ستظل مشكلة المواطن المصري شعوره دوماً بأن السلطات الرسمية تتربص به وتعمل علي إفشال مشروعاته وأعماله...منظومة القوانين واللوائح التي يتحتم علي هذا المواطن اتباعها معروفة ومطبوعة ومتاحة للاطلاع عليها وتنفيذ ما تنص عليه، لكن المواطن دائماً ما يكتشف مهما حاول الالتزام باللوائح أنه أخطأ في جانب لم يكن يعلم به في صورة قرار وزاري أو إداري لاحق للقانون ينزل عليه كالسيف ليدمر جهوده ويعطل مشروعه دون أن يكون معلوماً له...ويتساءل المواطن: وما ذنبي في أن هذا القرار جاء لاحقاً للقانون؟! فيأتي الرد أن القرار جاء ليسد ثغرة في القانون استطاع البعض الإفلات منها...وهكذا أصبحت منظومة القوانين واللوائح المصرية بمثابة المقصلة التي تعصف بكل الجادين والشرفاء لمجرد أنها تريد قطع الطريق علي الأشرار، أي تطبيق عملي للمثل الشعبي الذي يقول:«ولاد الحرام ما خلوش لولاد الحلال حاجة»!!! هذا ليس دور السلطة التنفيذية أن تتشبث بتنفيذ حرفية اللوائح بالدرجة التي تعطل وتعرقل جهود الشرفاء والمخلصين، بل عليها أن تفحص وتتسلح بالمرونة بحيث تشجع هؤلاء وتسمح لهم بالمضي في أعمالهم لصالح المجتمع، خاصة أن الشعور السائد لدي المواطن هو انعدام ثقته في الحكومة وأجهزتها الرسمية وشكه في أنها تتربص به وتريد الإيقاع به في كل ما ينوي عمله...ومن أكثر الأمثلة دلالة علي ذلك المشروعات الخدمية التي تنتفي عنها شبهة الربح-بالرغم من أن مبدأ تحقيق الربح ليس خطيئة في حد ذاته!!- والتي تهدف إلي خدمة المجتمع وتحمل علي عاتقها رسالة إنسانية نبيلة لصالح أفراده. الأخت الراهبة سابين من هيئة راهبات يسوع ومريم القبطيات جاءتني تحمل مشكلة ينطبق عليها ما عرضته في تقديم هذا المقال...فهيئة راهبات يسوع ومريم القبطيات لها دار حضانة للأطفال باسم حضانة راهبات المحبة في القطعة رقم 324 بالهضبة العليا بالمقطم، والحضانة مرخصة بموجب الترخيص رقم 895 بتاريخ 8/10/1991 وتقبل وتخدم الأطفال المصريين- مسلمين ومسيحيين-من سن سنتين إلي خمس سنوات...ولعلنا جميعاً نعرف ونقدر ما هي رسالة دار الحضانة والدور الذي تقوم به لاستضافة وتربية ورعاية الأطفال في هذه المرحلة العمرية، خاصة بعد نزول المرأة المصرية إلي سوق العمل واحتياجها الشديد لدور الحضانة التي تتولي عنها رعاية أطفالها أثناء فترة عملها...أقول ذلك لأن البديهي أمام هذا الواقع أن نتصور الحصول علي كل عون وتسهيلات ومرونة لدور الحضانة التي تضطلع بتلك الرسالة من جانب السلطات الرسمية متي تأكدت السلطات من جدية النشاط واستيفائه المعايير الأساسية التي تكفل تحقيق رسالة الرعاية والتربية. في عام 2002 احتاجت دار الحضانة المذكورة إلي إجراء عمليات صيانة وتجديدات بالمبني الذي تشغله، فقامت بإخطار مديرية الشئون الاجتماعية- إدارة الأسرة والطفولة- التابعة لها، بأنها ستتوقف مؤقتاً عن قبول أطفال لحين إتمام أعمال التجديدات المطلوبة، فما كان من الإدارة إلا أن فاجأت الدار في 2/10/2002 بإصدار القرار رقم 103 الذي ينص علي إغلاق دار حضانة المحبة المملوكة لهيئة الراهبات إغلاقاً نهائياً بدعوي عدم وجود أطفال!!...وطبعاً تسلحت الشئون الاجتماعية في قرارها هذا بنص القانون رقم 12 لسنة 1996 ولائحته التنفيذية، أي أن من يراجع شرعية قرار الإغلاق سوف يجد أنه يتمشي مع صحيح القانون، لكن الحقيقة علي أرض الواقع تصرخ بأن الإدارة لم تكلف نفسها عبء الفحص وتقصي الواقع علي الطبيعة، إنما تربصت واندفعت لإنزال القصاص متسترة بصحيح القانون!!! علي الجانب الآخر قامت هيئة الراهبات بالانتهاء من أعمال الصيانة والتجديدات في مقر دار الحضانة وأعادت افتتاحها لاستقبال الأطفال في المنطقة التي تقع فيها، وكانت الاستجابة الواضحة من جانب أهالي المنطقة بدرجة تعكس ثقتهم في مستوي الرعاية التي تقدمها علاوة علي الاحتياج الشديد لمثل تلك الخدمة...فالمعروف للمصريين جميعاً عبر أكثر من قرن من الزمان أن الرسالة التي تضطلع بها جميع المؤسسات التربوية والتعليمية التابعة للرهبان أو للراهبات هي رسالة سامية متاحة لكل المصريين استطاعت أن تقدم لمصر أجيالاً من خيِّرة أبنائها وبناتها. لكن سلطات الإدارة كان لها رأي آخر حتي بعد أن تأكدت من استئناف نشاط دار الحضانة بعد التجديدات...وطبعاً كان هذا الرأي متسلحاً بالقانون(!!)، فقد جاء بكتاب إدارة الأسرة والطفولة التابعة لمديرية التضامن الاجتماعي بمحافظة القاهرة-كتاب رقم3265 في22/6/2010 أنه إذا أرادت دار الحضانة استئناف نشاطها فعليها التقدم مرة ثانية بجميع الأوراق والمستندات لطلب الحصول علي ترخيص جديد.. وأسقط الأمر في يد القائمين علي الدار، فالدار تعمل وتستقبل الأطفال بالفعل.. ماذا إذا لو تعثرت الأوراق؟...ما العمل إذا لم يصدر الترخيص؟...هل النية مبيتة من جانب الإدارة لتنقض علي هذه الخدمة وتقضي عليها؟...كل هذه الأسئلة والهواجس سيطرت علي المسئولين عن الدار لأنهم رأوا في مطلب إعادة الترخيص تناقضاً مع الواقع وطبعاً يعزز ذلك الإحساس المتوارث للمواطن المصري بأن السلطة تتربص به وتريد به سوءاً مهماً كان مقصده وصدق الرسالة التي يضطلع بها.. ألم أقل لكم إن ولاد الحرام ما خلوش لولاد الحلال حاجة؟!. ما رأي وزير التضامن الاجتماعي في هذه المشكلة؟