هبوط جديد فى سعر الذهب بمصر وعيار 21 يفقد 20 جنيها    قانون الإيجار القديم.. حق الأسبقية بالوحدات البديلة من الدولة للأولى بالرعاية    إعلام إيرانى ينفى ما نشره تليفزيون أذربيجان حول أنباء مقتل أحمدى نجاد    لحصد نقاط المباراة .. بن شرقى يقترب من تشكيل الأهلى الأساسى أمام بالميراس    رئيس لجنة الحكام السابق: كنت مجبرًا على بعض الأمور.. والمجاملات كانت كثيرة    تشكيل كأس العالم للأندية - مونتييل أساسي مع ريفر بليت.. ومهاجم وحيد ل أوراوا    جامعة دمياط تتقدم في تصنيف US News العالمي للعام الثاني على التوالي    نائبة التنسيقية: انتشار حفر الآبار العشوائي يهدد التربة والمحاصيل وثروات الدولة    مبروك للشطار...رسميًا أسماء أوائل الشهادة الإعدادية 2025 في جنوب سيناء "صور"    مغامرة وماضي إجرامي.. أحداث برومو فيلم «أحمد وأحمد»    غدًا.. أحمد فتحي ضيف فضفضت أوي على WATCH IT مع معتز التوني    وزير الصحة يعقد اجتماعا لمتابعة الموقف التنفيذي لميكنة منظومة التأمين الشامل    براءة الفنان محمد غنيم بعد التصالح مع طليقته    هل تشتعل «حرب» عالمية ؟    القوات المسلحة الإيرانية: سيتم تنفيذ العملية العقابية قريبًا    واشنطن تحشد طائرات التزود بالوقود جوًا في الشرق الأوسط استعدادًا لتصعيد محتمل    "قصر العيني" يستقبل سفير الكونغو لتعزيز التعاون الأكاديمي في إطار تدشين البرنامج الفرنسي    بعد المطالبة بترحيلها.. طارق الشناوي يدعم هند صبري: محاولة ساذجة لاغتيالها معنويًا    الشيخ خالد الجندي يروي قصة بليغة عن مصير من ينسى الدين: "الموت لا ينتظر أحدًا"    محافظ الأقصر يوجه بصيانة صالة الألعاب المغطاة بإسنا (صور)    فوتبول إيطاليا: نابولي يسعى لضم نونيز بأقل من 50 مليون يورو    التعليم العالى تعلن فتح باب التقدم للمنح المصرية الفرنسية لطلاب الدكتوراه للعام الجامعى 2026    مجلس النواب يوافق علي خمسة مشروعات قوانين للتنقيب عن البترول    مصرع شاب في حادث دراجة بخارية بالمنيا    رئيسة «القومي للبحوث»: التصدي لظاهرة العنف الأسري ضرورة وطنية | فيديو    "أكبر من حجمها".. محمد شريف يعلق على أزمة عدم مشاركة بنشرقي أمام إنتر ميامي    «البحوث الإسلامية»: الحفاظ على البيئة واجب شرعي وإنساني    "موقف السعيد وشيكابالا".. الغندور يكشف تقرير الرمادي لنادي الزمالك    قرار مهم من "التعليم" بشأن سداد مصروفات الصفوف الأولى للعام الدراسي 2026    5 فواكه يساعد تناولها على تنظيف الأمعاء.. احرص عليها    محافظ أسيوط يستقبل السفير الهندي لبحث سبل التعاون - صور    الخميس.. جمعية محبي الشيخ إمام للفنون والآداب تحتفل بالذكرى ال30 لرحيله    بلمسة مختلفة.. حسام حبيب يجدد أغنية "سيبتك" بتوزيع جديد    في أقل من شهر.. «المشروع X» يفرض نفسه في شباك التذاكر    راموس عن ماستانتونو: لم أتابعه.. لكنها صفقة واعدة لريال مدريد    بدء الجلسة العامة للبرلمان لمناقشة الموازنة العامة    "الحرية المصري": نخوض الانتخابات البرلمانية بكوادر على غالبية المقاعد الفردية    درة تحتفل بتكريمها من كلية إعلام الشروق    ماذا يحدث لجسمك عند التعرض لأشعة الشمس وقت الذروة؟    