اعتبر الصحفيون السودانيون أن يوم الخميس قبل الماضي 15 يوليو أسوأ أيام الصحافة السودانية، ففي أزمة تعد الثالثة خلال مائة عام، أعلنت 6 صحف سودانية هي «أجراس الحرية»، و«الأيام»و«الميدان»، و«الصحافة»، و«الأحداث»، و«الأخبار» تعليق صدورها احتجاجا علي قرار المحكمة بسجن 3 صحفيين ينتمون إلي صحيفة «رأي الشعب» التابعة لحزب المؤتمر الشعبي المعارض الذي يتزعمه حسن الترابي، بعد إدانتهم بتهمة تقويض النظام الدستوري، لنشرهم مقالات تتضمن معلومات اعتبرت «كاذبة». وتضمن القرار إغلاق الصحيفة - ومصادرة ممتلكاتها، والحكم بسجن الصحفي أبو ذر علي الأمين - نائب رئيس تحرير الصحيفة لمدة خمس سنوات، وطاهر أبو جوهرة - رئيس القسم السياسي - وأشرف عبد العزيز - المحرر العام للصحيفة - لمدة سنتين. وبني القاضي حيثيات حكمه علي نشر مقال للصحفي أبو ذر حمل عنوان «فوز علي عثمان أم البشير؟»، حيث اعتبر القاضي أن المقال يحمل إساءة لرئيس الدولة «الذي يجب أن يخاطب بأدب واحترام»، كما أشار إلي أن كاتب المقال قصد تخريب علاقات السودان الخارجية مع المملكة العربية السعودية واليمن بالإشارة إلي دعم الخرطوم لجماعات الحوثيين. وتعتبر هذه هي المرة الثالثة التي يحكم فيها بسجن صحفي سوداني في قضايا النشر، حيث كانت الأولي في عام 1924 بعد أن سجن المستعمر البريطاني القائد علي عبد اللطيف وهو من الأبطال السودانيين فيما قضت محكمة الخرطوم في عام 2009 بسجن المحامي كمال حسن عمر في قضية نشر لمدة 6 أشهر. وهذه هي المرة الثانية التي تتعرض لها صحيفة «رأي الشعب» للإغلاق، حيث كانت السلطات قد أصدرت قرارًا بإغلاقها في شهر مايو الماضي بعد اتهامها بالإساءة إلي علاقات السودان الخارجية، ونشر أخبار عن علاقة إيران بتصنيع عسكري سوداني، ووجود للحرس الإيراني في مصنع «جياد» وهو مصنع لصناعة السيارات، ودعم الحوثيين. وكان قرار السلطات الأمنية في السودان بمنع صحيفة «الانتباهة» ذات التوجهات الانفصالية المدعومة من قبل منبر السلام العادل عن الصدور في وقت سابق من هذا الشهر قد أثار جدلاً في الأوساط السياسية والإعلامية، لما تمثله هذه الخطوة من تضييق لهامش الحريات في البلاد، وآثاره السلبية في ظل المساعي التي تقوم بها الأطراف لوحدة الشمال والجنوب. ولا تزال السلطات السودانية تمارس التضييق علي الصحف المحلية رغم وجود قانون جديد يقضي باحترام حرية الصحافة، ومن الملاحظ أن الرقابة قد عادت بقوة علي الصحافة السودانية منذ إعادة انتخاب الرئيس عمر البشير، وأصبحت محل شكاوي يومية من الصحف المستقلة والمعارضة، إذ لم تشهد الفترة الانتخابية مثل هذه الرقابة. وكانت السلطات السودانية قد رفعت في الخريف الماضي الرقابة إثر إقرار قانون جديد يقضي باحترام حرية الصحافة ولكنه يضع خطوطا حمراء لا ينبغي تجاوزها مثل الأمن الوطني والأخلاقيات العامة في بلد غالبية سكانه مسلمون. وغطي الصحفيون السودانيون انتخابات أبريل الماضي التي أعيد بموجبها انتخاب الرئيس البشير، الصادرة بحقه «مذكرة توقيف» من المحكمة الجنائية الدولية، دون أن يعرضوا المواد الصحفية التي سينشرونها سلفا علي أجهزة الاستخبارات، غير أن الوضع تغير بعد الانتخابات ببضعة أسابيع. وكانت السنوات الأخيرة قد شهدت تضييقًا علي حرية التعبير، إذ عمد جهاز الأمن والمخابرات إلي إغلاق بعض الصحف، وتعرض صحفيون للمضايقة، ومُنعوا من أداء عملهم، وقُبض علي بعض الصحفيين، وتعرضوا للتعذيب بسبب تأدية عملهم أو تعبيرهم عن آرائهم، وتمارَس الرقابة بطرق عدة؛ ففي بعض الحالات، يقوم عملاء جهاز الأمن والمخابرات الوطني بزيارات يومية إلي الصحف ويحذفون مقالات حول المواضيع التي يعتبرونها حساسة أو تشكل تهديداً للحكومة. وفي حالات أخري، يقوم عملاء جهاز الأمن والمخابرات الوطني بزيارات يومية إلي دور الطبع ويمنعون طبع بعض المطبوعات، وهناك شكل ثالث لممارسة الرقابة، وهو ما يطلق عليه الصحفيون في السودان اسم «التحكم عن بعد»، حيث يتصل أفراد جهاز الأمن والمخابرات الوطني ببعض الصحف ويخبرونها بالموضوعات الممنوعة، ويطلبون من مسئوليها التقيد بالرقابة الذاتية.