اعتماد نتائج برامج كلية التجارة الدولية واللغات بجامعة الإسماعيلية الأهلية    محافظ الإسماعيلية يناقش مشكلات مياه الشرب بالمراكز والمدن والأحياء    إيران: القبض على 2 من عملاء الموساد بحوزتهما 200 كلغ متفجرات و23 طائرة مسيرة    مجلس اليد يحفز منتخب الشباب قبل انطلاق ماراثون المونديال    توماس مولر: واجهنا أوكلاند بشراسة هجومية.. واستمتعت بهدفي الأخير مع الجماهير    جلسة منتظرة بين جالاتا سراي ووكيل تشالهانوجلو    طارق يحيى: الأهلي خسر نقطتين أمام انتر ميامي.. وتغييرات ريبيرو لغز    لدغة ثعبان تُنهي حياة تلميذ في قنا    مصدر: إصابة رئيس ومعاون مباحث أطفيح و5 شرطيين وسائق في مداهمة أمنية    عرض «صورة الكوكب» و«الطينة» في الموسم المسرحي لقصور الثقافة بجنوب الصعيد    موعد ومكان عزاء نجل الموسيقار صلاح الشرنوبي    أحمد سعد يبدأ صيف غنائي حافل من الساحل.. ويحتفل مع طلاب الجامعة الأمريكية    ظهور مختلف ل كريم فهمي في «220 يوم».. والعرض قريبًا    عبير الشرقاوي: والدي كان حقاني ومش بيجامل حد    أسباب الوزن الزائد رغم اتباع نظام الريجيم    أمل مبدي: الشخص المصاب بمتلازمة داون مؤهل لتكوين أسرة بشرط    رحلة إلى الحياة الأخرى.. متحف شرم الشيخ يطلق برنامجه الصيفي لتعريف الأطفال بالحضارة المصرية القديمة    لميس الحديدي: كرة اللهب تتناوب بين تل أبيب وطهران.. ولا نهاية قريبة للحرب    شباب القلب.. 4 أبراج تتمتع بروح الطفولة    أمين الفتوى يوضح حكم الزيادة في البيع بالتقسيط.. ربا أم ربح مشروع؟    «الشروق» تكشف موقف بن شرقي بعد الغياب عن مباراة إنتر ميامي    عضو بالبرلمان التونسي: «الإخوان» اخترقوا قافلة الصمود وحولوها لمنصة تهاجم مصر وليبيا    وزير الشئون النيابية يحضر جلسة النواب بشأن قانون تنظيم بعض الأحكام المتعلقة بملكية الدولة في الشركات المملوكة لها    كيف تنظم المرأة وقتها بين العبادة والأمور الدنيوية؟.. عضو بمركز الأزهر تجيب    أوليس أفضل لاعب بمباراة بايرن ميونخ ضد أوكلاند سيتى فى كأس العالم للأندية    السعودية: وصول طلائع الحجاج الإيرانيين إلى مطار "عرعر" تمهيدًا لمغادرتهم    العمليات العسكرية الإسرائيلية وتوجيهات رئاسية جديدة تتصدر نشاط السيسي اليوم    رسمياً.. جينارو جاتوزو مديراً فنياً لمنتخب إيطاليا    جبل القلالي يحتفل بتجليس الأنبا باخوميوس أسقفًا ورئيسًا للدير (صور)    تنسيقية شباب الأحزاب تحتفل بمرور 7 سنوات على تأسيسها.. وتؤكد: مستمرين كركيزة سياسية في الجمهورية الجديدة    التعليم: تدريب مجاني لمعلمي الإنجليزية بالتنسيق مع السفارة الأمريكية -(مستند)    عائلة تطرح جزيرة في اسكتلندا للبيع بسعر أقل من 8 مليون دولار    بوستات تهنئة برأس السنة الهجرية للفيس بوك    صراع مع آلة لا تعرف الرحمة.. «نيويورك تايمز»: الذكاء الاصطناعي يدفع البشر للجنون    ضبط المتهمين بقتل سائق توك توك وإلقاء جثته بمقابر أسوان    التنظيم والإدارة يعلن ترتيب امتحانات مسابقات التوظيف