التعليم العالي: جهود مستمرة لمواجهة التصحر والجفاف بمناسبة اليوم العالمي    مهرجان الإسكندرية الدولي للفيلم القصير يواصل تألقه بعرض خاص في القاهرة    تأجيل محاكمة متهمين بإجبار مواطن على توقيع إيصالات أمانة بعابدين    شملت افتتاح نافورة ميدان بيرتي.. جولة ميدانية لمحافظ القاهرة لمتابعة أعمال تطوير حى السلام أول    محافظ أسوان يشيد بجهود صندوق مكافحة الإدمان فى الأنشطة الوقائية    المرور تحرر 47 ألف مخالفة متنوعة خلال 24 ساعة    البحوث الفلكية: الخميس 26 يونيو غرة شهر المحرم وبداية العام الهجرى الجديد    دار الإفتاء: الصلاة بالقراءات الشاذة تبطلها لمخالفتها الرسم العثماني    زيلينسكي: روسيا هاجمتنا بالطائرات المسيرة بكثافة خلال ساعات الليل    إيران ترحب ببيان الاجتماع الاستثنائى لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجى    وزير الرياضة يرد على الانتقادات: دعم الأهلي والزمالك واجب وطني.. ولا تفرقة بين الأندية    التعليم الفلسطينية: استشهاد أكثر من 16 ألف طالب وتدمير 111 مدرسة منذ بداية العدوان    مستشفيات الدقهلية تتوسع في الخدمات وتستقبل 328 ألف مواطن خلال شهر    ضبط 18 متهمًا بحوزتهم أسلحة و22 كيلو مواد مخدرة في حملة أمنية بالقاهرة    أسعار الخضروات والفاكهة في سوق العبور اليوم    الجيش الإسرائيلى يعلن مقتل رئيس الأركان الجديد فى إيران على شادمانى    «أمطار في عز الحر».. الأرصاد عن حالة الطقس اليوم الثلاثاء: «احذروا الشبورة»    الغردقة.. وجهة مفضلة للعرب المهاجرين في أوروبا لقضاء إجازاتهم    ما هي علامات قبول فريضة الحج؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف القعيد يكتب : «جو» يقول رأيه في سينما يوسف شاهين
نشر في الدستور الأصلي يوم 06 - 08 - 2010


1- إبراهيم العريس أولاً :
سيذكر تاريخ مصر لإبراهيم العريس أنه عندما صدرت قرارات مقاطعة نجيب محفوظ بسبب تأييده لمعاهدة السلام. كان إبراهيم العريس من الذين رفضوا الامتثال لهذه القرارات. كان رئيس تحرير مجلة «المسيرة البيروتية». وقد عبر عن رفضه بنشر فصول من كتاب جمال الغيطاني - أعاده الله من غربته معافاً سليماً - نجيب محفوظ يتذكر. في المجلة. ثم صدر الكتاب عن الدار.
لم أكن أتصور أن إبراهيم العريس مولود في سنة 1946 لديَّ إحساس أنه أكبر مني في السن. وأنه درس الإخراج السينمائي في روما. ودرس السيناريو والنقد في لندن. هو المسئول عن السينما في جريدة «الحياة» وعن محاولة طموحة لتأسيس تاريخ للعقل البشري والكتابة الإنسانية علي شكل باب يومي ثابت في جريدة الحياة. أتمني لو جمعت مادته في مجلدات.
له كتاب صدر مؤخراً عن دار الشروق عنوانه: يوسف شاهين نظرة الطفل وقبضة المتمرد.
