«آخر الأسود لن يرحل مبكرًا».. هذا ما قالته صحيفة أمريكية عن أيام الرئيس مبارك الأخيرة، هو الأخير الباقي من جيل الحكام العرب القديم، وهو تحليل ساذج يليق بصحيفة شعبية، لا شيء عميق فيه إلا تأكيد رغبة أمريكا في استمرار الحال علي ما هي عليه في مصر. إنها أنفاس جديدة في رئة نظام «الأسد الأخير»، مبارك مستمر ولكن ليس معروفًا حتي الآن، الأب أم الابن، والمفاجأة الكبري بالفعل أن جمال مبارك أصبح البديل الوحيد لأبيه، غير هذا ليس سوي المتاهة أو المصير المجهول، أو الخطة السرية المختفية في أحد الأدراج وستظهر ليلة التغيير الكبير. الكرسي سيبقي رهن عائلة مبارك، رغم عدم وجود قوة اجتماعية كبيرة، أو حزب قوي، أو طائفة، أو تركيبات سياسية تدفع إلي «توريث جمهوري» يحفظ التوازن الدقيق كما هو الحال في سوريا أو ليبيا التي ترعي فيها مصر التوريث إلي أحد الأبناء الأربعة المتنازعين علي الوراثة. فرصة «جمال» تتسع نتيجة الفراغ الذي كان أبوه ماهرًا في صنعه، ونتيجة تعقيدات دولية تسير كلها باتجاه استمرار مصر في صنع الفراغ من حولها في الإقليم. مبارك صانع فراغ من الصعب أن يشغله أحد، وهذا سر جاذبيته دوليًا، يلعب هو الآن في ملفات متعددة مهمة بالنسبة لأمريكا والاتحاد الأوروبي....يرعي السلام بالطريقة الإسرائيلية لكنه لا يتركها تنفرد بالمنطقة، يملك مسمار جحا في كل الملفات، من فلسطين إلي دارفور وأخيرًا لبنان. أهمية مبارك بالنسبة للعالم أنه لا يصنع شيئًا، ولا يترك أحدًا يصنع شيئًا في المربع التاريخي الذي رسمته مصر لوجودها الحيوي منذ ثورة الضباط وربما قبلها. ولهذا، فإن الجسور بين مناطق مضطربة لا يمكن لأحد الاقتراب منها إلا برعاية مصرية. ونظام مبارك ( مع السعودية أساسًا وقطر كلاعب مشاكس علي الخط) هم رعاة للعبة الأمم في المنطقة، وليسوا شركاء فاعلين، والرعاة لابد من تحقيق استقرارهم، وهذا ما يجعل كل شأن داخلي هو دولي من ناحية المبدأ، واستمرار مبارك ونظامه ليس قرارًا داخليًا ولكنه قرار دولي بنسبة 90%. «الرعاة» ليسوا دول مستقلة، إنها وكالات تقريبًا للنظام الدولي، وللتغيير في هذا النوع من الدول معايير وأعراف غير معلنة، لكنها تعبر عن نفسها بنعومة...لم تعرفها من قبل لعبة الأمم . الأسد الأخير سيستمر إذن، وستتسع ربما مساحة «الائتلاف الشعبي لدعم جمال مبارك» مدافعة عن حقه في الترشيح للرئاسة كمواطن مصري، ولأن ترشيحه يحمي مصر من الأجانب كما قال منسق الائتلاف. والأجانب يبتسمون، وربما يضحكون، ويشحنون مندوبيهم النشيطين في الشرق الأوسط ليعلموا الشبل ابن الأسد الأخير كيف يبدو «بطلاً ضد سيطرة الأجانب» وكيف تجلي حنجرته بوطنية تجعله يطفو فوق كل الخلافات ويرفع راية الانتصار، فالمعارضة تريد هدم الدولة كما قال فتحي سرور- رئيس مجلس الشعب- منذ أكثر من عشرين عامًا، وترفع الرجل عن تكملة الجملة باسم الإشارة لتصبح « دولتنا ..» فهم بالفعل رعاة الدولة وربما أصحابها والشعب ضيف ثقيل..ثقيل جدًا.