أعلنت الدول الخليجية في قمتها الأخيرة بدولة قطر عن رغبتها في السعي الي امتلاك تكنولوجيا نووية سلمية، في ظل التوجه العربي الي امتلاك تكنولوجيا نووية، وخلال الأشهر الأخيرة بدأت دولة الإمارات العربية بداية مشروعها لامتلاك تكنولوجيا نووية في الوقت الذي تصاعد فيه الحديث عن نضوب مصادر الطاقة التقليدية (النفط والغاز الطبيعي) بالدول الخليجية. ويثير هذا التوجه الخليجي والعربي العديد من التساؤلات والمخاوف من قبل العديد من المسئولين والمعنيين بشئون السياسة في واشنطن والعديد من بلدان الشرق الأوسط. خاصة في ظل ترقب ظهور قوة إيرانية نووية. وما يطرحه ذلك من مخاوف مرتقبة. وفي إطار تعدد الكتابات والدراسات عن قضية الأسلحة والتكنولوجيا النووية بمنطقة الشرق الأوسط، ومدي تأثير ذلك علي المصالح الأمريكية بالمنطقة ومصالح حلفائها، يعرض تقرير واشنطن دراسة للكاتب توماس ليبمان Thomas W. Lippman بعنوان "الأسلحة النووية والإستراتيجية السعودية Nuclear Weapons and Saudi Strategy". والذي يسعي الي البحث عن إجابة لتساؤل رئيسي مفاده: هل تسعي المملكة العربية السعودية لامتلاك أسلحة نووية؟، علي الرغم من أن المملكة قد وقعت علي معاهدة منع الانتشار النووي Non-Proliferation Treaty في عام 1988 تحت الضغوط المكثفة من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية، للضغط علي إسرائيل للتوقيع علي المعاهدة. وقد نُشرت الدراسة علي موقع معهد الشرق الأوسطThe Middle East Institute، والذي يعني بتعزيز معرفة واشنطن بمنطقة الشرق الأوسط، وتعزيز فهم شعب وحكومات المنطقة للولايات المتحدةالأمريكية. مخاوف الأمن القومي السعودي بدايةً تؤكد الدراسة أن وجود دول في منطقة الخليج مثل العراق (المعادية تاريخيا للملكية) وإيران (الثورية) الساعية لامتلاك الصواريخ الباليستية، إلي جانب امتلاك كل من مصر وسوريا واليمن، وبالطبع إسرائيل صواريخ أرض- أرض surface-to- surface missiles، أثار مخاوف السعودية من التطويق، كونها ليس لديها إمكانيات مماثلة. وفي ظل هذا الزَخْم من المخاوف، سعت المملكة العربية السعودية لعقد صفقة صواريخ باليستية مع الصين. ولم تكن الصين وقتها تخضع لأي قيود لعقد مثل هذه الصفقات مع السعودية. وفي هذا الصدد تٌشير الدراسة إلي الرؤية السعودية للملكة علي أن الصين دولة شيوعية، لكن ليس لديها سجل غزو مسلح لبلد مسلم، علي عكس الحال مع الاتحاد السوفيتي، وهو ما سهل من عقد الصفقة بين الجانبين الصيني والسعودي، والتي تضمنت حوالي 36 صاروخ باليستي متوسط المدي CSS 2 intermediate range ballistic missiles، لكن بعض المصادر تٌقدر الصفقة بأكثر من 60 صاروخا باليستيا. وتزن هذه الصواريخ حوالي 70 طنا، ويصل مداها إلي حوالي 1900 ميل. وقد تركزت هذه الصواريخ في مناطق نائية في المملكة السعودية، وقام علي صيانتها طاقم من الصينيين. الرؤية الأمريكية والإسرائيلية لصفقة الصواريخ الصينية رغم مرور وقت طويل علي الشراكة الاستراتيجية بين الولاياتالمتحدةالأمريكية والمملكة العربية السعودية، إلا أن المملكة قد تعرضت لرد فعل قاس من جانب إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان Ronald Regan، وذلك عندما علمت بصورة عارضة بصفقة الصواريخ الصينية التي قامت بها السعودية. خاصة بعد رفض المملكة السماح للموظفين الأمريكيين بتفتيش هذه الصواريخ. في