لم يترك لنا صناع العمل فرصة لكي نستمتع باكتشاف الفكرة، ليس فقط بسبب الكلمة التي حواها البامفليت، والتي تحدد الموضوع الرئيسي للعرض بأنه «صراع بين العقل والعاطفة»، بل لأن المؤلف أعلن لنا عن فكرته بشكل غاية في المباشرة مع الجمل الحوارية الأولي علي لسان شخصياته.. صراع يليق بكاتب سياسي طموح، اختار المؤلف «عاطف النمر» أن يكون هذا هو بطله، والحقيقة أنه صراع يعانيه كثيرٌ من المبدعين والأدباء والمفكرين.. يتصور الأديب أنه خُلق ليفكر ويبدع ويتماهي مع البشر بلا حدود ولا خصوصية، تخيفه فكرة الأسر والقيود، أن يفقد حريته بالحب والزواج، أن تضعف إرادته أمام الحبيبة أو أمام أبناء صغار ربما يحملونه علي التنازل عن كثير من طموحاته، وربما مبادئه، تخيفه مجرد فكرة «خسارة» الوقت في بيت وأسرة وحياة شخصية، والحقيقة أن نصف العمر يضيع في هذا الصراع الذي في الغالب يموت المبدع ولم يحسمه بعد! وفي عرضنا هذا، «عجايب» جسد لنا المؤلف هذا الصراع في صورة حوار بين الشخصيات الرئيسة الثلاث : الأستاذ والعقل والعاطفة.. يبدأ بتبادل الاتهامات بين العقل والعاطفة، كل منهما يتهم الآخر بأنه السبب في مأساة «الأستاذ»، ولكن الحوار، والمشاهد التي تعبر عنه، أخذوا منحني آخر ابتعد كثيراً في رأيي عن قضية الصراع التي قصدها المؤلف.. فجأة وجدنا «الأستاذ» في صراع بين عقله ومبادئه التي عجز عن تحقيق التوازن بينها جميعاً، وبين مجتمعه بما فيه من فساد وقهر وديكتاتورية.. يتضح لنا منذ البداية أنه اختار أن ينتصر لعقله علي حساب عاطفته، وكان المفترض -حتي نقتنع بقسوة الصراع ومدعاته - أن يجسد العقل معاني التفكير المنطقي، والحكمة، أو-علي أقصي تقدير- التفكير النفعي الجاف؛ ولكنه هنا أقرب إلي صورة «الشيطان»! يوسوس له، يأمره بالتخلي عن كل القيم النبيلة ويدفعه لتحقيق مصالحه الذاتية بأي شكل وأي سبيل.. شخصية «الأستاذ» أيضاً كان بها أكثر من خللٍ درامي أفقدها التعاطف اللازم ؛ فقد بدت الشخصية ضعيفة مهزوزة أكثر منها حائرة تعاني صراعاً فكرياً ونفسياً راقياً ؛ بل انقلب التعاطف معها إلي رفض، واحتقار، عندما طلب من حبيبته -التي تهرَّب طوال الوقت من الزواج بها - أن تقبل الزواج ممن يريده لها أبوها علي أن يبقيا علي علاقتهما العاطفية سراً فكيف يتحقق التماهي مع الشخصية أو حتي التعاطف معها وهي بهذا المستوي الأخلاقي؟ ولا أجد مبرراً لتجسيد المؤلف للضمير أيضاً وإدخاله في دائرة الصراع! خصوصا أنه جعله عنصراً سلبياً، نائماً طوال الوقت بتأثير ووازع من العقل، فهكذا تحول الصراع بين العقل والعاطفة إلي صراع بين كل عناصر النفس، بل كأنه تحول إلي صراع بين الشيطان والضمير تغلب فيه الشيطان بلا مقاومة. ورغم مشكلات النص إلا أنه حمل الكثير من الجمل الحوارية العذبة والموحية، وأغنيات أداها سمير عزمي ومنيرة محمد بدفء وإحساس صادق، وتميز من الممثلين محمد إبراهيم وحسام حمدي وأحمد الشوربجي.. وقدم سامح بسيوني إخراجاً واعياً في حدود النص المكتوب.. عرضٌ كان ينوي مكاشفة الروح ومحاورتها، لولا تشتت النص الذي أضاع الفكرة.