الملكة «نازلي» أم الحاجة «زهرة»! سؤال يبدو تعسفياً ما هي العلاقة بين الملكة الأم التي لعبت دوراً مؤثراً وحيوياً في تاريخ مصر المعاصر وبين حاجة لم تفعل أكثر من أنها لعبت جسدها وعينيها وحواجبها فأوقعت كل هؤلاء الرجال في غرامها!! الحقيقة هي أن كل من «نازلي» و«زهرة» تشكلان التناقض في حده الأقصي بين النساء امرأة أهلها القدر والحسب والنسب إلي أن تصعد إلي القمة لتصبح في وقت ما هي صانعة القرار لتحديد مصير مصر في القصر الملكي والثانية بمجرد أن تخطو في الحارة أو المستشفي أو الشارع أو بيروت أو شرم الشيخ يصبح جميع الرجال في حالة من البله ولا يرون في الدنيا سوي أنها «المزة» الوحيدة التي تنطبق عليها شروط «المزمزة» في الكون كله.. والغريب أن الحاجة «زهرة» والتي تعتبر أحد التوابع الدرامية لمسلسل «الحاج متولي» عندما كتبه «مصطفي محرم» قبل نحو 10 سنوات كانت أول من رشحت لبطولته هي «نادية الجندي» ولو استعدت أفلام «نادية الجندي» والتي ساهم بقسط وافر في كتابتها أيضاً «مصطفي محرم» سوف تكتشف أن مسلسل «زهرة» مصنوع طبقاً لمواصفات «نادية الجندي» ودورها الأثير، المرأة التي تبدأ من الحضيض لتصل بعد ذلك إلي القمة وتذل أعناق كل الرجال.. هكذا انطلقت «زهرة» الممرضة الفقيرة لنجد أمامنا سيدة أعمال من الطراز الأول لديها إمبراطورية مترامية الأطراف تهيمن عليها.. النهاية التراجيدية تنتظر «نازلي» في المنفي والتي طبقاً للتاريخ ماتت ودفنت في أمريكا لاقت شظف العيش بينما «زهرة» سوف تسيطر علي كل جنبات المسلسل.. مهما واجهت «زهرة» من عقبات ومآزق فإنها سوف تنتقل من عريس لعريس محققة انتصارات في هذا الشأن يتحدث عنها الركبان وتشيب لها شعور الولدان؟! المسلسلان يقعان في الإطار التجاري الذي يقدم كل المفردات التي تثير الجمهور للمتابعة.. النجاح التجاري كان هو أهم أسلحة «نادية الجندي» بل كان سلاحها الوحيد كلما واجهت الانتقادات التي تتناول أدوارها وأداءها.. هذه المرة كان النجاح التجاري من نصيب «زهرة».. «نادية الجندي» تحاول بالطبع أن تظل داخل الدائرة كنجمة جماهيرية بل أتصور أن اختيارها لدور الملكة كان يحمل في عمقه إحساس تريد تصديره للجماهير التي تصر علي أن تخاطبهم بأنها «النجمة» وأنهم «الجماهير» كانت لديها تلك المشاعر بأنها هي أيضاً الملكة علي عرش التليفزيون مهما تبدلت الأيام.. والأيام دول إلا أن «نادية» لم تحتفظ بلقبها الأثير «نجمة الجماهير» وتصر علي أن يتواصل معها من السينما إلي التليفزيون ورغم ذلك فإن «زهرة» طبقاً لمقياس دقائق الإعلان جاء سابقاً «نازلي» الذي حظي بترتيب متأخر تبعاً لما ذكرته شركة «صوت القاهرة»، والتي لها أكثر من مسلسل لم يحظ بأي دقائق إعلانية وهو ما اعتبرته الشركة كما قال رئيسها «العقباوي» مجرد رغبة معلن في الرهان علي مسلسل يلعب بطولته نجم أو نجمة يعتقد أن الناس تتابعه فيذهب إليه ولا أتصور بالطبع أن الأمر كذلك بالتأكيد هناك فارق بين مسلسل وآخر، الإعلانات لا تتحرك وفقاً لرغبات مسبقة بلا منطق ولا مردود عبر الشاشة والدليل أن هذه النسبة من الإعلانات قابلة هي أيضاً للتغيير كلما أوغلنا في شهر رمضان!! «نازلي» هو الرهان التجاري لنادية الجندي