نفس الوقت تعرضت السعودية لرد فعل عدائي من جانب الكونجرس تجاه جهودها المبكرة الهادفة لكسب الموافقة علي عروض بيع الصواريخ الباليستية، فقد عارضت الأغلبية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري بمجلس الكونجرس (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) عروض لبيع جهاز دعم أرضي لنظام إنذار وتحكم Airborne Warning and Control System(AWACS) لطائرات أمريكية باعتها للسعودية في 1981. كما أجلت الإدارة الإعلان الرسمي للكونجرس بشأن عروض بيع جديدة بتكلفة 450 مليون دولار للجهاز العسكري. وفي هذا السياق سافر وزير الخارجية الأمريكي جورج ب. شولتز George P. Shultz للرياض. وقد عمل علي البحث عن تهدئة العداء تجاه السعودية- ملوحاً - بضرورة موافقة السعودية علي معاهدة منع الانتشار النووي. الأمر الذي أقر حقيقة عدم وجود أمل في شراء صواريخ متوسطة المدي من الولاياتالمتحدةالأمريكية الشريك العسكري المفضل للسعودية. وتري الدراسة أن صفقة الصواريخ الصينية تُثير تهديدات عديدة من المنظور الأمريكي. جزءاً منها يتعلق بإسرائيل وذلك كون هذه الصواريخ يمكنها الوصول لإسرائيل. فضلاً عن أنه من شأنها الدفع لسباق تسلح الصواريخ في الشرق الأوسط. إلي جانب أن واشنطن لم تكن تتوقع من الرياض أن تقوم باتخاذ قرارات مستقلة في مثل هذه الأمور. الأمر الأكثر إزعاجاً حسبما تشير الدراسة، أن صواريخ CSS 2 يمكنها أن تحمل رءوس نووية. فبسبب عدم دقة صواريخ CSS 2 ، لا تستخدم كثيراً في ضرب أهداف محددة. مما يعني أن قيمتها العسكرية ترتبط فقط بكونها نظام توزيع للرءوس النووية، والكيميائية، أو البيولوجية، حيث تكون الأهداف المحددة أقل أهمية منها بالنسبة للأسلحة التقليدية. وبالتالي رأت واشنطن وصول مثل هذه الصواريخ للسعودية إشارة بأن السعودية ربما تسعي سراً للحصول علي الأسلحة النووية، أو ربما حتي التخطيط للسماح للدول العربية الأخري باستخدامها للهجوم علي إسرائيل. الأمر الذي يثير الخوف من أطلقت عليه الدراسة "القنبلة الإسلامية Islamic Bomb". وعلي الصعيد الإسرائيلي، لوحت تل أبيب بالهجوم علي هذه الصواريخ، فإسرائيل حريصة علي عدم توافر فرصة لدول المنطقة بامتلاك تكنولوجيا عسكرية قد تهدد توازن القوي الذي هو في صالحها دون أي إمكانية، فتل أبيب لا تريد دول عربية مسلحة نووية، ولذا ضربت إسرائيل في ثمانيات القرن المنصرم (عام 1981) المفاعل النووي العراقي أوزيراك Osirak. الأمر أثار اهتمام مساعي الدبلوماسيين الأمريكيين، لإتباع أجندة سياسية معقدة. وذلك لإقناع الإسرائيليين بعدم شن مثل هذا الهجوم. وفي نفس الوقت توضيح استيائهم من السعودية. لكن دون الإساءة للعلاقات الاستراتيجية والتجارية بين البلدين، مع إقناع الكونجرس بعدم قطع مبيعات الأسلحة للسعوديين. السياسة الخارجية السعودية تجاه قضايا التسلح النووي ترتبط السعودية بالولاياتالمتحدة منذ أكثر من خمسين سنة. ورغم ذلك شاب هذه العلاقات الكثير من أحداث التوتر. فبالإضافة إلي صواريخ CSS 2، كان التحقيق في تفجير أبراج الخبر عام 1996. كذلك كانت زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان لمنشآت حربية في باكستان ومراكز الأسلحة النووية في كاهوتا Kahuta عام 1999، والتي لم يتم الكشف عن تفاصيلها، مما جعل هناك قبولا لفكرة أن السعودية لديها طموح في امتلاك علي الأقل