الحرب الأخيرة بين حزب الله وإسرائيل لفتت الأنظار بشدة إلي دور الصواريخ في الحرب الحديثة، وعلي وجه الخصوص استخدام الجماعات العسكرية غير الحكومية - مثل حزب الله - للصواريخ بهذه الدرجة من الكثافة وهو ما لم يحدث من قبل بواسطة هذه الجماعات. والمعتاد أن تلك الجماعات كانت لها أسلحتها المشهورة خفيفة الوزن مثل المدافع الرشاشة، والقنابل اليدوية، وأحيانا مدافع الهاون والألغام الأرضية أما استخدامها للصواريخ كسلاح رئيسي فقد بدأ علي مستوي محدود في أفغانستان ضد الاحتلال السوفييتي، ثم انتقل إلي حزب الله في الجنوب اللبناني، وحركة حماس والجهاد وفتح في فلسطين. ولقد دُهش الناس من الاستخدام المفتوح للصواريخ في هذه الحرب بهذه الدرجة من الكثافة، وقدرة هذا السلاح - إن لم يقتل بشكل واسع _ أن يهجر أعدادا كبيرة من السكان، فضلا عن وصوله إلي مسافات بعيدة في زمن قصير، محققا بذلك قدرا هائل من المباغتة والرعب. تتميز منطقة الشرق بأنها من أكثر الأماكن استخدما للصواريخ في صراعاتها العسكرية، وربما كانت البداية في الحرب العراقية-الإيرانية فيما عرف وقتها بحرب المدن _ بين بغداد وطهران _ حيث تعرضت المدينتان لوابل متبادل من الصواريخ بعيدة المدي والتي وصل مدي بعضها إلي 700 كيلومتر حاملة لرؤوس حربية تقليدية يقترب وزنها من 1000 كيلوجرام. كما استخدم الأمريكان أيضا صواريخ كروز في حربهم ضد العراق بعد غزو صدام للكويت وأطلقوها من قطع بحرية في الخليج والبحرين الأبيض والأحمر ومن الغواصات. واستخدم صدام الصواريخ في هذه الحرب أيضا ضد السعودية وإسرائيل. وتكرر ذلك مرة أخري في الحرب الأمريكية علي العراق في مارس 2003. وبسبب تهديد الصواريخ المتكرر في أكثر من حرب، دخلت النظم الدفاعية المضادة للصواريخ الشرق الأوسط في شكل مجموعات نظم كان من أهمها الباتريوت الأمريكية والأرو الإسرائيلي. ماذا تعني الصواريخ بالنسبة للحرب؟ وما الجديد الذي تقدمه؟ وما هي عناصرها الفنية والتكتيكية؟ تعني الصواريخ ببساطة تحقيق تقدم هائل في مسافة وزمن التأثير أثناء العملية الحربية. أي أنه بواسطة الصواريخ يمكن إحداث الأثر المطلوب ضد العدو من مسافة بعيدة وفي زمن قصير مقارنة بالأسلحة الأخري. لذلك كان اختراع السهام والرماح نقلة نوعية في الحرب بعد أن ساد القتال المتلاحم بالأيدي والسيوف لحقب طويلة. وحتي عندما تم اختراع الطائرات والدبابات، ظل من الضروري أن تري العدو حتي يمكنك الاشتباك معه والقضاء عليه، حتي جاءت الصواريخ فجعلت الضارب علي مسافة آمنة من الهدف، ولم يعد ضروريا _ خاصة مع الصواريخ الموجهة _ أن يري الضارب الهدف بأم عينيه ليتمكن من إصابته. ولقد كانت هناك بالفعل علي مدي التاريخ محاولات متكررة لتحقيق هذا الأمل من أبرزها "مدفع باريس" الألماني العملاق الذي تم بناؤه خلال الحرب العالمية الأولي لكي تصل طلقاته إلي حوالي 100 كيلومتر. وكان الهدف ضرب باريس من الأرض الألمانية، لكن المشكلة أن