قالوا يوما إنه إذا تقابل صاروخ سوفييتي مع آخر أمريكي فإن الصاروخين سيتبادلان الحديث باللغة الألمانية. . قالوا ذلك بمناسبة انتهاء الحرب العالمية الثانية واستيلاء الروس والأمريكان علي علماء الصواريخ الألمان وجلبهم إلي بلادهم، لأن ألمانيا في عهد هتلر كانت صاحبة براءة اختراع تكنولوجيا الصواريخ، كما كانت أيضا صاحبة أول غواصة نووية في التاريخ. ولقد ذاقت لندن في الأيام الأخيرة للحرب نار الصواريخ الألمانية ووقفت عاجزة أمامها لولا أن ألمانيا نفسها كانت علي وشك السقوط. وفيما بعد الحادي عشر من سبتمبر قام الأمريكيون بتعليق العلم الأمريكي علي كل البيوت، ولقد ذهلت حقا عندما عرفت بالمصادفة أن هذه الأعلام مصنوعة في الصين وكذلك قبعات البيسبول الأمريكية الشهيرة، هذا بخلاف فوانيس رمضان طبعا وسجاجيد الصلاة وأغلب أدوات العبادة التي يستعملها المسلمون. هناك بلاد طاردة للعلماء وأخري جاذبة لهن، ومصر رغم كل بلاويها وتعليمها الواقع(تنطق بالهمزة)ما هي إلا مصنع كبير للعقول العابرة للقارات، واسألوا يعقوب، زويل، فراج، محفوظ، البرادعي والكثيرين غيرهم ممن نعرف ومن لا نعرف، لكن نوعية المسئولين في هذا البلد متمسكة بتصميم علي تطبيق المثل الشعبي القائل «باب النجار مخلع» وهو ما يصفه أحيانا مفيد فوزي بحزب أعداء النجاح. أتذكر منذ عشرين عاما أن الرئيس مبارك كان قد طلب إنتاج سيارة مصرية، وقتها انهال الطبل والزمر، لأن تعليمات الرئيس أوامر وطبعا لم يحدث شيء. واليوم يأتينا المصري ناصر غازي باختراع كان يمكنه أن ينقل مصر نقلة جيدة للأمام، سيارة مصرية، عملية مبتكرة، تناسب حال الشارع المصري المكدس باستمرار، هي تحتل مرتبة متقدمة جدا باعتبارها من أرخص سيارات العالم إذ لا تتجاوز قيمتها مبلغ الخمسة والعشرين ألف جنيه. دار الرجل باختراعه علي كل الجهات الرسمية المصرية كالعادة ولكن هذا البلد وفي هذا الزمن الذي لم يعد لمصر فيه صاحب لديه بقية من غيرة علي مصر علي ما يبدو، إلي أن اضطر ناصر للبحث عن جهة أجنبية تتبني اختراعه يأسا من الأبواب المصرية محكمة الغلق. من الآخر رأت السيارة النور وتم إنتاجها وظهرت إلي العالم باسم «نانو إيجيبت» بعد أن صمم الرجل علي نسبة سيارته لمصر بأي شكل وبأية طريقة ولو اسما رغم تصميم المسئولين علي العكس وكأنه عار. وها هي تلك السيارة نانو إيجيبت تسير اليوم في شوارع عدة دول من بينها مصر ذاتها بعد أن بدأ تصديرها وبعد أن عبر الرجل عن أسفه للعملة الصعبة التي ضاعت عليها. إن الدولة التي تبنت ناصر غازي لم تكن هي مصر ولكنها الصين لتصبح نانو إيجيبت سيارة صينية لا مصرية. يقول الرجل العبقري المصري إنه لا يزال في جعبته الكثير والكثير من الأفكار التي يريد لها أن تنطلق في هذه الأرض ولا يزال لدي أمل كمصرية أن تجذب مصر عقولها إليها لا أن تطردها منها، و مابين الجذب والطرد فجوة عظيمة هي وبكل بساطة الفساد الذي يتلف كل شيء ويهدم بانتظام كل أمل في غد أفضل لهذا البلد، الفساد ليس هو السرقة وحدها لكنه أيضا الإهمال والتكاسل والامتناع عن أداء الواجب، وأنا لا أريد لبلدي أن تعطي عقولها للعالم وتبقي وحدها في آخر النهار بلا عقل...