اهتمام الولاياتالمتحدةالأمريكية وسعيها لنشر نظم دفاع ضد الصواريخ في الشرق الأوسط, يذكرني بالفيلم السينمائي الأمريكي' الساموراي الأخير', بطولة توم كروز, والذي عرض لأول مرة في.2003 وتدور أحداثه حول تحديث اليابان مع نهاية القرن التاسع عشر, وبالتحديد في مجال التسليح العسكري, حيث زار اليابان في تلك الفترة بعثات فرنسية وهولندية وأمريكية, كان لها دور محوري في تحويل الجيش الياباني من طبقة المحاربين' الساموراي' المسلحين بالسيوف والسهام والرماح, إلي نظام الجيوش التقليدية من عامة الشعب واستخدامها للأسلحة النارية الحديثة, في صورة بنادق ومدافع, وسفن قتال بحرية, تسير بماكينات بخارية, بدلا من الشراع وطاقة الرياح. وأفضل ما في الفيلم, ما قدمه علي الشاشة من روعة ما وصلت إليه فنون القتال في ذلك الوقت, من دقة وتنسيق, وسرعة ومهارة متناهية في التعامل مع السيوف والسهام, حتي بدت المعارك علي الشاشة كأنها عروض راقصة وليست عمليات حربية. وعندما جاء الغربيون بالأسلحة النارية, نظر إليها محاربو الساموراي برفض وتأفف, باعتبارها لا تمنح' شرفا' للمقاتل الحقيقي; فلم يكن مقنعا لهم أن يحمل جندي بدائي بندقية يقتل بها خصمه من مسافة بعيدة بمجرد ضغطة علي زناد, وبدون كر ولا فر ولا تمويه, ولا تدريب مضن من الصباح إلي المساء. وقضية التحديث في مجال التسليح العسكري والانتقال من عصر إلي عصر جديد, عادة ما تمر بقصة نمطية تتردد فيها حكمة شائعة عن وجود' زمن جميل' في الماضي يجب أن نمسك بتلابيبه, لكن التطور الحتمي يفرض نفسه في نهاية الأمر, فيختفي القديم وينزوي مهما كان جميلا كما حدث لمحاربي الساموراي في اليابان, ويأخذ مكانه إنجازات جديدة للفكر والعلم. الصواريخ في صورها البدائية كانت معروفة منذ قرون, وقبل اختراع الديناميت والمواد المتفجرة لم يكن لها أهمية, وكانت تفتقد إلي دقة الوصول إلي الهدف مقارنة بسهام محاربي الساموراي المذهلة. والبداية الحقيقية لها جاءت مع الصاروخ الألمانيV-2 الذي استخدم ضد بريطانيا قرب نهاية الحرب العالمية الثانية. وحقيقة الأمر أن الحرب قد انتهت, وقد أضافت في أسابيعها الأخيرة عنصرين مهمين إلي الترسانة العسكرية: الصواريخ الباليستية, والقنبلة الذرية. الصواريخ الباليستية ضاعفت المدي إلي أكثر من عشر مرات مقارنة بمدي المدفعية التقليدية, وتقدمت بعد ذلك مع الوقت ومع تطور الوقود الصاروخي والمحركات الصاروخية لتصبح عابرة للقارات, وتقهر الجاذبية الأرضية إلي الفضاء الخارجي. أما القنبلة الذرية فقد ضاعفت القوة التدميرية عند الهدف إلي آلاف وملايين المرات مقارنة بذخيرة المدافع التقليدية. ومع تزاوج الصواريخ والقنابل الذرية بعد أن كانت القنابل تحملها الطائرات كما حدث في حالتي هيروشيما ونجازاكي اليابانيتين- أصبح التحدي مركبا وصعبا بل يستحيل التعامل معه. فالصواريخ مقارنة بالطائرات صغيرة الحجم, وسرعتها تفوقها بمئات وآلاف المرات, كما أن تكلفتها أقل بكثير, فلا يوجد داخلها عنصر بشري يجب أخذه في الاعتبار. ومن هنا بدأ التفكير في ضرورة التحول من الدفاع ضد الطائرات( الدفاع الجوي), إلي الدفاع ضد الصواريخ,( الدفاع الصاروخي). ولم يكن الأمر سهلا, كما أن تكنولوجيا السبعينات والثمانينات لم تكن كافية للخروج بنفس مستوي النتائج التي تحققت في حالة اعتراض الطائرات. ومما أدي إلي مزيد من التأخير في مجال الدفاع الصاروخي أن الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفييتي قد اتفقا خلال سنوات الحرب الباردة علي حظر امتلاك ونشر نظم دفاعية ضد الصواريخ حتي يضمن كل طرف أن الآخر لن يقف وراء حائط صاروخي وينقض من خلفه علي غريمه. دخلت الصواريخ الباليستية بعيدة المدي إلي الشرق الأوسط مع بداية ستينات القرن الماضي, إما بجهود ذاتية, أو بدعم تكنولوجي من الخارج, أو بإمداد مباشر من الدول العظمي إلي دول المنطقة. وبالإضافة إلي الصواريخ الباليستية التي يتعدي مداها أكثر من150 كيلومترا, انتشرت أيضا في المنطقة صواريخ ميدانية( صواريخ مدفعية) أرض-أرض يتغير مداها من10 كيلومترات تقريبا إلي100 كيلومتر, وهي تقوم بنفس دور المدفعية التقليدية لكن علي مستوي أوسع في المدي وحجم النيران. وبرغم أنها ليست موجهة, إلا أنها تغطي الميدان بقوة نيران هائلة في وقت قصير. وهذه النوعية من الصواريخ استخدمت بصور مختلفة