تكرم واحد من أنبل فرسان هذا الوطن ومن أشدهم إخلاصًا وصلابة في محاربة الفساد ومقاومة مخطط «نشل مصر» وأرسل إلي العبد لله تعليقًا منيرًا وقيمًا علي ما جاء في المقالين اللذين نشرا في هذه الزاوية يومي الخميس والأحد الماضيين تحت عنوان «تكنولوجيا نشل مصر .. التأمين نموذجًا» .. فأما هذا الفارس النبيل فهو الصديق الكبير المهندس يحيي حسين. كما وصلني أيضا رد مطولا جدًا (يتمدد علي مساحة تقترب من خمسة فدادين) من «الشركة القابضة للتأمين» لكني ادخرته وحفظته في مكان أمين حتي أتحف به القراء يوم الخميس المقبل إن شاء الله .. وأترك الآن باقي المساحة لتعليق المهندس يحيي حسين: الأخ العزيز ..... أحزنني وأدماني ما رصدتموه بخصوص ما يجري في قطاع التأمين الذي كانت معركة مصر الكبري طوال النصف الأول من القرن العشرين هي تمصيره مع قطاع البنوك باعتبارهما عماد الاقتصاد الوطني ، إلا أن الشيء المفرح الوحيد في هذا الموضوع أنه أصبح لدينا أخيراً في مصر قطاع ينفذ مخططاً علمياً مدروساً لتحقيق أهدافه، ألا وهو "قطاع النشل".. فما حدث ويحدث في هذا القطاع يا أخي الفاضل، مُتفقٌ عليه منذ سنواتٍ بين نظام الحكم الذي يفترض أنه يمثلنا وحكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية (طبعا من وراء الشعب المصري صاحب ومالك هذه الأصول التي بناها بالعرق والدم). ففي يوليو عام 2005 وقع تحت يدي تقريرٌ كارثي صادر عن مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكيGAO المعادل للجهاز المركزي للمحاسبات عندنا، وهو تقرير موجه إلي رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس نواب الكونجرس. أما موضوعه فيتعلق بتقييم مدي كفاءة استخدام أموال هيئة المعونة الأمريكية لتحقيق أهدافها في مصر، وأشار في هذا الصدد إلي معلومة خطيرة ملخصها أنه في العام 1992 اتفقت الحكومة المصرية مع هيئة المعونة الأمريكية علي تنفيذ 196 إجراءً في إطار ما يسمي «الإصلاح الاقتصادي»، وقال التقرير إن مصر لم تنفذ من هذه الإجراءات سوي 136 إجراءً فقط (!!) وبقي 60 إجراءً لم يتم تنفيذها. وبغض النظر عن أن هذا التقرير شأنٌ داخلي أمريكي يشكو فيه جهاز محاسباتهم إلي مجلس نوابهم من أن هيئة معونتهم قد قصّرت في تحقيق 30% من مستهدفات أمريكا في بلدٍ يسمي مصر .. إلا أنك تلاحظ أننا (أقصد أنا وأنت) بصفتنا نحمل جنسية هذا البلد الذي يتحدثون عنه (مصر) لا نعرف شيئاً عمّا تم الاتفاق عليه من ورائنا وما هي الستون إجراءً التي يلومون أنفسهم علي البطء في تنفيذها، والتي تقوم جماعة «الفكر الجديد» في حلف التوريث بتنفيذها بهمّةٍ شديدة منذ بداية عام 2005 .. يتضمن التقرير الأمريكي المذكور جدولاً به أمثلةٌ لهذه الإجراءات الستين، منها بالنص مايلي: «تخفيض نسبة الملكية العامة في شركة تأمين حكومية بحيث تصبح الأغلبية فيها للقطاع الخاص» .. وقد حذرتُ وقتها أنا والدكتور جودة عبد الخالق (أستاذ الاقتصاد البارز) مما يُحاك لهذا القطاع وغيره مما ورد في التقرير، وكالعادة نفوا بينما تنفيذ المخطط ماضٍ علي قدمٍ وساق .. وبما أن مجموعة «الفكر الجديد» ملكيون أكثر من الملك ورأسماليون أكثر من أمريكا، ومعظمهم أبناء شرعيون أو بالتبني لهذه المؤسسات الأمريكية، فقد بدأوا في تنفيذ خطة لخصخصة 3 شركات تأمين وليست واحدة كما طلب الجانب الأمريكي .. واستهلوا مخططهم بوضع هذه الشركات الثلاث تحت ما يسمي بالشركة القابضة للتأمين وأعادوا تشكيل جمعياتها العمومية ومجالس إداراتها من عددٍ من أعضاء أمانة السياسات وحوارييها الذين يفتقد غالبيتهم أي سابق خبرة في مجال التأمين (إلا تأمين مصالحهم) ولا يجمع بينهم إلا الحماس الشديد للخصخصة وبيع ثروة البلد بأي ثمن.. وهو أمرٌ قد تكرر كثيراً في المؤسسات والصروح الاقتصادية العامة خلال السنوات الخمس الأخيرة، تعيين ألد أعداء القطاع العام رؤساء لمؤسسات القطاع العام (تخيّل ماذا يحدث إذا تم تعيين شارون رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية) ثم يعلن الوزير أنه لا يتدخل في شئون الشركات حتي ولو السيف علي رقبته (ملحوظة: الوزير هو رئيس الجمعية العمومية للشركة القابضة وهو الذي يعيّن أعضاءها ويعزلهم) .. آخر التطورات: منذ أسبوعين أعلن وزير الاستثمار عن سعادته بما ينتظر قطاع التأمين من ازدهار بعد تعيين الدكتور محمد عمران نائباً لرئيس الشركة القابضة للتأمين .. فهل تعرف يا صديقي وهل يعرف القراء الأعزاء من هو محمد عمران هذا؟.. إنه واحد من العباقرة الثلاثة الذين صاغوا وروّجوا لمشروع «الصكوك» المشئوم الذي جري تصميمه للتخلص وتدمير البقية الباقية من شركات قطاع الأعمال العام (عليه وعلينا رحمة الله)!!