسف» بالفجور نفسه والخيبة نفسها. الإخوة حملوا قميص «يوسف» إلي أبيه «يعقوب» عليهما السلام مدعين أن الذئب أكله، فقال الأب: ما أشد حلم هذا الذئب الذي أكل ابني من دون أن يمزق ثوبه. ونقول: ما أشد تواطؤ هذا «الكسر» الذي يقطع المياه عن بيوتنا ولا يقطعها عن ملاعب الجولف الملاصقة لها! تلك الملاعب التي يستهلك الفرد الواحد من روادها عشرة أضعاف ما يستهلكه المواطن المصري من الماء (وهكذا فهم لا يأخذون من الثلاثة اثنين فحسب، بل يأخذون عشرة من الأحد عشر). ما يجعل هذا المواطن «الجولفي» عبئا بكل تأكيد علي نظيره المصري، وحملا نحتاج إلي أن نتخفف منه، وحبذا لو تخلصنا منه نهائيا. إن هذا المواطن «الجولفي» لا يحتاج بالضرورة إلي أن يقتلنا عطشا ل«يتمتع» بممارسة رياضته «المفضلة»! إذ يمكن للجولفيين، وكلهم من فاحشي الثراء، أن يسافروا إلي أوروبا وهي «فركة كعب» بالطائرة ليلعبوا كما يحلو لهم. بدلا من نقل «النجيل» الذي ينمو في مراعي أوروبا، الممطرة طول الوقت، والذي لا يحتمل الجفاف لساعة واحدة، إلي بلادنا، وهي صحراء قاحلة. مصر يا أيها الجولفيون الذين لا تعرفونها ليست أكثر من صحراء، وإن كان قلبها مبللا بشريط من الماء، هو ذلك النهر «النحيل» الذي نسميه نهر «النيل»، فإنه قدر من الماء قليل، يكفي بالكاد لنشربه قراحا في القلل والأزيار، ونسقي منه حيواناتنا ومزارعنا المحدودة، وعلي هذا فهو أيها الجهلة الجشعون لا يحتمل عبثكم، ولا يكفي أبدا للهوكم. وبالله عليكم إن كنتم لله تعرفون هل رأيتم أوروبا بكل غناها وتقدمها، تحاول استجلاب ثابت من ثوابت بيئتنا؟ الأوربيون يأتون إلي بلادنا شتاء للاستمتاع بالشمس، ويقصدون رمال واحاتنا، ومياهنا الكبريتية، وغير ذلك، لكنهم أبدا لا يحاولون نقل أي من هذا إلي بلادهم، ببساطة لأن انتقالهم هم أسهل وأرخص، وأكثر أمنا للبيئة وفائدة للاقتصاد.
هذا ما تفعله أوروبا، حيث الدول أكثر ثراء، فقارنوه بما يرتكبه السماسرة الحكام في بلادنا، لتتأكدوا من أنهم «حمل» لابد من «تخفيفه»، وعبء يتبدي في كل مكان، ويكفي لكي تدركوا مدي ثقله أن تتذكروا مثلا عدد المرات، والساعات الطوال ، التي تعطل فيها المرور، وأجبرتم علي البقاء حبيسي وسائل النقل، لأن «الباشا معدي»! ثم بعد نهاية الموكب ستجد السماسرة الحكام، ولأنهم لا يستحون، يصرون علي أننا بلد ديمقراطي، الناس فيه سواسية، وأن «زمن الباشوات راحت عليه».
إن حالة «الهلع الأمني» التي تتبدي في قطع الطرق وإيقاف الحركة كلما مر وزير، وأحيانا رئيس هيئة أو بنك تحمل أكثر من دلالة:
فهي دليل قاطع علي أننا لسنا بصدد حكومة تمثل شعبا، بل سلطة تختطف وطنا، وتستولي علي حكمه، سلطة تعرف أكثر من غيرها وقبل غيرها أنها في نظر الناس لا تستحق إلا المطاردة والعقاب، ولهذا تستخفي منهم وتحجب نفسها بالحراس.
وهي مع الحراس المنتشرين في كل مكان اعتراف صريح بأن إجراءات الأمن العادية لا تكفي. والواقع أن الحرس الخاص أو «البودي جارد» واللجوء إلي المجمعات السكنية الخاصة، وإخلاء الشوارع والشواطئ والنوادي كلما ارتادها واحد من السماسرة الحكام، كل هذا محاولة للحصول علي «الأمن المعبأ» علي غرار مياه الشرب المعبأة بالقدر الكافي للباشوات، أما الناس الذين تنتهك آدميتهم حيثما حلوا، فمن قال إنهم آدميون من الأصل؟
وتكرار «مواكب قطع الطريق» ناتج من نواتج ترهل السلطة وتعدد أجنحتها، مع سعي باشواتها في مواجهة بعضهم البعض علي استعراض العضلات، استعراض مظاهر الأبهة والسيادة وأولها المواكب التي زادت عن حدها، وطالت ساعات قطعها للطريق. ورحم الله زمنا كنا نسير فيه بسياراتنا إلي جوار المحافظين والوزراء، زمن لم يكن المرور يتعطل فيه إلا لموكب رئيس الجمهورية، ولم يكن الرئيس يتحرك بالموكب إلا في بعض المناسبات. أما الآن، فكلهم رؤساء، وحركتهم كلها مواكب!
لهذا نحتاج قطعا إلي تخفيف الأحمال، التي لن تزيحها عن كاهلنا الاحتجاجات «الرقيقة» بالتي شيرت المطبوع، ذلك أننا يا ابن والدي اعتدنا حين نغضب أن «نخلع القميص» لا أن نلبسه لا مطبوعا ولا سادة! اعتدنا أن نحرق الجرائد حين لا يعجبنا قرار الحكم في الملعب، وهي وسيلة يمكن استخدامها للاحتجاج علي «موكب الباشا» ووضعه في حجمه الحقيقي. أما ملاعب الجولف التي استوردوها من أوروبا المطيرة ليرووها بمياهنا القليلة في صحرائنا القاحلة، فلنجعل منها مراعي للضأن والماعز، التي يكفي إطلاق قطيع واحد منها لتخليصنا من عبء هذه «الملاعب» دفعة واحدة، وثقوا أننا سنجد ماءً كثيرا يكفي كي نشرب و«نبلبط» ولكن بعد أن نخفف أحمالنا!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.