بالجهاز الإداري للدولة    رئيس جامعة المنوفية يرأس لجنة مقابلات لتجديد مناصب مديري العموم وأمناء الكليات    إيران تنفي إرسال أيّ طلب إلى قبرص لنقل «رسائل» إلى إسرائيل    محافظ الغربية يجرى جولة مفاجئة داخل مبنى الوحدة المحلية بسبرباى بمركز طنطا    الجريدة الرسمية تنشر قرارا جديدا ل رئيس الوزراء (تفاصيل)    طب قصر العيني تُحقق انجازًا في الكشف المبكر عن مضاعفات فقر الدم المنجلي لدى الأطفال    طريقة عمل فطيرة السكر باللبن في خطوات بسيطة    قوافل الأحوال المدنية تواصل تقديم خدماتها للمواطنين بالمحافظات    في عيد ميلاده ال33.. محمد صلاح يخلد اسمه في سجلات المجد    توتنهام يضم الفرنسي ماتيل تيل بشكل نهائي من بايرن ميونخ    سعادة بين طلاب الثانوية العامة في أول أيام مارثون الامتحانات بالقليوبية    "لا للملوك": شعار الاحتجاجات الرافضة لترامب بالتزامن مع احتفال ذكرى تأسيس الجيش الأمريكي    قرارات إزالة لمخالفات بناء وتعديات بالقاهرة وبورسعيد والساحل الشمالي    استمرار استقبال محصول القمح المحلي للمواقع التخزينية بالشرقية    يسري جبر يوضح تفسير الرؤيا في تعذيب العصاة    "طوارئ" بشركات الكهرباء تزامنًا مع امتحانات الثانوية العامة    ترقب وقلق.. الأهالي ينتظرون أبناءهم في أول أيام امتحانات الثانوية العامة| شاهد    محافظ أسيوط يشهد فعاليات اليوم العلمي الأول للتوعية بمرض الديمنشيا    «خلافات أسرية».. «الداخلية» تكشف ملابسات مشاجرة بالأسلحة البيضاء في البحيرة    تداول امتحان التربية الدينية بجروبات الغش بعد توزيعه في لجان الثانوية العامة    أولياء أمور طلاب الثانوية العامة يرافقون أبنائهم.. وتشديد أمنى لتأمين اللجان بالجيزة    بمناسبة العام الهجري الجديد 1447.. عبارات تعليمية وإيمانية بسيطة للأطفال    الغارات الإسرائيلية على طهران تستهدف مستودعا للنفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وائل عبد الفتاح يكتب: هل تُحكم مصر بالعصابات السرية؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 06 - 08 - 2010


اختارت الأسرة أن تنهي النعي بالآية القرآنية:
«.. ولكم في القصاص حياة ياأولي الألباب لعلكم تتقون..» بعد أن افتتحت النعي بآية أخري:
«ولا تَحْسَبَنَّ الَذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"»
أسرة المستشار أحمد زكي العشمأوي رئيس محكمة الجنايات السابق ارادت بالأيتين الإشارة إلي شكوكها في الطريقة الغامضة للموت.
الموت حدث فجأة و أثناء نظر المستشار لقضية أكياس الدم الفاسدة( أصدرت المحكمة حكمها ببراءة المتهمين بعد موت العشمأوي بسنوات ..).
القاضي لم يمت ميتة عادية، هذا ما أعلنت عنه أسرته، مات شهيدا. و قتلته لهم مصالح في التخلص الصامت من «جلاد الفاسدين» الذي حكم علي مافيا يوسف والي في وزارة الزراعة ...إعلان بلا صوت، وموت صامت بالسم ربما.
هذه حكاية حدثت قبل سنوات من الحادث الذي راح ضحيته المستشار ممدوح السقا علي طريق الساحل الشمالي.