2-جو يحاكم يوسف:
الجديد في هذا الكتاب ملحق عنوانه: سينما شاهين كما يراها جو. قدم إبراهيم العريس فيها توليفة من تصريحات شاهين حول أفلامه. جري اقتباسها وربطها، بالاستناد إلي حوارات طويلة أجريت مع الفنان، ونشرت في كتب أو في مجلات ، وقام بها وليد شميط، سمير نصري، تييري جوس، شارل تيسون ومارسيل مارتان، وذلك في «يوسف شاهين» لوليد شميط، محاورات سمير نصري مع يوسف شاهين ل «سمير نصري».
3-آراء شاهينية صادمة :
عندما تسأل أي فنان: ما عيوبك؟ يقول لك عيوبي أنني صريح وكريم وأحب الناس ولا أطيق الوحدة. وإن سألت فنانة: أين ترعرعت سيدتي؟ تقول لك: في جنة رضوان. لكن يوسف شاهين عندما قال رأيه في أفلامه يصدمنا بصراحة فاقت كل حد.
عند كلامه عن فيلمه الأول: «بابا أمين» 1950 قال: من الواضح إنني كنت سخيفاً. كنت أريد أن أمثل وكانت لي أنف طولها ستة أمتار وأذنان مثل شراع المركب. وقال لي واحد من المنتجين إنهم لا يستطيعون أخذي مأخذ الجدية، ونصحني بأن أزيد من وزني وأن أعتني بمظهري. فلو فعلت ربما ينتبه إليَّ أحد. إذ حتي كمخرج كان لا بد للناس أن يهتموا بمظهري.
وعن فيلمه «صراع في الميناء» 1956 حققه بعد عامين من البطالة. وجد نفسه وسط أوساط العمال. دون أن يفهم مشاكلهم. وأن البعد الاجتماعي في الفيلم لم يكن ناتجاً عن خيار سياسي مفكر وواضح. وأنه عاني كثيراً دون التمكن من إيصال بعض الأمور والأفكار. ثم قال:
- أسمع من يقول لي إن البلاد، قبل مجيء جمال عبد الناصر كانت أحسن حالاً، لا أصدق هذا. إن الناس الذين يعتقدون هذا، هم أناس لا ذاكرة لهم، أو أنهم اعتادوا أن يكونوا عبيد الآخرين. من شبابي كان لديَّ حس الحرية وكانت لدي رغبة في أن أنقل هذا الحس إلي الآخرين. كنت ولا أزال أتطلع إلي تعليم الناس احترام الآخرين. إن البعد الاجتماعي في أفلامي الأولي كان عفوياً.
4-باب الحديد 1958
- إنه يعني لي الكثير. عبرت فيه عن قناعتي بأن العلاقات بين الفرد والمجتمع غالباً ما تزيف، بفعل الدور الذي يجبر المجتمع الفرد علي لعبه، مع «باب الحديد» واجهت أزمة كبيرة. ارتكبت خطأ في طريقة الدعاية للفيلم، إذ ركزت علي بطلي الفيلم فريد شوقي وهند رستم، وكان لكل منهما أسلوبه الذاتي، في حين أنهما ظهرا في الفيلم بأسلوب مغاير. فلم يتقبلهما الجمهور.
كان «باب الحديد» جديداً في أسلوبه. أو لنقل كان مختلفاً. أما ردة فعل الجمهور فكانت عنيفة. وتضايقت جداً ووصل بي الأمر إلي حد الإعياء. «باب الحديد» كان صدمة شديدة. وهو من أفضل أفلامي لحد اليوم. كانت قفزة «باب الحديد» كبيرة نسبياً، والفيلم كان خطيراً جداً سياسياً. بعض المتفرجين بصق في وجهي ليلة الافتتاح وقال إن الفيلم معقد ومتشائم واتهمه بأنه معاد لمصر لأنه يظهر تعاسة الحرمان الجنسي الذي يعيشه بائع جرائد في محطة باب الحديد. لاحقاً اضطررت إلي تغيير أشياء في توليف الفيلم وإضافة لقطات قريبة لعيني قناوي المتفرستين بعدما أصر المنتج ومن حولنا علي أن هذه اللقطات ستساعد علي تفسير الأشياء.
