فتحت تصريحات الدكتور السيد البدوي - رئيس حزب الوفد - حول موت اتفاقية السلام مع إسرائيل في حالة وصوله إلي موقع رئيس الجمهورية الباب من جديد حول إمكانية حدوث هذا الأمر وإمكانية أن يأتي اليوم الذي تتحرر فيه مصر من قيود اتفاقية التسوية السياسية مع إسرائيل وعودتها إلي دورها المهم في محيط الأمة العربية ودفاعها عن حرية الوطن العربي وتقدمه. فقد رأي العديد من المراقبين أن معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية التي تم توقيعها بين مصر وإسرائيل عام 1979 شكلت قيدا كبيرا علي دور مصر العربي وأخرجت مصر من قضايا الأمة العربية ليتحول هذا الدور إلي مجرد «وسيط» بين إسرائيل من جانب والدول العربية - المحتلة - من جانب آخر لا سيما القضية الفلسطينية. و من يرجع لشروط هذه المعاهدة سيتأكد من أنها قد مثلت بالفعل قيدا علي دور مصر. فعلي سبيل المثال كانت المعاهدة تفتح الباب لإقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل وتسمح لسفنها بالمرور في قناة السويس وتمنع استخدام القوة أو التهديد باستخدامها بين الطرفين، فقد نصت المادة الأولي علي «تنتهي حالة الحرب بين الطرفين ويقام السلام بينهما عند تبادل وثائق التصديق علي هذه المعاهدة». وكانت المادة الثانية تنص علي «عند إتمام الانسحاب المرحلي المنصوص عليه في الملحق الأول يقيم الطرفان علاقات طبيعية وودية بينهما» ويقر الطرفان ويحترم كل منهما سيادة الآخر وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي. وحق الآخر في أن يعيش في سلام داخل حدوده الآمنة والمعترف بها. ويتعهد الطرفان بالامتناع عن التهديد باستخدام القوة أو استخدامها أحدهما ضد الآخر علي نحو مباشر أو غير مباشر، وبحل كافة المنازعات التي تنشأ بينهما بالوسائل السلمية. يتعهد كل طرف بأن يكفل عدم صدور فعل من أفعال الحرب أو الأفعال العدوانية أو أفعال العنف أو التهديد بها من داخل أراضيه أو بواسطة قوات خاضعة لسيطرته أو مرابطة علي أراضيه ضد السكان أو المواطنين أو الممتلكات الخاصة بالطرف الآخر. كما يتعهد كل طرف بالامتناع عن التنظيم أو التحريض أو الإثارة أو المساعدة أو الاشتراك في فعل من أفعال الحرب العدوانية أو النشاط الهدام أو أفعال العنف الموجهة ضد الطرف الآخر في أي مكان. كما يتعهد بأن يكفل تقديم مرتكبي مثل هذه الأفعال للمحاكمة». هذه هي بعض من نصوص المعاهدة التي «قيدت» دور مصر وأخرجتها تماما من قضايا أمتها العربية وجعلتها مجرد وسيط في الصراع العربي - الإسرائيلي، ليس هذا فقط، بل جعلت لإسرائيل حقوقا وجعلت هناك التزامات علي الإدارة المصرية تجاه إسرائيل وهي حقوق تعدت كونها «حقوقا سياسية» إلي كونها حقوقا اقتصادية وسياسية وثقافية وقانونية طبعا. فهل يجوز الحديث عن إلغاء هذه المعاهدة أو تجميدها وما الشروط التي يمكن أن يلجأ إليها أي نظام سياسي - وطني - إذا ما أراد أن يجمد هذه المعاهدة أو حتي أن يلغيها؟. الدكتور حسام عيسي - أستاذ القانون بحقوق عين شمس والقيادي الناصري - يري أن هناك شروطا يجب أن تتوافر قبل الحديث عن إلغاء أو تجميد هذه المعاهدة معتبرا أن هذه الخطوة ليست بالهينة. قائلا: «بناء مصر بشكل حقيقي اقتصاديا وسياسيا ومعنويا خطوة سابقة لأي حديث عن إلغاء أو تجميد معاهدة السلام مع إسرائيل» متسائلا: «هل يجوز الحديث عن إلغاء أو تجميد المعاهدة ونحن ما زلنا نحصل علي معونات من الولاياتالمتحدةالأمريكية وإذا قلت هذه المعونة عدة ملايين ستحدث حالة من الرعب عند النظام المصري مضيفا: « العصمة ليست في يد مصر ونحن مقيدون ومكبلون ولابد من قدرات اقتصادية مختلفة ولا بد من نظام وطني يبني هذا الوطن من جديد حتي يجوز الحديث عن إلغاء أو تجميد المعاهدة». ولفت عيسي إلي أن أي نظام حكم وطني سيصل اليوم إلي الحكم س«يواجد كارثة» علي حد قوله. مضيفا «سيحتاج لسنوات حتي يعيد العصمة إلي مصر من جديد». و قال: «قبل الحديث عن تجميد أو إلغاء المعاهدة لابد من البدء في سياسة وطنية لاستعادة مفاتيح القرار الوطني من جديد وعكس ذلك معناه أن الحسبة ستكون خاطئة». وأضاف عيسي قانونيا هناك بعض البنود التي تتيح لأي طرف من أطراف المعاهدات الدولية الخروج منها إذا ما أجل لاحد أطرافها ببنودها وهذا النص موجود بالفعل في معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية، فالفقرة الثانية من المادة السادسة في معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية تنص علي «يتعهد الطرفان بأن ينفذا بحسن نية التزاماتهما الناشئة عن هذه المعاهدة بصرف النظر عن أي فعل أو امتناع عن فعل من جانب طرف آخر وبشكل مستقل عن أية وثيقة خارج هذه المعاهدة». لذلك فإن عصام سلطان المحامي والقيادي بحزب الوسط - تحت التأسيس - يري أنه إذا أسقط طرف من أطراف أي معاهدة دولية نصوصها وانتهك التزاماته الناشئة عنها فإن الطرف الآخر من حقه أن يجمد التزاماته هو الآخر قائلا: «الملاحظ أن إسرائيل انتهكت نصوص المعاهدة المصرية - الإسرائيلية لا سيما فيما يتعلق بعودة الحقوق للشعب الفلسطيني فضلا عن الانتهاكات التي تم ممارستها علي الحدود المصرية - الإسرائيلية لذلك يجوز إلغاء أو تجميد المعاهدة وإذا حدث هذا الأمر فهو ليس أكثر من «تحصيل حاصل وتأكيد لما هو مؤكد فعلا». و لفت سلطان إلي أنه ليس هناك معاهدة أو اتفاقية مؤبدة بل إن الاتفاقيات توضع لكي تنتهي بعد فترة. مشيرا إلي أن هذا الأمر ليس نصا في القانون الدولي لكنه «عرف جري بين الدول فيما يتعلق بالتعامل مع المعاهدات». و قال إنه بعد أن انتهكت إسرائيل كل شروط معاهدة السلام فإن استمرار مصر بها يعني التمسك «بمعاهدة ميتة» علي حد تعبيره. و مع هذا فإن أمين اسكندر القيادي بحزب الكرامة - تحت التأسيس - يري أن خطوة إلغاء أو تجميد معاهدة السلام لابد من التحضير لها «سياسيا واقتصاديا وعسكريا» علي حد قوله قائلا: هناك أكثر من سيناريو يتيح إلغاء أو تجميد هذه المعاهدة أولها وجود برلمان «منتخب فعلا» ومؤثر بشكل حقيقي ويستطيع أن يتخذ قرارا بتجميدها أو إلغائها وعندها يجب علي السلطة التنفيذية أن تلتزم بقرار البرلمان الذي يعبر عن الشعب بشكل حقيقي. أما الخطوة الأخري - والحديث لاسكندر - فهي قيام ثورة شعبية تأتي بنظام سياسي جديد يستطيع أن يلغي الوضع القائم بشكل كلي ويعيد النظر في كل المعاهدات الخارجية القائمة الآن بما يمكنه من اتخاذ قرار بإلغاء أو تجميد معاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية. و يعتبر المراقبون هذه المعاهدة أول خرق عربي للموقف من مقاطعة إسرائيل بشكل كامل ومع ذلك فإن إطار توقيع المعاهدة قد أشار إلي أنها معاهدة تنهي حالة الحرب ليس بين مصر وإسرائيل فقط بل بالدول العربية كلها، فقد نصت مقدمة المعاهدة علي أن حكومتي جمهورية مصر العربية ودولة إسرائيل اقتناعا منهما بالضرورة الماسة لإقامة سلام عادل وشامل ودائم في الشرق الأوسط وفقا لقراري مجلس الأمن 242 و338 ،إذ تؤكدان من جديد التزامهما «بإطار السلام في الشرق الأوسط المتفق عليه في كامب ديفيد» المؤرخ في 17 سبتمبر 1978، وإذ تلاحظان أن الإطار المشار إليه إنما قصد به أن يكون أساسا للسلام ليس بين مصر وإسرائيل فحسب، بل أيضا بين إسرائيل وأي من جيرانها العرب - كل فيما يخصه - ممن يكون علي استعداد للتفاوض من أجل السلام معها علي هذا الأساس، ورغبة منهما في إنهاء حالة الحرب بينهما وإقامة سلام تستطيع فيه كل دولة في المنطقة أن تعيش في أمن، واقتناعا منهما بأن عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل يعتبر خطوة مهمة في طريق السلام الشامل في المنطقة والتوصل إلي تسوية للنزاع العربي - الإسرائيلي بجميع نواحيه، وإذ تدعوان الأطراف العربية الأخري في النزاع إلي الاشتراك في عملية السلام مع إسرائيل علي أساس مبادئ إطار السلام المشار إليها آنفا واسترشادا بها، وإذ ترغبان أيضا في إنماء العلاقات الودية والتعاون بينهما وفقا لميثاق الأممالمتحدة ومبادئ القانون الدولي التي تحكم العلاقات الدولية في وقت السلم.. قد اتفقتا علي الأحكام التالية بمقتضي ممارستهما الحرة لسيادتهما. و مع ذلك فحتي هذه اللحظة لم يعم السلام بين إسرائيل والدول العربية بل وظل السلام بين مصر وإسرائيل باردا لا سيما علي الجانب الشعبي فما زال المصريون يعتبرون إسرائيل العدو الأكبر والأوحد وهي رؤية تؤكدها كل الدلائل ويؤكدها استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ويؤكدها الانتهاكات والجواسيس الذين نسمع عنهم يوما بعد الآخر ورغم أن هذه المعاهدة قد ماتت فعلا بكل صور الانتهاكات التي تحدث يوميا وبعدم عودة الحق الفلسطيني وبعدم تحرير الجولان السورية وباستباحة الحدود المصرية في كثير من الأحيان حتي وصلت في بعض الأحيان إلي قتل جنود مصريين علي الحدود لم يفكر النظام في «تشييع» هذه المعاهدة المشئومة.