ما الذي قالته في نفسها تلك البنت الصغيرة التي شاهدها العالم علي الفضائيات من نجع حمادي؟ بماذا أحست، عندما أبلغوها بالخبر: أبوك خلاص مش راجع تاني، قتلوه بالرشاشات علي باب الكاتدرائية ليلة العيد؟ كانت - ربما - تتكلم في تلك اللحظة مع عروستها، أو لعلها كانت تمني النفس بالعشاء معه علي الطبلية قريباً من النار، كي لا تتساقط الشربة من الملعقة في يدها كلما ارتعشت من البرد، فيوبخها هو مبتسماً علي غير العادة - ربما - بمناسبة العيد: بطلي مياصة يا بت، ينطقها بلهجته الصعيدية تلك التي لا تختلف كثيراً عن فخار القلل القناوي، فيهتز جسدها النحيل كله من الضحك، بالذات حين تتشابك الكلمات أثناء اندفاعها مع جناحي شاربه الذي راح يخضر تدريجياً بتأثير الملوخية، أليس من المحتمل أنها كانت تتوقع حدوث شيء كهذا يوماً ما؟ الكبار يحكون أن أشياء كهذه حدثت مراراً من قبل، فلماذا لا يكون الدور عليها هذه المرة؟ ما جري في الكشح أو ديروط مازال يتذكره إخوتها الأكبر بعامين أو ثلاثة، الرعب كان علي الدوام هو قرينها الذي يرفض الانصراف، مهما تحايلت عليه باللعب في الحارة مع أولاد الجيران. الرعب من أن تأتي هذه اللحظة التي يعيش في انتظارها كل أطفال الناحية، فجأة، انفجرت بين ضلوعها الهشة القنبلة التي ظلت طوال العمر تخشاها، تطايرت أشلاء طفولتها علي مرأي ومسمع من كاميرات العالم، كان بكاؤها يخلع القلب. حواديت الجدة التي تبعث علي الطمأنينة في ليالي الشتاء الباردة كانت - إذن - كلها كذباً في كذب، الظاهر أن الشاطر حسن اختفي بالفعل - كما يتردد - في ظروف غامضة؟، يقال إنه شاخ فيما هو يتذكر أمجاده القديمة، وأن ظهره انحني من طول ما عمل شيالاً بالأجرة في محطة البندر، وأن لمعان النخوة في عينيه حلت مكانه نظرة ذليلة بقدر ما هي شامتة، وأنه توصل إلي نوع من التسوية مع الساحر العجوز والأشباح التي أصبحت تعربد في الطرقات، يقال إن ست الحسن والجمال ستظل معلقة من شعرها في سقف المغارة الملعونة، وأنها بدأت تفقد الأمل في أن ينقذها أحد. الشيء الوحيد الذي بقي - علي ما يبدو - من حواديت الجدة التي تبعث علي الطمأنينة في ليالي الشتاء الباردة هو: أمنا الغولة.