خرجت من كل ذلك أتساءل: هل حقاً عليَّ أن أبتعد عن السيناريو تاركاً وضعه لغيري؟ وهنا أصحح خطأ شائعاً. قال إن نجيب محفوظ قد ساهم في الفيلم. محفوظ لا علاقة له ب «باب الحديد». فالفيلم بني علي حكاية حقيقية رويت لي، وكتب السيناريو عبد الحي أديب.
وعن فيلم «جميلة الجزائرية» 1958 قال: إنه بني علي فكرة ليوسف السباعي. وشارك في كتابة السيناريو له نجيب محفوظ وعبد الرحمن الشرقاوي وعلي الزرقاني. وأن الفيلم كان بداية تعامله المباشر مع موضوع سياسي في جوهره. يعترف أنه لم يكن قد كون لنفسه نظرة تحليلية ناضجة بالنسبة إلي لعبة السياسة العالمية. لقد عاب الجزائريون علي الفيلم أنه اهتم بشخصية بطولية بينما حرب الجزائر كانت ثورة الملايين. حين حققت «جميلة الجزائرية» لم أكن أعرف حقاً ما الذي يدور في الجزائر. كان ما يتناهي إليَّ من أخبار الجزائر قليلاً جداً. وحرصت علي أن تحمل الفكرة أكبر قدر من المصداقية. ما أدهشني أصلاً هو أن حكاية الفيلم اقتبست عن المحامي الفرنسي «جاك فرجيس »الذي صار لاحقاً زوجاً لجميلة الحقيقية. وما أدهشني هو أن أول فرنسي لم يتورع عن الدفاع عن الجزائريين.
وهنا افتتح هلالين لأقول إنني خلال تصوير «جميلة» أدركت أن الأجنبي محتل بلدي أيضاً. قبل ذلك لم أشعر بوجوده. هل لأنني نصف «خواجة» كان يعيش في الإسكندرية التي كان يعيش فيها 600 ألف خواجة؟ هل لأن صحافتنا عجزت عن كشف الاحتلال لأنها كانت تعاني من الضغط البريطاني؟ هل تعرضت إلي عملية غسل دماغ في طفولتي؟ لم أكن أدري بوضوح. وأذكر هنا أن هذا الفيلم عرض لاحقاً في فرنسا.
ويعترف أن أفلامه من «حب إلي الأبد» إلي «رجل في حياتي» كانت رديئة جداً. سببت له التعاسة. في الوقت نفسه لم تدخل أي قرش إلي جيوب منتجيها. قررت تزويد نفسي بالمزيد من المعرفة والعلم، وأخذت أدرس أصول الكتابة الدرامية من جذورها. وهكذا، إذا كنت وأنا في سن العشرين قد أصررت علي السفر إلي أمريكا لدراسة تقنية الإخراج السينمائي، فإنني عدت وأنا في الخامسة والثلاثين طالباً في علم البناء الدرامي. ومن ناحية ثانية كان لا بد لي من أن أتخذ موقفاً جذرياً إزاء نفسي ومهنتي، وأن أتخلص مما يسمي عادة بالفيلم التجاري. ووجدت أن الحل يكون في أن ألجأ أنا نفسي إلي الإنتاج. ودخلت عالم الإنتاج من دون استعداد، ومن دون فهم وإدراك لمتطلبات الإنتاج والسوق. وواجهنا مشاكل في العمل الجماعي. فالذين كانوا معي لم يكونوا أكثر دراية مني في مجال الإنتاج.