المدفع كان ضخما للغاية، صعب التشغيل، وأن الضارب لم يكن يعرف بالضبط في أي مكان تسقط الطلقة وبالتالي لم يكن هناك طريقة لتصحيح الضرب إلا من خلال سلسلة طويلة من الجواسيس تقوم بالرصد وإبلاغ النتيجة. وهو ما قد يقوم به حزب الله في الوقت الحالي في غيبة امتلاكه لطائرات استطلاع أو وسائل رصد حديثة. وكما شاهدنا نجحت إسرائيل في تصوير الصواريخ في لحظة انطلاقها بواسطة الأقمار الصناعية أو طائرات الاستطلاع بدون طيار، وهو ما وفر لها فترة إنذار قصيرة للغاية لم تكن في معظم الحالات كافية لتجنب الإصابة. لم تكن الصواريخ بالتأكيد من نجوم الحرب العالمية الأولي أو الثانية، فقد قامت الحربان علي مفهوم "التأثير القريب" المباشر باستخدام الدبابة والطائرة والسفينة الحربية؛ حيث الطيار في الطائرة، والجندي في الدبابة، ورجل البحرية في السفينة علي مقربة من عدوه، حيث ينال منه من مكان قريب لغيبة وسائل التأثير البعيد مثل الصواريخ. لكن شاهدت الحرب العالمية الثانية قُرب نهايتها بقليل نجوم حروب المستقبل، فكما فكر الألمان في "مدفع باريس" خلال الحرب العالمية الأولي، فكروا ثانية في تطوير الصواريخ بعيدة المدي لضرب الحلفاء في بريطانيا وأيضا داخل القارة الأوروبية. ويعتبر الصاروخ الألماني V-2 أبو الصواريخ الحديثة، ويقترب الصاروخ سكود الروسي في تصميمه من الصاروخ الألماني V-2 ,وكذلك كل الصواريخ المماثلة. وقد ضرب الألمان لندن والجزيرة الإنجليزية بحوالي 3200 صاروخا، لكن تأثيرها في النهاية برغم ما أنتجته من دمار لم يعادل التفوق البريطاني في الحرب البرية والجوية. يتكون الصاروخ من ثلاثة أجزاء رئيسية: المحرك الصاروخي، والهيكل، والرأس الحربية. ويعتبر المحرك قلب المنظومة، فبدون "المحرك الصاروخي" لا يمكن أن نسمي ذلك الجسم الطائر "صاروخا". وسر المحرك الصاروخي هو نوع الوقود المستخدم فيه وينقسم إلي نوعين: النوع الأول "وقود صلب" ويأخذ أشكالا عدة تحترق بسرعة كبيرة داخل المحرك منتجة كمية هائلة من الطاقة والغازات الملتهبة ذات الضغط العالي والتي تتمدد خارجه بسرعة هائلة من فوهته فينتج عنها قوة دفع أمامية. صاروخ الكاتيوشا مثلا المستخدم بكثرة بواسطة حزب الله يحترق وقوده كله في أقل من ثانية واحدة، وخلال هذه الفترة القصيرة جدا يصل الصاروخ إلي سرعته القصوي (حوالي 600 متر/ثانية) ويتحرك بعدها بالاندفاع الذاتي المكتسب من فترة تشغيل المحرك ليصل في النهاية إلي الهدف علي مسافة 20 كم. ولا يعتمد الوقود الصاروخي علي الهواء الخارجي، فمن بين مكوناته الأكسوجين اللازم للاحتراق. وإنتاج الوقود الصلب خاصة في الصواريخ الكبيرة ليس بالأمر السهل ويحتاج إلي خبرة تكنولوجية طويلة. وهناك نوع آخر من الوقود يكون فيها سائلا كالمستخدم في الصاروخ سكود، حيث يتكون وقوده من سائلين حينما يلتقيا داخل المحرك يشتعلان وينتج عنهما طاقة هائلة وقوة دفع تصل بالصاروخ إلي سرعة كبيرة في ثوان معدودة يمكنه بها