الذي حدث لقافلة شريان الحياة في العريش وعند مدخل غزة في رفح.. يعتبر مأساة وفضيحة تضيف صفراً كبيراً ثالثاً إلي جانب صفري المونديال والجامعات المصرية.. أصفار ثلاثة تعني فشل وسقوط نظام الحكم بالثلاثة وبدرجة ضعيف جداً.. وهي درجة الطالب البليد الذي يستحق الفصل. وصفر المونديال هو صفر في اللعب.. بينما صفر الجامعات المصرية فهو صفر في العلم.. أما صفر الدبلوماسية فهو صفر في إدارة السياسة الخارجية لمصر. ورحم الله السادات عند ظلمه للدبلوماسية المصرية التي ما فلحت إلا في جلب المعار والأزمات علي مصر والعياذ بالله.. فقد تشبه الرئيس السادات بالرئيس الأمريكي الذي جعل من الدستور الدبلوماسي الأول للولايات المتحدةالأمريكية، ومنحه سلطات واسعة في السياسة الخارجية.. تدبيراً وتفكيراً وإدارة وتنفيذاً بالإمكانات الهائلة للدولة العظمي الأولي في العالم.. مما جعل رؤساء جمهوريات العالم الثالث ينبهرون بالنظام الرئاسي الأمريكي وينقلونه إلي دساتير بلادهم.. ومنهم الرئيس السادات غفر الله له. فقد وضع لنا الدستور الدائم لعام 1971 منقولاً نقلاً حرفياً عن الدستور الأمريكي فيما يتعلق بسلطات الرئيس الواسعة.. وكان رحمه الله منصفاً عندما نقل من ذات الدستور الأمريكي نص المادة التي تقول إن الرئيس المنتخب لا يبقي في منصب الرئاسة إلامدتين فقط.. وأعلن الرئيس التزامه بتلك المادة الدستورية ذات الأصل الأمريكي، وأوحي إلينا بأنه سوف يعتزل الرئاسة بعد مدتين فقط. إلا أنه رحمه الله عجل قبل وفاته بسنة بتعديل الدستور في المادة 77 وجعلها تُبقي علي الرئيس في منصب الرئاسة مدي الحياة.. ولم يستفد هو من ذلك التمديد، إذ شاء ربنا سبحانه وتعالي ألا يمد في حياته بعد 6 أكتوبر 1981.. وسبحان الحي الذي لا يموت.. ويا حسرة علي من لا يعتبر. وبعد مقتل السادات في حادث المنصة وتولي الرئيس مبارك سمعناه زاهداً محتسباً مصيره عند الله بقوله: «إن الكفن ليست له جيوب»، ومرت مدته الأولي في الرئاسة ثم تلتها الثانية.. وليته توقف عندها حتي لا يصل بنا بعد 29 سنة من حكمه إلي ما وصلنا إليه من الأصفار العديدة في السياسة الداخلية والخارجية.. ففي الداخل فساد وغلاء وبلاء وكرب شديد زادته أزمات وراء أزمات ليس آخرها أزمتنا مع دول نهر النيل، ثم الأزمة الطائفية التي انفجرت في الصعيد في نفس أسبوع الشئوم للسياسة الخارجية الذي شاهد العالم كله فضائحه في الجدار الفولاذي الذي تبنيه مصر بأمر الرئيس صاحب السلطات الواسعة التي صاحبت لنا العار في المجتمعات الدولية العربية والأفريقية والإسلامية، وكل العالم الحر الذي لم يهضم أفعال نظام الحكم في الدولة التي سماها الدستور «جمهورية مصر العربية»، «وإن الشعب المصري جزء من الأمة العربية يعمل علي تحقيق وحدتها الشاملة كما تقول المادة الأولي ،بعد أن قالت وثيقة الدستور ذاته «إن الوحدة أمل أمتنا العربية، عن يقين بأن الوحدة العربية نداء تاريخ ودعوة مستقبل وضرورة مصير»، وإذا بنظام الحكم الرئاسي يحطم كل تلك المعاني ويهرع في ركاب أمريكا وإسرائيل اللتين تريدان تشديد الحصار علي الشعب الفلسطيني في غزة وتخضع مصر لهما خضوعاً مذلاً أثناء العدوان الإسرائيلي الوحشي علي غزة من 27 ديسمبر 2009 حتي 18 يناير 2010، وتمنع أمام شاشات العالم التليفزيونية.. تمنع مرور المساعدات الغذائية والطبية الواردة من شتي أنحاء العالم لنجدة الشعب العربي المحاصر من جميع الجهات إلا من جهة معبر رفح المصري الذي لم يتورع نظام الحكم قاسي القلب عن غلقه أيضاً مما أثار الرأي العام العالمي علي مصر، فرأينا المظاهرات الحاشدة التي تهتف ضد مصر وتحاصر سفاراتها وتحرق أعلامها.. ولا يرتدع نظام حكم الرئيس مبارك وينقذ وجه مصر.. بل يزيده سوءًا بمنع قافلة شريان الحياة بقيادة النائب البريطاني جورج جالاوي من الوصول إلي غزة مروراً من ميناء العقبة الأردني إلي ميناء نويبع المصري، ويفرض علي القافلة فرماناً ظالماً بأن تعود أدراجها من الأردن إلي سوريا وتشحن نفسها في مراكب من ميناء اللاذقية السوري إلي ميناء العريش الصغير الذي لا يستوعب عربات القافلة.. ثم تكون المأساة التي شاهدها العالم والبوليس المصري يضرب