العشماوي مات علي سريره، و حسب الرواية التي شاعت وقتها، تم ذلك عبر دس منظم للسم، طريقة لا يقوم بها إلا عصابة منظمة و ليس مجرد قاتل مأجور، ولكنها جريمة منظمة..من وجهة نظر كتبت و تداولت في جلسات لنميمة السياسة، و حلقات المعارضة، بل و أطراف من نجوم السلطة و الثروة في مصر.
هذا الشعور بوجود عصابات منظمة تقتل القضاة ...ربما أكثر تأثيرا من وجود العصابات نفسها.
وربما علا بعد حكم براءة هاني سرور الصوت الذي قال إن القضية كلها مؤامرة في إطار حروب «الكار» أو منافسات بين ديناصورات أجنبية و محلية في صناعة الدواء.
ليس هذا موضوعنا ....الموضوع هو أن فكرة وجود عصابات سرية في مصر، فكرة قائمة و موجودة، تعبر عن وجود قوي موازية لسلطة الدولة.
قوي مالية و عائلية و ربما طائفية و سياسية، تحاول حسم الحروب الصغيرة، و قطع الطريق علي من يهدد مصالحها...عبر تجنيد عناصر مدربة في عصابات محترفة .
الشعور بوجود هذه العصابات أحيانا أخطر من وجودها...فعلا...لأنها ربما تكون في لحظة من اللحظات عنصراً حاسم في حسم معركة سياسية أو قضائية، يتعطل فيها القانون و ينتصر فيها الأقوي أو الأكثر قدرة علي الإيحاء بأنه الأقوي.
1
العصابة سر القوة.
عامل الحسم السريع... واستعراض الجبروت، و التعبير الواضح عن شعور أصحاب الثروات القلق من ثرواتهم.. وشعور الجمهور المتفرج علي الثروات بأن هذه الثروات تحميها عصابات منظمة.
ومن الطبيعي .. وفي ظل مناخ مشحون بصراع القوي الخفية..أن يكون أول رد فعل هو ربط مصرع المستشار السقا، في حادث علي طريق الساحل، أثناء اشتعال معركة قانونية حول عقد «مدينتي».
المستشار السقا أسندت إليه مهمة كتابة مسودة الحكم ببطلان العقد، ولم يستغرق الأمر أربعين يوما لتسرب أسرة القاضي إعلانها المكتوب عن شكوكها في طريقة القتل.. ولكن بعد اقل من دقيقة من الحادث كان التفسير الوحيد لدي غالبية واسعة: إنها عملية قتل بلا بصمات.
يحدث هذا رغم أن قتل القضاة ليس تقليدا في مصر.
ربما يكون تقليدا في أمريكا اللاتينية، و كان تقليدا في إيطاليا خلال حرب القضاء والمافيا في منتصف الثمانينيات.
لم يقتل في مصر الحديثة سوي قاض من المحاكم العسكرية علي يد جماعات الإرهاب الإسلامي.
التفكير في جرائم من هذا النوع جديد علي مصر، و يشير إلي خيال أصبح يقبل أنواعاً من جرائم تفوق الحدود التي كانت تقصر الجرائم الغامضة علي أجنحة أو أجهزة في الدولة، ولعل جراءم شرفات لندن، هي أقصي ما وصل إليه خيال الجمهور المتفرج علي صراعات القوي في مصر، و هناك حادثة أخري تخص المشير أحمد بدوي وزير الدفاع حينما سقطت به طائرة الهليكوبتر، وقيل إنها عملية تخلص من منافس قوي.
خيال نشيط في نسج قصص عما يدور في كواليس دولة عسكرية، يتصارع فيها العسكر، لينتصر الأقوي و الأكثر قدرة علي التخلص من منافسيه.
القصص ربما تكون قد حدثت، أو تسربت أسرارها بفعل أجهزة ما، لكن رد الفعل الأول يكون من صنع المناخ الغامض ،لصراعات مالية و سياسية... أو بين قوي تخفي ثلاثة أرباع قوتها في خابيد غير معلنة بشكل رسمي، ولكنها ظاهرة لمن يتابع و يدقق، و يقدر علي تخيل ما يدور خلف الأسوار العالية.