ضرب هدف علي مسافة 300 كم تقريبا. وتبدوا العملية من الخارج سهلة لكنها معقدة للغاية، والسبب يكمن في الزمن القصير الذي تحدث فيه متغيرات كثيرة داخل المحرك الصاروخي تتطلب قدرة عالية علي التحكم وإلا انفجر المحرك وهو ما يحدث أحيانا. وأكبر محرك وقود صلب تم إنتاجه حتي الآن هو ذلك المحرك المثبت اثنين منه علي بطن مكوك الفضاء الأمريكي، وبفضل هذين المحركين، يتمكن المكوك من اكتساب السرعة اللازمة للتغلب علي الجاذبية الأرضية والدوران حول الأرض في دقائق معدودة. وبعد أن يتم احتراق وقود هذين المحركين يتم التخلص منهما ويسقطان في البحر. وقد انفجر أحدهما في إحدي الرحلات، وقتل سبعة رواد من بينهم مدرسة أطفال كانت علي متن المكوك. الجزء الثاني في الصاروخ هو الهيكل ويضم كل الأجزاء معا بما في ذلك المحرك والرأس الحربية. ونتيجة للسرعة الكبيرة لابد وأن يتحمل الهيكل ضغوط الهواء الخارجية وأن يضمن اتزان الصاروخ في الوضع الصحيح وإلا فقد اتزانه وترك مساره الحقيقي الموصل إلي الهدف وسقط بالقرب من مكان الإطلاق. الأجسام التي تتحرك بسرعة كبيرة في الهواء تسخن بشدة من الخارج، وإذا لم يتم حمايتها من هذه الحرارة يمكن أن تتحطم. وقد يحتوي الهيكل علي أجهزة توجيه كما في الصاروخ سكود وغيره من الصواريخ التي يتعدي مداها مائة كيلومتر. فكلما زاد مدي الصاروخ انخفضت دقته في إصابة الهدف بسبب ما يتعرض له خلال رحلته الطويلة من مؤثرات داخلية وخارجية تتراكم وتؤدي في النهاية - إذا لم يتم تصحيحها- إلي وصول الصاروخ بعيدا عن الهدف. والصواريخ التي يستخدمها حزب الله حتي الآن غير موجهة _ ما عدا الصاروخ الذي ضرب القطعة البحرية الإسرائيلية _ لذلك يعول حزب الله علي ضرب المدن بشكل عام حيث يجد الصاروخ عادة هدفا ما يصطدم به. لكن العملية مع ذلك ليست مثل "فرح العمدة"، فمن الواضح أن رجال حزب الله علي معرفة جيدة بكيفية التعامل مع الصواريخ غير الموجهة من حيث تحديد إحداثيات الهدف وإحداثيات مكان الضرب، وسرعة الرياح، ويمتلكون وسيلة ما لمعرفة مكان وصول كل صاروخ لتصحيح الضربة التالية، والدليل علي ذلك أنهم قد نجحوا في إصابة أهداف محددة مثل محطة قطارات في حيفا وبعض المناطق العسكرية. وتحاول إسرائيل بكل وسيلة منع حزب الله من معرفة نتائج الضرب الصاروخي بالتضييق علي الصحافة ووسائل الإعلام. أما الرأس الحربية فوظيفتها إحداث التأثير المطلوب عند الهدف. وحتي الآن تحمل صواريخ حزب الله رؤوسا تقليدية محملة بشحنة مواد متفجرة يختلف وزنها من صاروخ إلي صاروخ، وتؤدي إلي تدمير المنشئات، وإنتاج الشظايا، بالإضافة إلي تأثيراتها الحرارية الناتجة عن الانفجار مما قد يشعل الحرائق في الهدف خاصة إذا كان يضم مخزونا من مواد قابلة للاشتعال. ومن المتوقع أن تكون في حوزة ترسانة حزب الله الصاروخية صواريخ يصل مداها من 13 كيلومتر إلي 260 كيلومتر طبقا لنوع الصاروخ وأعداده المتاحة والمتوفرة علي الأرجح من خلال إيران.