5-الناصر صلاح الدين 1963
تمكنت في بداية الستينيات من تجاوز المرحلة السوداء في حياتي والفضل يعود إلي المخرج المرحوم عز الدين ذو الفقار. كان من المفروض أن يخرج فيلماً عن صلاح الدين، إلا أنه تعرض لأزمة صحية فطلب مني القيام بإخراج الفيلم مكانه. رفضت الفكرة. عز الدين كان يعمل علي إعداد الفيلم منذ سنوات. فكيف أحل محله؟ إلا أنه أصر قائلاً إن هناك العديد من المخرجين الذين يتطلعون لإخراج الفيلم. ولكنه لا يريد أحداً غيري. فوافقت وبدأت العمل في صلاح الدين. ولا بد أن أذكر هنا أن الدول المصرية أنشأت القطاع العام في السينما خصيصاً من أجل «صلاح الدين».
منتجة الفيلم سيدة رائعة. ولا بد أن أذكر أن النساء هن الصانعات الحقيقيات للسينما المصرية. آسيا لم تكن تتقن، حتي القراءة، لكنها حفظت سيناريو الفيلم عن ظهر قلب. وهي أصرت علي إنتاج صلاح الدين كانت تتطلع علي إنتاج أكبر فيلم أنتج في مصر. قبل ذلك كانت آسيا قد أنتجت فيلماً يمجد الثورة الفرنسية. وبعده سألت جمال عبد الناصر عما يريد منها أن تحقق الآن فقال لها: «فيلماً عن صلاح الدين». وهكذا. في نهاية الأمر كان العمل علي هذا الفيلم. العمل علي الفيلم كان رائعاً حيث إن عبد الناصر وضع في تصرفنا أعداداً هائلة من الجنود الذين كنا نحتاجهم. وكان العمل متعباً أحياناً ونحن محاطون بستمائة شخص.
إن المجد الذي تمتعت به لاحقاً إنما جاءني بفضل هذا الفيلم، الذي يحمل الرقم 17 بين أفلامي. بعده فقط تم الاعتراف بي كمخرج حقيقي. ولكن كان من سوء حظي طبعاً أن كثراً قارنوا بين «الناصر صلاح الدين» وبين أفلام سيسيل ب - دي ميلي. وهذه المقارنة لا تسرني.
6-فيروز وهيكل والعودة لمصر:
عند حديثه عن فيلم بياع الخواتم 1966 يقول إنه زار بيروت في خريف 1964 وهناك التقي الأخوين عاصي ومنصور الرحباني اللذين عرضا عليه إخراج أول فيلم سينمائي لفيروز. عن مسرحية: بياع الخواتم. ثم يكمل: ولما كنت أنا في وضع سيئي جداً كان لا بد أن يظهر هذا الوضع علي الفيلمين اللذين حققتهما خارج مصر: بياع الخواتم ورمال من ذهب. لكن بياع الخواتم يبقي فيلماً دافئاً.
و«فيروز» شخصية فنية جبارة وموسيقي الأخوين رحباني جميلة جداً. أما «رمال من ذهب» الذي صورته في إسبانيا والمغرب، فأعتقد أنه أسوأ فيلم صنعته في حياتي. ولقد خرجت من تجربته باقتناع راسخ: أنا لا أصلح لما يسمي ب «كومبينات السينما».
حين زرت باريس بعد إنجاز الفيلمين، اجتمعت بالصحفي محمد حسنين هيكل، الذي كان مقرباً من الرئيس جمال عبد الناصر، فأنبأني بأن الرئيس عبد الناصر يريد مني أن أعود إلي مصر. ولم أكن أعرف ما الذي يدور في باله. بعد ذلك اتصل بي كاتب آخر ونقل إليَّ رغبة الرئيس، ثم كان اتصال من وزير الثقافة. وهكذا عدت إلي مصر بناء علي دعوة الرئيس. وطوال هذه العودة في الطائرة كنت أعتقد أنه سيكون في استقبالي إما رجال الشرطة «أصحاب القبعات الحمراء» أو السجاد الأحمر. لكني لم أجد لا هذا ولا ذاك. كان ينتظرني فقط صديق لي قام باستقبالي.