خاصة أن أطفال السلطة، المدللين خرجوا عن السيطرة، ويمارسون حياة فوق الخيال ..يشاهدها جمهور متعطش ... لمشاهدة الدم والقتلة.. ليفسر غياب العدالة.
2
عدالة تجعل من أشخاص «UNTOUCHABLE»
ممنوع الاقتراب واللمس.
شخصيات فوق القانون، يحميهم جيش من المأجورين، و عصابات تزوير وقتل وتلفيق قضايا .
الوجود بالعصابات...أصبح قانونا.
لا فرق هنا بين شخص مشاغب يبني سمعته علي امتلاكه عصابة سرية.
وبين شخص يؤجر بلطجية، لكنه طيب، و لا يحب المشاكل.
لكنه قانون الملعب اذا أردت البقاء داخله.
العصابات السرية موجودة و تحسم الخلافات وتفرض حضور القادر علي دفع تكاليفها. أحد مهامها :تصفية أصحاب اللسان الطويل. أحد خبراء الحكايات الخفية روي لي أكثر من مرة عن عصابة حقيقية يديرها سرّاً ومباشرة شخص كبير في السلطة. كبير بالمعني الموجود في السنوات الأخيرة. قريب جداً من القصور التي تحكم مصر. لديه ألف يد تطول كل كبيرة وصغيرة. لا مكان بعيداً عن سطوته. ولا متعة مستحيلة التحقيق. يمتلك السلطة والثروة. وكان ينقصه السلاح فاكتشف موضوع العصابة التي يمكنها تصفية الخصوم وتأديب المعارضين. ويمكنها أيضاً ضمان السكوت عن فضائح يراها أهل الليل والسهر وهواة الاقتراب من الكبار. العصابة هي الستار الحديدي الذي يعمي الأبصار عن فضائح الكبير وغزواته الليلية. قد تكون العصابة حكاية من اختراع خبير الأسرار، أو شائعة منتشرة في كواليس السلطة. ويريد صاحب النفوذ بانتشارها بث الرعب في قلب من يفكر في الاقتراب أو كشف المستور. لكن الحقيقة أن السياسة في مصر لم تعد بعيدة عن مناخ حرب العصابات. وعصابة الكبير ليست موجّهة فقط للمعارضين، لكنها جاهزة لتصفيات علي مستوي ضيّق في النخبة. يمكنها أن تؤدّب من تجاوز دوره علي طريقة المافيا. وما يحدث في مصر ليس بعيداً عن أجواء المافيا. العائلة هي نواة التنظيم الكبير. ليس المهم أن تكون العائلة رابطة دم أو زواجاً فقط، وهو ما حدث في نظام حسني مبارك إذ تحوّلت النخبة إلي عائلة بفعل المصالح. هذه المجموعة لا تمتلك أدوات جديدة غير التي تعلّمتها عبر نصف قرن. وليس أمام هذه المجموعة، وهي في لحظة ضعف، لحظة دفاع أخير عن الكرسي، إلا أن تستخدم أي أسلوب حتي القتل أو التصفية المعنوية أو الجسدية. عقلهم مرعوب من فكرة التغيير. عقل موظفين يعيشون أمراض الشيخوخة. عقل بُرمج علي خدمة السلطة ولا يمكن أن يبدع أو يفكر خارج برنامج الخدمة الدائمة للجالس علي العرش. ليس أمام هذه المجموعة إلا التضامن للحفاظ علي شبكات الفساد. هناك في الحكومة وزراء ليسوا فوق مستوي الشبهات. وفي مواقع المسئولية، تحوّل الفساد إلي قانون من الموظف الكبير إلي الصغير. قانون تحميه أخلاق الحفاظ علي الأسرار وتوريط الجميع في العمليات القذرة. وهو أسلوب شهير في المافيا.
