لاأعرف بالضبط من أين أتي أصحابي وجيراني ومعارفي بكل هذه الدهشة والاستغراب، عندما شاهدوا النائب رجب هلال حميدة وهو يطل عليهم بصوته عبر برنامج 48 ساعة علي فضائية المحور ليؤكد أن هناك أكثر من 120 نائبا معارضا ومستقلا وإخوانيا حاجزين مقاعدهم في مجلس الشعب القادم . في الحقيقة استغربت دهشة أصدقائي أكثر مما استغربت كلام حميدة، وجلست أشغل نفسي بالبحث عن أسباب القدرة الهائلة والخارقة التي وصل إليها هذا النائب المثير للجدل دائما والشكوك أحيانا وهي قدرته علي أن يعرف نتائج إنتخابات المجالس النيابية - شوري أو شعب - من الكونترول وقبل أي شخص آخر . أنا هنا لا أمزح أو أسخر أو داخل مع الأصدقاء في دور هات وخد علي طريقة اشمعني، إنما أتكلم بجد كل الجد، فرجب هلال حميدة لا يكذب ولا يقرأ الطالع، فأعتقد أنه بحكم علاقته الوثيقة مع واضعي نظام الانتخابات ومصححي النتيجة يعرف جيدا مايدور داخل المطبخ السياسي للحزب الوطني، وما هو سر الخلطة وسر الوجبة السياسية والانتخابية التي يجهزها لنا هؤلاء الطهاة، والوقت الذين يريدون أن نعرف فيه هذا السر . ويبدو أن كثرة الكلام اللغط عن تلك الوجبة الانتخابية السابقة التجهيز والتي تم إعدادها قبل شهور تقريبا وفاحت ريحتها حتي زكمت الأنوف، أجبرت هؤلاء الطهاة علي أن يذيعوا علينا سر الوجبة، ولا أريد هنا أن ألوح أو ألمح بأنه قد تم اختيار رجب هلال حميدة لإذاعته وإفشائه لا سمح الله، ولكن ولأننا نتكلم في أصول الطهي والمطبخ، فلا دخان من غير نار . فمنذ شهرين تقريبا قبل انتخابات التجديد النصفي لانتخابات الشوري ب48 ساعة علي ما أذكر، كنت ضيفا علي برنامج " مصر اليوم " بفضائية الفراعنة " لأتحدث في كيفية وتقييم إدارتنا لأزمة مياه النيل، وكان الضيف الثاني المشارك معي في الحلقة النائب رجب هلال حميدة، وقتها وقبل أن ندخل إلي استديو الهواء أذكر أنه عندما سألت حميدة عن توقعاته بالنسبة لانتخابات الشوري بصفة عامة وفرص فوز رئيس حزبه الغد موسي مصطفي موسي، أجاب النائب رجب وبكل ثقة : موسي سيكسب الانتخابات وسيحقق فوزا ساحقا مدهشا وأنا الذي شجعته و قلت له ادخل وستكسب لامحالة والفوز مؤكد ومحقق بإذن الله وسوف تري، وفعلا صدق حميدة وفاز موسي وحقق فوزا كاسحا أثار جدلا وشكوكا كثيرة بحصوله علي 23 ألف صوت في إحدي دوائر الجيزة . إذن فما لذي جعل النائب رجب هلال حميدة واثقا كل هذه الثقة من فوز موسي مصطفي موسي الذي- وكما قال أهالي الدائرة ومنافسوه وخصومه- إنه نزل عليهم بالبراشوت ولم يكن هناك أحد يعرفه ولايتوقع نجاحه. لا أنتظر إجابة من النائب حميدة عن هذا السؤال، فالمعني من ظهوره يوم الجمعة الماضي وتأكيده علي هذا الرقم من النواب المعارضين والمستقلين الحاجزين لمقاعدهم في البرلمان المقبل، إنما هو تسريب ذكي من طهاة المطبخ الانتخابي بالحزب الوطني للوصفة السرية لوجبة الانتخابات القادمة ولكن عن طريق هلال حميدة . نعم ورغم كل تصريحات النفي التي يطلقها هؤلاء الطهاة وطهاة المطابخ الحزبية المعارضة، فكل المؤشرات والدلائل أن الوجبة الانتخابية القادمة بالصفقة، تماما مثل الأرز بالخلطة، خلطة تضم غالبية أحزاب المعارضة وفي مقدمتها الوفد والتجمع وغد موسي مصطفي موسي والجيل والأحرار وعدد من المستقلين المرضي عينهم، ولامانع في أن يكون بها بعض الفلافل من نواب الإخوان لزوم الطعم والنكهة السياسية . فليكذب السعيد رئيس حزب التجمع ما يكذب، ولينف المتحدث الرسمي للبدوي رئيس حزب الوفد ماينفي، فلقد فعلها وفتح النافذة نائب رئيس حزب الغد وشممنا رائحة الطبخة، ولمن يريد مزيدًا من التفاصيل عن المقادير الخاصة بكل حزب من هذه الأحزاب، تابعوا أخبار مرشحيها والدوائر التي قررت خوض الانتخابات فيها، وكيف أن هذا مرشح مثلا في حزب التجمع تم تفريغ الدائرة له، وهذا مرشح آخر مستقل لا مرشحين للأحزاب فيها أو مرشحين ضعفاء، أرجوكم تابعوا الرائحة وامشوا خلفها وستكتشفون في النهاية أن هناك عددًا كبيرًا من الطهاة وهم يحاولون إغلاق النافذة حتي لا يفوح المزيد من الرائحة .. هذه هي حقيقة وجبة الانتخابات القادمة التي كشف عن سرها رجب حميدة للأسف الشديد، والحقيقة الأشد والأهم أن نعترف جميعا بأننا صرنا في قلب زمن البيع، بيع كل شيء وخصخصة كل شيء حتي الضمائر، وإذا كنا نحن أبناء جيل تم بيع كل شيء فيه ولم يتبق منه إلا القليل ينتظر بيعه، فإن شعوري يزداد خوفا علي أبنائنا الذين لا أعرف ماذا سيفعلون وقد تم بيع كل آمالهم وطموحاتهم، وكلما نظرت للشارع وكل هذه الفوضي التي تملأه، ولاتعرف من الصادق ومن الكاذب، من الوطني ومن الشريف ومن اللص؟ أعرف أن رجب عنده حق .