قدرات نووية صغيرة كرادع للعدوان. أيضاً كان هناك رد الفعل الداخلي لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية 2001. ورغم ذلك تؤكد الدراسة أن السعوديين لا يريدون إثارة خلافات مع واشنطن. بل علي العكس، فبعد حوالي عقدين ، يلاحظ تقارب سياسات الرياضوواشنطن بشأن حظر الانتشار النووي في الشرق الأوسط. وأشارت الدراسة أنه في 31 يوليو 2007 أصدرت دول مجلس التعاون الخليجي، بما فيهم السعودية بجانب الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصر والأردن، بيان رسمي يشير إلي إدراك هذه الدول لتهديدات أسلحة الدمار الشامل للأمن الإقليمي والعالمي. وتتمني فيه تجنب سباق التسلح النووي في المنطقة. إلي جانب التأكيد علي أهمية تحقيق عالمية معاهدة منع الانتشار النووي، وخلق منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط. معهد أبحاث الطاقة الذرية بالرياض أنشئت السعودية معهد أبحاث الطاقة الذرية خارج الرياض في عام 1988. وقد أعلنت أن الهدف من ذلك هو : "دعم استخدام العلوم النووية والتكنولوجيا في الخطط الاقتصادية، الصناعية، والزراعية للمملكة". ورغم أنه قد تم نشر القليل عن هذا المعهد في الصحف الرئيسية إلا إنه ليس بالأمر السري. فمشروعات الأبحاث وأسماء وأرقام تليفونات العلماء منشورة علي الموقع الالكتروني لمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتكنولوجيا. ويشير الكاتب أنه قد زار هذا المعهد أواخر ربيع 2004 وتقابل مع بعض العلماء، الذين أجابوا علي كل أسئلته بشأن عملهم والتي تعلقت بالمسهلات النووية، والمواد النووية، وليس الأسلحة، بالرغم أن بعض المعلومات لها علاقة ببرامج الأسلحة. سيناريوهات مستقبلية في دراسته بعنوان " القوات العسكرية الخليجية في فترة الحرب اللامتماثلة : السعودية The Gulf Military Forces in an Era of Asymmetric War: Saudi Arabia" أشارا أنتوني كوردسمانAnthony H. Cordesman وخالد الروحان Khalid R. Al- Rodhan إلي أن السعودية ليس لديها قدرات تٌمكنها من إنتاج صواريخ باليستية طويلة المدي أو أسلحة دمار شامل. وتأسيساً علي ذلك، فالخَيارات المتاحة أمام المملكة تدور حول الحصول علي الأسلحة سراً كما حدث مع الصواريخ الصينية. غير أن ذلك لن يكون له قيمة من حيث الممارسة لأن بذلك سيفقد السلاح النووي قيمته كقوة ردع إذا لم يكن معلوما بوجوده. وفي هذا السياق يري الخبراء العسكريون أن هناك احتمالا نظريا بأن تحصل السعودية علي الصواريخ، وتقوم بتحديثها، وتعديلها برءوس نووية من الصين أو باكستان، أو ربما خلال سنوات قليلة من كوريا الشمالية. غير أن مثل هذا البرنامج النووي يمكن أن يضع السعودية في دائرة الخارجين علي القانون النووي العالمي مثل كوريا الشمالية وإيران. خاصة إذا ما أخذ في الاعتبار رد فعل واشنطن تجاه تجربة باكستان النووية في 1998 وإدراك السعودية لما يفرضه القانون الأمريكي من عقوبات اقتصادية وعسكرية ضد من يسيرون علي هذا النهج. فباكستان والهند لديهما أصدقاء في الكونجرس، متأهبون لمساعدتهم للخروج من شبكة العقوبات الجبرية، وهو ما لا تتمتع به السعودية. ولو غضب الكونجرس سيعمل علي عرقلة شراء السعودية لأي معدات عسكرية في المستقبل. وقد تواجه السعودية أيضاً مشكلات سياسية واقتصادية خطيرة خاصة بملايين الدولارات المستثمرة في الولاياتالمتحدةالأمريكية (تجميد أرصدة). إلي