3
روي قاضٍ شارك في الرقابة علي انتخابات 2005، إنه بعدما انتهي التصويت، وُضع الصندوق في سيارة الشرطة وركب معه متوجهاً لإعلان النتيجة. فجأة قطعت عليه الطريق ميليشيا مسلحة من عائلة أحد المرشحين. طلبوا منه تسليم الصندوق. لم ينقذ القاضي تدخّل الشرطة، بل ظهور ميليشيا العائلة المنافسة.?كيف تكونت هذه الميليشيات؟ هل بعيداً عن أعين الدولة؟أم أن الدولة لعبت بها لكنها خرجت عن السيطرة؟
كل عائلة كبيرة، لها طموح مالي أو سياسي، تشكل عصابة داخلية، أو تبحث عن قتلة مأجورين، لتزرع بها قوتها في حرب المواقع المالية والسياسية.
ومازالت قصة البربري ..قريبة من الذاكرة..
يومها فوجئت القرية بالزائر الغريب. لم تره، لكنها شعرت بوجوده. شخص مهم، لكنها لم تدرك أنه وزير الداخلية. خبر صغير في صحيفة واحدة فقط قال إن اللواء حبيب العادلي زار قرية العطار سرّاً. الزيارة خطيرة وطعم الحريق لا يزال موجوداً في القرية التي استيقظت علي مذبحة انتقام واسعة في يوليو 2008. الزيارة «السريّة» أثبتت أنها أكبر من مذبحة. ما حدث كشف عن ظاهرة تنمو في مصر، أسميتها عندما كتبت عن الحادث : ميليشيا العائلات. سر الظاهرة لم يدفن مع «البربري»، الرجل الذي قرر أن يمنع مرور خط مياه الشرب إلي بقية بيوت «عزبة الكلاف». البربري لم يكن غنيّاً ولا قويّاً قبل سنوات قليلة لكنه، حسب روايات من شهود خافوا من إعلان أنفسهم، تحوّل وأصبح كبيراً في المنطقة بعد صولات وجولات في تجارة الأسلحة والمخدرات. ربما فسّر هذا كمّ الأسلحة المستخدمة في حرب الانتقام لقتل البربري، التي تمت بطريقة سينمائية: كتيبة إعدام من العزبة اقتحمت بيته وأفرغت في جسده 70 طلقة. الرد كان علي طريقة الحروب الأهلية. فرقة انتقام من أهالي القتيل قرّرت تدمير العزبة. استخدمت ترسانة سلاح كاملة: بنادق آلية و1000طلقة وأسطوانات غاز وأسلحة بيضاء وعصي. 15بيتاً من بيوت القرية أحرقت والقتلي حتي الآن 12، وهم نسبة كبيرة مقارنة بسكان العزبة (900). غالبية القتلي من الأطفال. أي أنها لم تكن حرباً بين طرفين ولم يُقتل المقاتلون، لكن هناك عائلة تمتلك القوة والأرض والسلاح قررت الانتقام لكبيرها. هذه العائلة لم تفكر أنها تعيش في دولة. النظام بكل أجهزته الأمنية والسياسية كان غائباً عن تفكير صاحب القرار ومنفذي العمليات وكما كان كبير العائلة يتصرف تحت حماية يشعر بها أهالي العزبة ولا يعرفون مصدرها بشكل واضح، قرر الابن أن يتصرف بالطريقة نفسها تقريباً، كما لو كانت الدولة غائبة، أو أنه وعائلته هم الدولة في هذا المكان. من كان يحمي البربري؟ وأين غابت ترسانة السلاح عن أعين أجهزة الأمن؟ وكيف تكونت ميليشيات عائلية بهذه الروح الانتقامية والقوة المفرطة في عزبة ليست في أدغال الصعيد، بل تبعد عن العاصمة أقل من 50 كيلومتراً؟ لم يكن البربري يتخيّل أن يخرج أهل القرية عن طاعته. إنه حاكم المنطقة غير المعلن ميليشياته تبث الرعب (قيل إنها وصلت إلي 150 مقاتلاً) وعائلته تفرض نفوذها الخفي الذي يخرس الألسنة ويجبر الأهالي علي السير إلي جوار الحائط. قيل الكثير عن قوة البربري وسطوته وعن علاقته القوية برجال الشرطة. لا أحد يستطيع التأكيد أو النفي، لكن لا أحد أيضاً من الداخلية أصدر بياناً عن تحقيق جنائي مع ضباط الأمن المسئولين عن المنطقة. هل كانوا يعرفون بترسانة السلاح لدي عائلة البربري؟ الأسئلة بلا إجابات حتي الآن، وهو ما يحوّل ميليشيا البربري إلي أسطورة جديدة يتداولها الناس بمزيج من الرهبة والخوف. والبربري ليس الأول. وبالطبع لن يكون الأخير.?هو ثالث زعيم ميليشيا عائلية يهز مصر كلها في السنوات الخمس الأخيرة. الأول كان عزت حنفي في النخيلة (محافظة أسيوط في الصعيد) والثاني نوفل سعد ربيع أو «خُط الصعيد الجديد» في حمرادوم في محافظة قنا. عزت حنفي يقود ميليشيا عائلية حوّلت السكان كلهم إلي عصابة زراعة وتجارة المخدرات. هو أدي أدواراً في مساعدة الأمن للقضاء علي الإرهابيين، لكنه في المقابل تمتع بحماية أقام في ظلها دولته التي تحرسها ترسانة مكونة من مدافع طراز «غرينوف» وبنادق آلية ومسدسات سريعة الطلقات وملايين الذخيرة الحية. سقوط النخيلة كشف عن ترسانات الأسلحة السرية في الصعيد وكشف سقوط نوفل سعد الدين ربيع عن ترسانة أخري ظلت قوات الأمن تحاصرها أياماً وليالي طويلة قبل أن يصطاد أحد القناصين «الخُط الجديد» (الخُط القديم ظهر قبل الثورة، وكان قاطع طريق صعب الاصطياد، وانتشرت أسطورته فترات طويلة). المرعب هنا أن السلاح في يد ميليشيا العائلات يتحوّل إلي ورقة سياسية تمنع تغيير الأوضاع الراهنة، فالميليشيات جاهزة للسيطرة. ومقابلها تتكون ميليشيات تحاول الحفاظ علي التوازن. سلاح الميليشيات العائلية سيكون الحل الأخير أو المتاح أمام انهيار مؤسسات السيطرة والاحتواء. ظاهرة تستحق التأمل، وخصوصاً أن هناك ما يجمع بين الحوادث الثلاث، وهي أن وراء كل ميليشيا زعيماً. من المفترض أن يكون شخصاً عادياً، لكنه فجأة يتحوّل إلي «زعيم مافيا» يحكم ويتحكم ويدير عصابات ويؤدي أدواراً في السيطرة علي منطقته. هذا الدور يقال إنه بتكليف من الأجهزة الأمنية. ولا رد من الأجهزة سوي تصريحات بالنفي لا يصدقها الناس غالباً. البربري لم يصل إلي مستوي عزت حنفي أو نوفل سعد، لكنه تصرّف مثلهم، أو كان في طريقه لفرض سيطرته علي المنطقة. وهذا لا يكون إلا مكافأة. السؤال هو علي ماذا؟ علي تأمين المنطقة أو علي إرشاد المباحث عن أسلحة ومخدرات. أخطر الأدوار تكون عادة في «تقفيل» الانتخابات وسرقة الصناديق أو تخويف الخصوم وأداء دور سرّي في حسم الانتخابات.
كم عصابة سرية ستشارك في صنع مستقبل مصر السياسي؟
الخوف من عصابات سرية طائفية.
والملف الحساس يفتح كلما طار الرصاص بين مسلمين ومسيحيين.
من أين يأتي الرصاص؟
وهل يستخدم الآن في تسليح عصابات نائمة ستخرج في لحظات الفوضي بترسانات لم تكشف عنها تجريدة الشرطة الموسمية...؟
هل هناك من يغذي عصابات سرية للمسلمين وأخري للمسيحيين؟
تؤكد الحكايات عن وجود سلاح فعلا في أماكن عبادة، وبرعاية مشايخ و كهنة...، معتمدين علي رواج تجارة السلاح في الصعيد.
