(1) حكاية رئيس تحرير الجريدة القومية المنتفخ مع رسام الكاريكاتور المؤدب الحكاية دارت داخل مكتب رئيس التحرير المنتفخ الذي يشغل منصباً في مجلس الشوري، والذي تضخم لدرجة يصعب معها تخيل نتيجة نزع البلف في أي لحظة حيث ستكون وبالاً علي الجميع وأولهم ثقب الأوزون المسكين الذي لم يعد يحتمل المزيد من الغازات السامة. بوشاية من عدد من المقربين له من فئة العصافير (مديرو تحرير ورؤساء أقسام ومخبرون) علم رئيس التحرير أن أحد رسامي الكاريكاتور في جريدته له رسوم معارضة. لاحظ أن لفظ معارضة عند رؤساء التحرير القوميين يعتبر مرادفاً لكلمة بورنو أو قباحة عند الناس المحترمة، ولهذا فمعظمهم - إن لم يكن كلهم - يصاب بحكة شديدة في مناطق لا داعي لذكرها بمجرد نطق الكلمة، ولما كانت المعارضة في بلدنا مستأنسة فلعلك تعلم الآن يا عزيزي القارئ أن المعارضة التي نقصدها في هذه الحكاية هي معارضة حقيقية تلقي قبولاً عند فئات عديدة من الشباب الذين يعرفون رسام الكاريكاتور الذي نتحدث عنه ويعجبون برسومه المنتشرة علي الإنترنت وصفحات الفيس بوك. استدعي الأستاذ منتفخ رسامه في مكتبه ، وغلَّق الأبواب، وطبعاً لم يقل هيت لك، لكنه انفجر. راح يهين الرسام، ويسخر منه، ويسبه أحياناً وهو يسأله عن الهراء الذي صار يرسمه في الفترة الأخيرة، وعن رسومه الممنوعة التي ينشرها علي الإنترنت، وعن الرجل العجوز الذي يرسمه في كاريكاتوراته سائلاً إياه عمن يقصده، وعن مدلولات رسوماته الأخيرة متقمصاً - أو ربما كانت هذه هي وظيفته بالفعل - دور المخبر. قال الرسام إنه يفصل بين ما ينشره في الجريدة التي يحترم سياستها التحريرية وبين رأيه الشخصي الذي ينشره في أماكن أخري، لكن الرجل كان منتفخاً في هذا اليوم كما لم ينتفخ من قبل، وهكذا راح يقول له : " إنت بتستعبط .. رأي إيه يا أبو رأي..البنات اللي في الفيس بوك عندك هيودوك في داهية.. يا تتعدل يا هعدلك بطريقتي" إلي آخر هذا الكلام الذي يقوله المنتفخون وقت إحساسهم بالحكة إياها. نفس رئيس التحرير الذي نتحدث عنه ضربه رسام كاريكاتور شهير ضرباً مبرحاً قبل أن يصبح رئيساً للتحرير في واقعة شهيرة يعرفها كل صحفيي المؤسسة، وربما صحفيي مصر. نفس رئيس التحرير هو الذي تشاجر بعد تعيينه مع رئيس مجلس الإدارة علي نسبة عقد الإعلانات الذي ورد للمؤسسة مقسماً بأغلظ الإيمان أن ينال مليون جنيه وليس 750 ألف جنيه فقط!!!، وحين نشرت الواقعة في أحد المواقع الإلكترونية الشهيرة اتصل بسلامته بالموقع مهدداً ومتوعداً عن طريق صلاته بأمن الدولة. نفس رئيس التحرير هو الذي انقلب علي أساتذته وزملائه لكي يلحس أحذية سادته الجدد مقدماً نذور الولاء والطاعة التي جعلته ينتفخ وينتفخ وينتفخ. قال رسام الكاريكاتور الشاب لرئيس تحريره أرجو أن تسمح لي بأخذ أجازة طويلة حتي تهدأ الأمور بيننا، لكن رئيس التحرير كان فظاً غليظ القلب فقال له : أجازة لأ.. استقالتك تكون علي مكتبي بعد ما تسلم الشغل بتاعك. اقتنع الرسام بأن كل الأبواب قد أغلقت وكل الطرق انتهت وأن علاقتهما أصبحت في حارة سد فقال بمنتهي الأدب محاولاً ألا يحرق كل السفن: عموماً لو أن هذا ما يريحك فسأفعله، وإن كنا سنخسر بعضنا علي المستوي المهني فأنا حريص علي علاقتنا الإنسانية ، وعلي الفور أكمل رئيس التحرير خسته ونذالته وجليطته وقلة ذوقه وهو يصرخ: إنت بتستعبط.. علاقة إنسانية إيه اللي ما بيننا.. إنت مين يا ابني.. هو أنا أعرفك.. اتفضل واستقالتك تكون عندي". رسام الكاريكاتور المحترم ظل محترماً حتي النهاية.وأنت تقرأ هذه السطور تقدم باستقالته بالفعل، وربما يكون خارج مصر حيث تلقي عرضاً ليرسم بانتظام في إحدي الصحف الخليجية الشهيرة، أما رئيس التحرير فلا زال ينتفخ.، وينتفخ، ويتوغل ويتسرب ويستمر.. ويستمر في الانتفاخ.