أعضاء القافلة بالعصي وخراطيم المياه المحملة بالرمال، والقنابل المسيلة للدموع في فضيحة مدوية نقلتها القنوات الفضائية علي شاشات تليفزيونات العالم. وسبحان الله الذي لم يشأ أن يستر هذا النظام.. فمن دعوات الصالحين «اللهم استرنا ولا تفضحنا».. والفضيحة تعني أن الله ليس راضياً عن هذا النظام ورئيسه.. فقط حنثوا جميعاً بالدستور والقانون الإنساني الدولي والعهد مع الله ورسوله- صلي الله عليه وسلم- والحنث بقسم الدستور معروف ومشهور ومعلوم بالجدار والحصار للجار العربي الذي قال عنه الدستور بالنص: «نحن جماهير هذا الشعب الذي يحمل إلي جانب أمانة التاريخ مسئولية أهداف عظيمة للحاضر والمستقبل، بذورها النضال الطويل والشاق، الذي ارتفعت معه علي المسيرة العظمي للأمة العربية رايات الحرية والاشتراكية والوحدة». فهل كان الحصار الظالم الذي قام به نظام الحكم حول إخوتنا العرب في غزة، ثم في العدوان الغاشم علي قافلة «شريان الحياة» عند العريش وحركة الحرية للوفود الأجنبية الحرة التي أتت للقاهرة فمنعها نظام الحكم من الانتقال لغزة للتضامن مع شعبها في ذكري مرور سنة علي العدوان الإسرائيلي الإجرامي في 27 ديسمبر من العام الماضي.. هل كان ذلك متفقاً مع الأمانة الدستورية للتضامن مع إخوتنا العرب الفلسطينيين علي حدودنا المصرية؟ وهل «احترم» نظام الحكم القانون الدولي الإنساني في معاهدات جنيف لعام 1949 وعام 1977 الذي يلزم مصر وغيرها من الدول بنجدة الشعب المحاصر عن طريق تزويده بالمواد الغذائية والطبية وغيرها كمواد الوقود الذي تمنعه إسرائيل عن غزة.. فلا كهرباء ولا غاز للوقود ولا أسمنت ولا حديد لإعادة بناء آلاف المساكن التي دمرها العدوان الإسرائيلي الغاشم منذ سنة.. أم أن مصر قد وقفت في الجانب العنادي الإسرائيلي- الأمريكي بتشديد الحصار معهما بالجدار الفولاذي، وغلق معبر رفح أمام قوافل الإغاثة كقافلة «شريان الحياة» وقافلة «حركة الحرية العالمية» التي ضُربت في القاهرة كما ضُربت قافلة «شريان الحياة» في العريش. بل هل استجابت حكومة هذا البلد لأمر الله سبحانه وتعالي وأحاديث الرسول- صلي الله عليه وسلم- التي تدعو لنجدة الجار المحاصر في غزة علي حدودنا مباشرة.. «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي» (النحل 90)، أين هو العدل والإحسان المصري أمام الظلم الصهيوني الإسرائيلي- الأمريكي الطاغي علي إخوتنا المسلمين في غزة؟.. وقال رسولنا - صلي الله عليه وسلم- «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه».. «من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كُربة فرج الله عنه كُربة من كرب يوم القيامة» و«من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة» و«الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه».. فهل الحصار الذي يفرضه نظام الحكم علي غزة ويتشدد فيه بالجدار الفولاذي وغلق معبر رفح أمام قوافل الإغاثة الأسبوع الماضي وقبل ذلك بأسابيع وأشهر كثيرة في حصار يقترب من حرب الإبادة «Genocide» الإبادة الصهيونية لشعب عربي مسلم.. هل هو مشروع ومقبول؟. وحتي نسمي الأشياء بأسمائها.. فإن المسئولية عن كل ذلك تقع علي رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك.. الحاكم العسكري بطبيعته ووظيفته الأصلية.. ثم حاكم عسكري عام للبلاد منذ 29 سنة طبقاً لنص قانون الطوارئ الذي فرضه علي البلاد لاغياً بذلك روح الدستور المصري إلا من النصوص التي جلبها علينا السادات في دستوره الدائم التي منحت الرئيس السلطات الواسعة التي يتمتع بها الرئيس الأمريكي في نظام الحكم الرئاسي.. ولكن مع وجود كونجرس ديمقراطي قوي يُقيد من ممارسة الرئيس للسلطات المطلقة.. فيحاسبه ويرفض سياسته بل ويحاكمه ثم يُسقطه شعبه في الانتخابات النزيهة الحرة. فهل يوجد في دستور النظام المصري تلك الضمانات التي كانت كفيلة بترشيد سياسة رئيس الجمهورية.. الدبلوماسي الأول في البلاد؟ هل رأيتم حاكماً عسكرياً يصلح لأن يكون دبلوماسياً؟.. أي يدير السياسة الخارجية للبلاد بأسلوب دبلوماسي لا يجلب لنا المصائب.. بل العار والأزمات المتوالية والعياذ بالله. حسبنا الله ونعم الوكيل.