خانها فيه التوفيق مثل كل المسلسلات التي سبق وأن قدمتها أيضاً في التليفزيون منذ أن أجبرت علي الهجرة إليه بعد فيلمها «الرغبة»، المسلسلات التي لعبت بطولتها لم تحقق لها النجاح الذي انتظرته بل ولم تستطع أن تسترد اللقب الذي أطاح به المخرج «علي بدرخان» في آخر أفلامها «الرغبة» 2002، حيث إنه الفيلم الوحيد منذ منتصف الثمانينيات الذي عرض منزوعاً من لقبها الأثير «نجمة الجماهير» وهكذا بات وجودها التليفزيوني هو الخندق الأخير لها لكي تزود عن اسمها ولقبها! «نازلي» لم تكتبه «راوية راشد» من أجل «نادية الجندي» بل لم تكن «نادية» هي المرشحة الأولي جاءت بعد أكثر من ترشيح مثل «نجلاء فتحي»، «يسرا»، «لبلبة» ورغم ذلك فإن «نادية» طبعت شخصية «نازلي» بملامح «نادية الجندي» صرنا نري «نادية» في مقدمة الكادر بينما اختفت تماماً «نازلي».. «نادية» صاحبة أسلوب في فن الأداء يضع للنجم صورة ذهنية سابقة علي الدراما بل ولا يلقي بالاً للدراما وكعادتها لديها مفردات تضيفها لأي شخصية فهي لا يعنيها سوي أن تنظر للكاميرا أما الممثل الذي يقف بجوارها فله الله فهي لا تتبادل معه الحوار ولكن منها للمشاهد مباشرة وهذه هي طريقتها السينمائية الأثيرة.. قال لي المخرج «عاطف سالم» الذي قدم لها فيلم «الضائعة» قبل 25 عاماً إنه فوجئ بأن «نادية» لا تعير الموقف الدرامي أي اهتمام ولا تلتزم بتعليماته ولا تنظر حيث ينبغي أن يتوجه نظرها فقرر أن يذبح القطة وعلي الملأ نهرها أمام كل العاملين في الاستديو وسخر من أدائها لكي تنفذ تعليماته وحصل بالفعل من «نادية» علي درجة أداء أفضل ولكن بالتأكيد لم يستطع أن يذبح القطة والدليل أن الشريط السينمائي للضائعة سوف نجد أن «نادية» لم تتوقف عن النظر للكاميرا ربما أخاف القطة في بعض اللقطات أصابها بحرج إلا أنه أبداً لم يذبحها.. في مسلسل «الملكة نازلي» لا أعتقد أن المخرج «محمد زهير رجب» تمكن هو أيضاً من ذلك بل استسلم تماماً للقطة ومن الممكن أن نري التعاقد مع المخرج الجديد «وائل فهمي عبد الحميد» ودخوله إلي دائرة الملكة «نازلي» بعد بضعة أشهر من بداية التصوير يؤكد علي أن «نادية» لعبت دوراً في هذا الاتجاه لتظل هي المهيمنة علي كل تفاصيل المسلسل والمخرج دوره هو أن ينفذ التعليمات.. اختيار «نادية الجندي» خضع لأسباب تجارية هذه هي الحقيقة رغم أن المنتج «إسماعيل كتكت» أكد أنه باع المسلسل قبل أن يتم ترشيح اسم «نادية الجندي» أي أنه من الناحية التجارية لم يكن بحاجة إليها للتسويق في القنوات الفضائية؟! إذا كان ذلك صحيحاً فلماذا لم تكمل الوجه الجديد التونسية «فريال يوسف» الدور، حيث لعبت شخصية «نازلي» ثلاث حلقات وأدتها بدرجة إقناع واضح وتغلبت علي عائق اللهجة.. ورغم ذلك لم يتجاوز دورها حلقتين ونصف الحلقة حيث ظهرت «نادية» في النصف الثاني من الحلقة الثالثة لتظل منفردة حتي الثلاثين ووجدت في الدور الفرصة المهيأة لكي ترتدي عدداً لا بأس به من البرانيط وهي أكثر فنانة في الدنيا ترتدي برانيط في الأفلام وتصبح هي الشخصية المحورية في كل تفاصيل العمل الفني وألا يري المشاهد دائماً سوي «نادية الجندي» كما نعرفها؟! هذه هي المرأة التي عادت إلينا من التاريخ القريب