السلاح في الصعيد عادة اجتماعية. السلاح شرف الصعيدي. وهذا ما جعل التجريدة المعتادة روتينية ويلزم كل بيت في الصعيد أن يسلم مكتب رئيس المباحث التابع له قطعة سلاح. لا يقبل الضابط أن يقال له: «لا نملك سلاحاً». ولأن نوع السلاح يرتبط بالوضع الاجتماعي، فإن العادة اقتضت أن يحتفظ بالسلاح الأصلي، بينما يشتري نوعاً أقل جودة لتسليمه. وغالباً ما يعاد بيع بعض هذا السلاح في السوق السوداء لمشترين جدد. أصبحت «التجريدة» تحريكاً لدورة رأس مال تجارة السلاح الممنوعة في مصر منذ سنة 1954 إلا تحت إشراف الأجهزة الرسمية. إلا أنه منذ قرار حكومة جمال عبد الناصر، أثناء التصدي للعدوان الثلاثي 1956، بتسليم السلاح للمقاومة الشعبية، تحولت التجارة الممنوعة إلي سوق كبير لا تقتصر علي المسدسات الصغيرة، لكنها تشمل أيضاً مدافع وآليات حديثة. تنتعش تجارة السلاح في الأزمات والفتن وتنتشر الترسانات والمخازن. قبل 5 أعوام، هاجمت قوات الأمن جزيرة «النخيلة»، التي تحول سكانها جميعاًَ إلي عصابة زراعة وتجارة المخدرات. قائدها أدي أدواراً في مساعدة الأمن للقضاء علي الإرهابيين، لكنه في المقابل تمتع بحماية أقام في ظلها دولته التي تحرسها ترسانة مكونة من 7 مدافع طراز «جرينوف» وبنادق آلية ومسدسات سريعة الطلقات وملايين الذخيرة الحية. سقوط «النخيلة» كشف عن ترسانات الأسلحة السرية في الصعيد، لكن لم يعلن اكتشاف مخازن سرية خاصة في الكنائس، رغم أنه في عام واحد اكتشفت الأجهزة الأمنية 27 ألف قطعة سلاح مهربة. بالتأكيد هي وقود الفتن المحتملة ومقرها مخازن لا يعرف الأمن خرائط وجودها. آخر الأرقام تقول إن السلاح المرخص في مصر لا يتجأوز 167 ألف قطعة. ولا يقارن الرقم بالسلاح السري الذي يمكن أن يتحول إلي عناصر حسم سياسية في الصعيد أو سيناء، حيث ضبطت قوات الأمن أخيراً كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات مسروقة من كمائن الشرطة، من دون أن تعلن الجهة السارقة. قد تكون منظمة متطرفة خارج الرصد أو منظمة قديمة تشهد إعادة إحياء أو إحدي توكيلات «القاعدة» النائمة. لكن الخطر هو سلاح الدفاع عن النفس، سواء من المسيحين أو من جماعات مضطهدة اجتماعياً أو دينياً. السلاح هنا سيكون فعالاً مع إغلاق النظام لمنافذ الحوار والتعبير. السلاح وسوقه سيتحوّلان إلي عنصر من عناصر التغيير المرعبة، لأنه سيكون الحل الأخير أو المتاح أمام انهيار مؤسسات السيطرة والاحتواء. هل هناك مخازن أسلحة في الكنائس؟ هل تتسلح جماعات سياسية ستخرج من حال بياتها الشتوي الإجباري؟ الفتنة نائمة لكنها ليست بعيدة. ويمكن أن نري أن هناك سلاحاً يعد الآن للرفع في وجه نظام يغلق الطرق السريعة أمام السجال السياسي ويحاصر معارضيه في حارات ضيقة ويهددهم بالسجن أو الموت البطيء بالعزلة، ولن يكون أمامهم إلا العودة إلي خلايا مهجورة تعلن قوة يمتصها جبروت آلات النظام. وأمام استشراء السلاح في الشوارع، لن يكون بعيداً أن يحسم السلاح ملفات حساسة، بداية من التهميش السياسي لفئات مهجورة مثل البدو في سيناء، وليس انتهاءً بالدفاع عن الكنائس في مواجهة الجنون الطائفي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.