وعن فيلمه: «الناس والنيل». الذي أنجزه عام 1966 قال:
- كان المطلوب بالنسبة إليّ أن يكون الفيلم عادياً عادية الناس الذين كنا نستجوبهم. ولكن الذي حدث هو أن الخلافات سرعان ما تفجرت مع الرقابة، غير أن قول هذا لن يمنعني من أن ألقي اللوم علي نفسي أيضاً. فأنا كنت، أيضاً، شديد السطحية، وشديد القسوة مع الشعب المصري، ولا سيما بعدما حدث ما حدث من هزيمة في ذلك العام نفسه 1967.
7-ثلاثية النكسة
عدت لمشروع قديم كان يعتمر في ذهني منذ ثماني سنوات. تحقيق فيلم عن رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي. والتي قد نشرت للمرة الأولي مسلسله قبل عام 1952 وفي هذه الرواية كان الروائي يتحدث عما يعرفه أكثر من أي شيء آخر. كان هو نفسه فلاحاً. وكنت اشتغلت علي السيناريو مع حسن فؤاد واضطررنا لاختصار مشاهد كثيرة من عمل يزيد علي 600 صفحة.
بالنسبة للأرض. فإنني لدي كتابة السيناريو مع حسن فؤاد كنت أشعر أن عليّ أن أتخلي عن نزعتي العاطفية. عليّ أن أحترم واقعية عبد الرحمن الشرقاوي. وكان ما يهمني طريقته في رسم لعبة التناقضات الاجتماعية وسط عالم مصغر. والأرض هو فيلم عن الصراع الطبقي داخل قرية مصرية. وفيه رغبت أن أبرهن علي أن الناس غالباً يكونون تحت تأثير الوضع الاجتماعي الاقتصادي. صحيح أن أحداث الرواية والفيلم تدور في سنة 1933،غير أن هذا التحديد التاريخي لم يكن مهماً علي الإطلاق.
خروجًا أعلي الموضوع: هنا خطأ وقع فيه يوسف شاهين. فأحداث رواية الأرض تدور سنة 1934. ولو أن يوسف شاهين مطلع علي الأدب الروائي المصري لذكر أن نفس السنة - 1934 - تدور فيها أحداث رواية: القاهرة الجديدة لنجيب محفوظ، وهي التي حققها صلاح أبو سيف في فيلم جميل. وهما يشكلان معاً ضلعين من ثلاثة أضلاع اعتبرهما الدكتور أحمد يوسف ثلاثة أضلاع لمشروع يوليو السينمائي. وثالثهما هو توفيق صالح.
يكمل شاهين: والأرض كان يحتوي، في صيغته كرواية العديد من الطروحات المشتتة. كما أن الفعل فيه لم يكن ذا بعد درامي. وهكذا وجدت نفسي مضطراً إلي الاختصار، وإلي تكثيف الخطاب الذي أريد التعبير عنه.
في «الأرض» كانت المرة الأولي في حياتي التي آخذ وقتي بكل صبر وأناة عند عرض فكرة من الأفكار أو أمراً من الأمور. وأنا أعتقد أن «الأرض» هو واحد من أول الأفلام المصرية التي أعطت الكلمة إلي الشعب. وأن «الأرض» كان الأكثر نضجاً بين أفلامي، فأنا أبدو شديد العصبية في طريقة روايتي لحكاية من الحكايات، بشكل يجعل المتفرج شبه عاجز عن فهم ما يحدث.
كان «الاختيار» 1970 فيلمي الثاني بعد «الأرض». وقد حققته في مرحلة سياسية شديدة الغرابة. كنا في حالة أطلق عليها اللا حرب واللا سلم. نعيش وسط اللايقين. وكشعب لم نكن نحظي بأي احترام. كانت الكبرياء منتشر والحاسدون في كل مكان. وكان من الضروري وصف تلك الوضعية التي لا يمكن احتمالها. يومها لفت أحدهم نظري لحكاية عن الانفصام كان نجيب محفوظ كتبها. حكاية أخوين توأمين يختفي أحد منهما. فمن الذي قتل الآخر: هل القاتل هو الأزعر ذو القلب الطيب؟ أم المتعلم ذو الصفات الحسنة؟ والذي يمثلنا في منظمة الأمم المتحدة.