علي الجبهة اللبنانية-الإسرائيلية, وبين غزة وإسرائيل. واستخدمت بغزارة في حرب1973 من الجانب المصري أثناء عملية العبور وفتح الثغرات والتقدم داخل سيناء. الإنجاز الكبير الذي تحقق بالفعل كان علي مستوي الدفاع الجوي' ضد الطائرات'' باستخدام الصواريخ الموجهة'. وكان لمصر دور رائد في هذا المجال, فعلي مدي6 سنوات من1967 حتي1973 صار لمصر قيادة خاصة للدفاع الجوي مثل باقي الأسلحة الأخري, وفي تلك الفترة القصيرة أصبح لمصر مظلة دفاعية صاروخية متعددة الطبقات يمكنها اعتراض أية اختراقات لطائرات معادية والإنذار بها قبل أن تصل إلي أهدافها. ولقد أسهم ذلك في دخول مصر مبكرا إلي تلك المنظومات العسكرية الإلكترونية المركبة المعتمدة علي نظم الرادارات الحديثة والإنذار المبكر ورد الفعل السريع, الأمر الذي مهد لها في المستقبل إذا أرادت دخول' مجال الصواريخ المضادة للصواريخ' بكل تعقيداته المختلفة والجدل الذي يدور حوله عن مدي فاعليته. لقد دخلت نظم الدفاع ضد الصواريخ إلي الشرق الأوسط مع حرب الخليج1991 عندما قامت الولاياتالمتحدة بنشر أول نظام لاعتراض الصواريخ الباليستية تحت اسم' باتريوت باك-2' يفترض أن بمقدوره اعتراض الصواريخ المهاجمة حتي مسافة15 كيلومترا من نقطة الإطلاق. وقد تم تطوير هذا النظام إلي' باتريوت باك-3' حيث الصاروخ أقل حجما وأحسن دقة في البحث عن الهدف والوصول إليه. وقبل حرب الخليج1991 لم يكن هناك ما يثبت عمليا القدرة علي اعتراض صاروخ في معركة حربية حقيقية, وكان الاستخدام الأول للباتريوت في18 يناير1991 من قاعدة في السعودية, وبسبب عطل ما في كومبيوتر النظام, انطلق الصاروخ بدون أن يعترض صاروخا مهاجما لأن المملكة العربية السعودية لم تتعرض في ذلك اليوم لهجوم صاروخي كما تبين بعد ذلك. وخلال فترة الحرب كلها قام الباتروت باعتراض40 صاروخا, لكن مدي النجاح في اعتراض هذه الصواريخ لم يتحدد بدقة حتي الآن. وعلي سبيل المثال لم ينجح النظام باتريوت في اعتراض الصاروخ الباليستي القادم من العراق في25 فبراير1991, والذي تسبب في مقتل28 جنديا أمريكيا في قاعدة الظهران. وقد تم نشر نظام الباتريوت أيضا داخل إسرائيل, وتشير بعض التقارير إلي أن نسبة اعتراض الصواريخ المهاجمة كانت بين50% و70% في كل من المملكة العربية السعودية وإسرائيل علي التوالي. الدولة الوحيدة التي اهتمت بتطوير نظام صاروخي لها مضاد للصواريخ كانت إسرائيل. وبدعم تكنولوجي ومادي كامل طورت إسرائيل نظام' الأرو' لاعتراض صواريخ سكود الباليستية علي ارتفاع قد يصل إلي حوالي90 كيلومترا. وخلال هذه الفترة تم تطويره إلي أرو-2, وفي سبيله الآن وبدعم أمريكي سوف يتم تحديثه مرة أخري إلي أرو-.3 والتطوير في هذا المجال يتركز علي دقة اكتشاف الهدف, والتعرف عليه في وقت قصير. ولاشك أن ثورة المعلومات نستشعرها جميعا في كل المجالات, وفي قفزات زمنية قصيرة, وما كان صعبا من قبل, أصبح الآن في متناول اليد, ويفترض في ضوء هذه الحقيقة أن أرو-3 سيكون أفضل بكثير من أرو-.2 ووسط الظروف التي تمر بها الولاياتالمتحدة حاليا تحاول إقامة نظام جماعي مضاد للصواريخ في الشرق الأوسط. والسبب أن النظام' الجماعي' سيكون أقل في التكلفة من أن تمتلك كل دولة نظامها الخاص, كما أن قدرته علي الاعتراض ستكون أكبر بكثير. فنظم الإنذار المبكر, والقيادة والسيطرة, وكذلك مواقع الصواريخ, يمكنها التعامل مع الأهداف بصورة أسرع وأكفأ في حالة النظام الجماعي. ولا شك أن هناك حساسيات وطنية للدول العربية قد تبطئ التعاون المباشر مع الولاياتالمتحدة خوفا من نقل معلومات حساسة إلي دول أخري مثل إسرائيل. وعلي المستوي العملي قامت الولاياتالمتحدة مؤخرا بنشر وحدة رادار إكس باند عملاقة في إسرائيل للإنذار المبكر, وتنوي نشر وحدة مماثلة في إحدي دول الخليج. ويتبقي بعد ذلك التعامل مع الصواريخ الهجومية قصيرة المدي والتي تمثل تهديدا للجيران عبر الحدود, كما هو الحال بين إسرائيل ولبنان, وإسرائيل وغزة. ولقد أعلنت إسرائيل مؤخرا أن نظام' القبة الحديدية' تحت التطوير المضاد للصواريخ قصيرة المدي قد تم اختباره. وهناك شكوك أن هذا النظام سوف يكون قادرا علي مواجهة حرب صاروخية كثيفة, لكن تكنولوجيا المستقبل ستكون قادرة كما هي العادة منذ عصر الساموراي علي تحسين الأفكار والنتائج, والانتقال من عصر إلي عصر آخر جديد.