لتحتل مساحة مميزة في «ماسبيرو» أما المرأة التي نسجها «مصطفي محرم» في البداية علي مقاس «نادية الجندي» فلقد كانت هي «زهرة».. تقدم «غادة» دور المرأة القوية بجمالها لم يكتب لها الدور ولكن «غادة» بعد أن لعبت في العام الماضي بطولة «الباطنية» في الدور الأثير الذي قدمته قبل 30 عاماً «نادية الجندي» في السينما صنعت بينها وبين الناس علاقة نجاح جماهيري طاغ.. كانت الخطوة التالية محسوبة صحيح في «الباطنية» ساندها أسماء بحجم «صلاح السعدني» بما يتمتع به من كاريزما وترقب جماهيري في شهر رمضان باعتباره أحد الأعمدة الدرامية لهذا الشهر إلا أن «غادة» انطلقت بقوة من «الباطنية» كما كان متوقعاً لتنتقل إلي بؤرة رمضان وأتصورها ستضمن لها مكانة دائمة علي الخريطة الرمضانية خاصة بعد أن أيدتها أيضاً دقائق الإعلان لتصبح ورقة لا يستهان بها في الملعب الرمضاني تضاف إلي ما سبقها من أوراق صارت بطبعها تحمل ملامح رمضان مثل «نور» و«يحيي» و«يسرا» و«ليلي».. السيناريو في «زهرة» يشعرك بأنه دائماً يحتاج إلي «زقة» درامية في الكثير من الأحيان صار المسلسل يبحث عن حدث ليكمل به الحلقة.. وهكذا مثلاً نري حكاية «باسم ياخور» الطيار الذي فقد الذاكرة وهو الزوج الثاني علي خريطة «زهرة» بعد أن أكدت كل التقارير من خلال الصندوق الأسود في الطائرة أنه لاقي حتفه بين الضحايا إلا أنه هيهات أن يختفي فيظهر مرة أخري مجدداً في شرم الشيخ وتضيع الدقائق تلو الدقائق والحلقات تلو الحلقات وتتحرك ببطء ونحن ننتظر أن تعود الذاكرة إلي «باسم» أو لصناع المسلسل لتجد نفسها علي ذمة زوج ثان علي اعتبار أن الأول «حسن يوسف» لا تزال هي أيضاً علي ذمته وطبقاً لذلك لن يتنازل «أحمد السعدني» عن أحقيته بلقب الزوج الثالث لزهرة، وسوف ينضم للمسيرة «مدحت صالح» ليصبح الرابع وهناك مفاجئة أكدها صناع المسلسل عن الخامس.. ربما كان هو الزوج الأول الذي مهد السيناريو بأنها تزوجته ثم سافر ولم يعد.. الحاجة «زهرة» كان ينبغي أن يعالج درامياً بروح أقرب إلي الفانتازيا وهذا الخيال هو تحديداً ما لم يستطع أن يحققه لا الكاتب «مصطفي محرم» ولا المخرج «محمد النقلي».. «الحاج متولي» كان يحمل في المعالجة الدرامية تلك الروح ولكنه مع «زهرة» أبعد تماماً هذه الأحاسيس من أن تتغلغل وتنتشر وتعامل مع واقع مباشر يتناقض مع طبيعة الحدث! المسلسل لم يكن فقط «غادة عبد الرازق» ولكن عاد من خلاله «حسن يوسف» لأداء شخصية درامية بعد سنوات كان ينظر خلالها إلي كل ما هو خارج نطاق الشخصيات الدينية أو التاريخية التي تخصص فيها بقدر من الريبة والشك.. أيضاً شاهدنا «كريمة مختار» في دور أم «زهرة» وهي تقدم أم لها مذاق وموقف وكان دور «أحمد السعدني» ملفتاً وتمتع بحضور ولكن ظل مسلسل «زهرة» هو غادة عبد الرازق.. تتفوق من خلاله كأنثي وليس كممثلة في الحضور الشعبي «الحاجة» علي «الملكة» إلا أنك لو سألتني عن أهم ممثلة قدمت دور نسائي في رمضان فإن إجابتي هي «مني» بائعة المخدرات التي لعبتها «نيللي كريم» في المسلسل الأهم «الحارة» إنها النجمة الأولي رغم أن البطولة في مسلسل «الحارة» جماعية ولكن في فن الأداء تفوقت البنت «مني» علي الملكة «نازلي» والحاجة «زهرة»!