ورأيت أنه بات بإمكاني تحقيق نفسي بشكل أكثر انفتاحاً مع شيء من الجرأة الزائدة. والحال أن تحقيق «الناصر صلاح الدين» كان أعطاني مكانة ما؛ وعبد الناصر كان هو الذي دعاني للعودة إلي الوطن. وكنت قد حققت فيلم الأرض. لذا شعرت أن في إمكاني أن أقول ما أشاء. كانوا يحتاجونني وكنت أحتاج العمل. ومع هذا رفضت أن أكون مدجناً. هذا خارج طبيعتي. «الاختيار» فيلم عن رجل قال نعم وقبل بالتنازلات وخان نفسه فعاش انفصاماً في شخصيته.
ثم يصل إلي فيلمه الثالث: «العصفور» حققه عندما كان أنور السادات في الحكم. يعترف:
- لم أكن صاحب موقف نقدي ضد السادات. لم أكن أفقه أموراً كثيرة. لقد حققت بين الأرض والعصفور فيلم: «الاختيار». حيث تكتشف هذه الشخصية نفسها. شخصية الضابط الصغير خيانة المثقفين. ويكاد هذا الأمر أن يعبر عن حكايتي الشخصية. يمكنني أن أقول إنني لم أحتك بالعمال إلا حين بدأت أنا نفسي أصبح عاملاً. لقد تيقنت أن الغوص في حياة الجماهير هو الوسيلة الوحيدة التي تطلق وعي الواحد منا إزاء ضرورة أن يحقق فيلماً. ومن المعروف أن فيلم «العصفور» منع من العرض في مصر طوال ثمانية أشهر.
8-سيرته الذاتية
الأفلام الثلاثة التي تشكل ما اصطلح علي تسميته بالثلاثية الذاتية. وهي: «إسكندرية ليه»، «حدوتة مصرية»، و«إسكندرية كمان وكمان» أعتقد أن هذا الأخير هو الأكثر جنوناً. فيلمي هذا مفرط في الذاتية. نرجسي. لكني أقول فيه كم أخطأت وكم تصرفت كديكتاتور وكم غرقت في الأنانية. انظروا إليَّ كم فتحت عينيَّ ووضعت إصبعي علي الجروح ولمست جذورها.
إن الأسئلة التي تؤرقني: ما الذي فعلته في حياتي حتي اليوم؟ والسينمائي لا يحب عادة أن يترك هذا العالم من دون أن يترك وراءه إمارة أخيرة. تماماً مثل خوفو الذي بني أهراماً لتخليد ذكراه. أو مثل الجار الذي يؤمن بالمثل القائل: «من خلف لم يمت». أنا لم يكن لديّ ابن ولا أستطيع أن أبني أهراماً. فماذا أترك ورائي؟ بضعة أفلام وإذا كان علي المرء أن يترك شيئاً وراءه يمكن أن يترك الحقيقة حول حياته. شرط أن أدرك معرفة حياتي بشكل أفضل. وإن كان هذا لا يعني بالضرورة تحقيق أفلام أفضل. لقد تحدثت في «عودة الابن الضال» عن تفجر الحياة العائلية، ثم تحدثت في «إسكندرية ليه» مناضلاً ضد الذين يتهمون العرب باللاسامية، وأردت أن أقول في «حدوتة مصرية» أن علي المرء أن يجابه نفسه أولاً. وأن يتعلم كيف يقبل ذاته. فالمجابهة الأصعب والأقسي هي المجابهة الأصعب مع الذات.
هل قرأت صراحة أكثر من هذه لدي فنان بحجم يوسف شاهين حقق نفسه أكثر مما نتصور. ومع هذا واجه نفسه بكل هذا القدر غير العادي من الصراحة والشرف والنزاهة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.