جانب وجود تهديد من جانب إسرائيل بشن ضربة استباقية Pre-emptive Strike. وبافتراض أن السعودية بحثت عن الحصول علي الأسلحة النووية رغم كل النتائج السلبية المحتملة مع العلم بأن الظروف الحالية قد تؤكد أنه لن يكون هناك تعاون مع الصين بسبب حرصها علي علاقاتها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية. فالصين قد تواجه احتمال فسخ اتفاقياتها النووية مع واشنطن والتي سعت جاهدة لتأمينها. بالإضافة إلي إمكانية فرض عقوبات اقتصادية عليها. وبالنظر إلي كوريا الشمالية، فهذا السيناريو قد يؤدي إلي توتر العلاقات السعودية مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وأوروبا، واليابان. ويصعب تخيل أن تقوم الرياض باتخاذ مثل هذه الخطوة بغض النظر عن التهديدات. أما بالنسبة لباكستان فرغم وجود علاقات ودية بين البلدين غير أنه لا يوجد اتفاقيات دفاع مشترك رسمية بينهما. وقد يرجع ذلك لتخوف السعودية من التورط في صراع كشمير. ويعتمد هذا السيناريو علي أساس أن باكستان لديها خبرة عسكرية، وقوة بشرية مدربة، وقوات ذات خبرة ممارسة غير أنها لا تملك المال. في حين أن السعودية ليس لديها مؤهلات حربية وصناعية لكن لديها أموالا كثيرة. وكثيراً ما تردد حول أن السعودية هي المٌمول الحقيقي للبرنامج النووي الباكستاني. ومع ذلك قد يستبعد هذا السيناريو في الظروف الحالية، في ظل ما تٌعانيه باكستان من احتمالات حدوث انقلابات سياسية في الداخل مما يجعل هناك صعوبة علي أي شخص بما فيهم الرئيس الجنرال بيرفيز مشرف Pervez Musharraf أن يكون متأهب أو لديه قدرة علي عقد مثل هذه الصفقات. سيناريو آخر طرحته دراسة كوردسمان و الروحان يتحدث عن دمج إمكانيات القوات السعودية مع أنظمة الطلعات الجوية الحديثة مثل صواريخ كروز Cruise missiles، والتي يمكن تسلحيها برؤوس تقليدية أو بعض أسلحة الدمار الشامل المعنية. لكنه يطرح تساؤلات بشأن إمكانية المملكة سواء علي خلق ضربات جوية تقليدية تحقق ردع معقول لأسلحة الدمار الشامل أو حصولها علي أسلحة الدمار الشامل بنفسها. السيناريو الأخر الذي طرحته الدراسة يتعلق برؤية غالبية دول الخليج للولايات المتحدة في صورة الضامن الرئيسي لأمن المنطقة وذلك رغم كل المشكلات التي تواجهها. خاصة وأن الولاياتالمتحدة قد وافقت علي المشاركة في بيانات التحذير المبكرة للصواريخ Missile Early Warning Data، مع السعودية وغيرها من البلدان العربية الصديقة. إلا أن هذا السيناريو أيضاً يعتمد علي الأولويات الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدةالأمريكية والسعودية. فلا يمكن الفصل بين استراتيجية الردع عن جهود تطوير شكل ما من التحكم في تسليح المنطقة وتطوير دفاع الصواريخ المدمجة، والدفاع المدني، والدفاع ضد الإرهاب جنوب الخليج. وذلك في ضوء منافس جديد قوي للولايات المتحدةالأمريكية في المنطقة ونَعني بذلك فرنسا نيكولاس ساركوزي Nicolas Sarkozy التي وقعت مع الإمارات العربية المتحدة اتفاقا يجعلها صاحبة امتياز بين الدول الغربية لامتلاك التجهيزات العسكرية في الخليج. وفي النهاية يثار تساؤل حول إمكانية توقيع الولاياتالمتحدةالأمريكية اتفاقاً مع السعودية، علي خلفية مذكرة التفاهم التي وقعتها واشنطن مؤخراً مع كل من البحرين والإمارات العربية المتحدة حول التعاون في ميدان الطاقة النووية وغيرها من مجالات الطاقة.