قد لا أكون مخطئا إذا قلت إن هناك غالبية من الشعب وصلت إلي قناعة أن وقف الفوضي التي تضرب كل جنبات المجتمع وتحسين الأحوال لن يتأتي إلا بالتغيير الشامل وليس مجرد تغيير الحكومة، ولأن الشعب المصري لم يعرف أهمية العمل السياسي والانخراط في تنظيمات سياسية فلقد ألقي تبعة العمل علي إحداث هذا التغيير علي عاتق المعارضة، لأن كل ما هو مسموح له به هو الانخراط في تأييد الأهلي أو الزمالك والخروج في مظاهرات عقب مباريات الكرة أو الانضمام إلي إحدي الطرق الصوفية والخروج ليتمايل منشدا في الموالد، لذلك وفي ظل غياب القناعة بالعمل السياسي يكون الأمل معقودا علي ما يسمي بالمعارضة المنظمة من أجل العمل علي إحداث التغيير لذلك فإن المطلوب للتغيير وجود معارضة قوية تستطيع الضغط من أجل التغيير في مواجهة نظام استبدادي لا يعرف الحوار، ولكي يحدث هذا الضغط النوعي علي النظام الذي يزداد تفسخا وفسادا لابد من معارضة تحدد أولوياتها وتعرف كيف توسع قاعدة مؤيديها وترسخ قيما جديدة سعيا للتغيير، فهل لدينا في مصر مثل هذه المعارضة؟ يمكن تقسيم المعارضة في مصر إلي ثلاث مجموعات : الإخوان المسلمون، الأحزاب الرسمية ثم الحركات الشعبية وجمعيات المجتمع المدني التي ترفض السياسات الحكومية أو تلك التي تصل إلي المطالبة بالتغيير الشامل وليس مجرد السياسات، فهل تستطيع هذه الفصائل تحقيق أمل الشعب في السعي للتغيير ؟ للإجابة عن هذا السؤال علينا أن نرصد كيف تعمل هذه المعارضة وهل لديها من البرامج والتحركات ما يمضي في اتجاه التغيير ومن ذلك : أولا : رغم أن حجم المعارضة النشطة ما زال قليلا للمطلوب في مواجهة النظام، إلا أن أول ما يلاحظه الجميع هو تشرذم هذه المعارضة وأن عوامل الفرقة بينها أكثر من عوامل التوافق، وبالطبع لا يمكن أن يكون الجميع علي نفس القناعات الفكرية فالتعدد الفكري أمر مطلوب وواجب ولكن لابد من مساحة من التوافق يعمل الجميع علي أرضيتها لتحقيق هدف محدد وهو التغيير الديمقراطي، وهو ما لم يحدث فكل فريق ُيغلب مصالحه ومشروعه السياسي علي الهدف العام الذي يجمع كل الفرقاء في مواجهة السلطة والدليل علي ذلك أنه كلما دعا فريق إلي تجمع لقوي المعارضة يقوي من أزرها أمام سلطة لا تعرف الديمقراطية الحقيقية يخرج فريق ويضع اعتراضا علي مشاركة فصيل آخر يختلف معه، من ذلك ما يحدث عندما يرفض التجمع التنسيق أو الوجود مع الإخوان كما يرفض الإخوان الوجود مع ممثلي حزب الوسط وهناك قيادات كفاية التي تختلف مع العديد من النشطاء وغير ذلك من المواقف التي تؤدي إلي تشرذم المعارضة وبالتالي يقل حجمها وتأثيرها وهي أصلا ذات تأثير محدود وكان من المفترض أن تتغلب علي حجمها المحدود بالتجمع وليس التفرق، فهل يصل التناقض إلي أن تكون بعض فصائل المعارضة أقرب للنظام الحاكم من غيرها من الفصائل فكيف إذا نأمل أن تغير هذه المعارضة هذا النظام ؟ ثانيا: مما ُيضعف المعارضة أنها دائما تستدعي الماضي للحكم علي الحاضر فهذه الجماعات المعارضة بدلا من أن تهتم بالنقاش عن كيفية التصدي لاستبداد النظام وتقوية المعارضة، تجدهم دائما يستدعون ما حدث بينهم في العهود السابقة ويبدأ التراشق بالاتهامات، تجد ذلك دائما بين الإخوان والوفد من جهة وبين الناصريين من جهة أخري وبالتالي تزداد الهوة اتساعا بينهم ولا يقدرون علي التواصل من أجل التوصل إلي سياسات متوافق عليها في مواجهة النظام الذي يقولون بأنهم يسعون إلي تغييره فكيف لمثل هذه المعارضة أن تستطيع الضغط علي الحكم؟ ثالثا : في الكثير من الأحيان تجد بعض فصائل المعارضة علي استعداد للاستجابة إلي سياسة العصا والجزرة التي يجيد النظام توظيفها مع المعارضة، والأمثلة علي ذلك عديدة وآخرها ما حدث مع الحزب الناصري من إنجاح أحد قياداته بالتزوير لعضوية مجلس الشوري وتعيين أمينه العام في المجلس وهو نفس ما حدث مع حزب التجمع، وكان هناك قبل ذلك حديث عن صفقة بين الوطني والوفد وحديث المرشد العام السابق للإخوان عن تفاهمات مع الأمن في انتخابات مجلس ذاته الشعب 2005، ثم هناك دائما المحاولات الناجحة للأمن في تمزيق الأحزاب بإغراء البعض للانشقاق ثم يتفرغ الجميع لنقل نشاطهم إلي ساحات المحاكم، فهل يمكن لمثل هذه المعارضة أن تعارض فعليا وأن تعمل علي تغيير النظام وهي تهرول لتقبل الفتات الذي يقذف به الحزب الحاكم ليجعلها معارضة مستأنسة؟ رابعا : تركز قوي المعارضة نشاطها علي المطالبة بتغيير ثلاث مواد من الدستور والتي تتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية والإشراف القضائي وهي أول من يعرف بعدم إقدام النظام الحاكم علي الموافقة علي ذلك فالدستور الحالي يلائم الوضع القائم بل هو ما سعي إليه لترتيب عملية انتقال السلطة وبالتالي فمن غير المنطقي أن يقبل بتغيير ما عمل له إلا في ظل ضغوط داخلية وخارجية وهو ما لم يتوافر حتي الآن، لذلك لماذا لا ُتغير أولوياتها وتركز علي ضمان انتخابات نزيهة تأتي بممثلين حقيقيين للشعب وأن تكون هذه الضمانات من خلال الشعب وليس منحة من الحكومة التي لن ُتقدم علي ذلك، بل وصل الخلاف إلي عدم الاتفاق هل يقاطعون انتخابات مجلس الشعب أم لا رغم أن ما يفصلنا عن الانتخابات أقل من ثلاثة شهور، فهل هذه المعارضة التي لا تستطيع تحديد أولوياتها تستطيع النجاح في هز عرش السلطة القائمة؟ خامسا : المثل القائل فاقد الشيء لا يعطيه ينطبق علي الكثير من فصائل المعارضة التي لا تعرف التداول للمناصب القيادية في أحزابها بل تدخل في صراعات داخلية تجعلها تطلب المساندة من الحكم الذي تعارضه. لذلك وحتي نأمل في إمكانية تغيير الحكم فلابد أولا من تغيير المعارضة التي تقود عملية السعي إلي التغيير، فهل يمكن أن تخرج من هذه الفوضي معارضة قد تبدأ صغيرة ولكنها متماسكة ومحددة أهدافها وبينها من القواسم المشتركة ما لا يجعلها تسعي للإقصاء والتفرد، لذلك دعونا ننادي بتغيير المعارضة كخطوة أولي لتحقيق الحلم بتغيير شعبي لحكامنا.