في الأسابيع الأخيرة تراكمت تحت يدي تلال من الوثائق والمعلومات أمدني بها مواطنون شرفاء أكتب الآن بينما قلوبهم تكاد تنفطر وتتمزق إشفاقا علي هذا الوطن ورعبا من كارثة إجرامية جديدة ورهيبة تنتظره لتكتمل خطة تفيكك مقدراته ونهب ثرواته وتخريب حاضره وتدمير مستقبله. وأعترف بأنني من هول ما قرأت وسمعت عجزت وأصاب الشلل قدرتي علي التعبير فتلكأت وحاولت التملص من كتابة الحكاية المروعة لكني لاحظت أن استمرارها مطوية مخفية بين ضلوعي ينحر في ضميري نحرا مؤلما وموجعا جدا، لهذا قررت أخيرا البوح بما عندي لعل وعسي أتخفف قليلا من هذا الوجع. وما عندي من تفاصيل تلك الحكاية الإجرامية كثير ومتشعب ومعقد ويضيق المجال عن شرحه وذكره كله، ومع ذلك لابد من مقدمة متعجلة أنبئ حضرتك فيها بأن الجريمة الجديدة يتم طبخها حاليا في دهاليز الحكم المظلمة من أجل ضرب وتحطيم و«نشل» مكونات آخر قلاع الإقتصاد الوطني ألا وهو قطاع «المال والإئتمان» الذي يعرف اصغر تلميذ أنه العصب الحساس لأي اقتصاد في أي بلد حيث تتراكم في وعائيه الرئيسيين (البنوك وشركات التأمين) أموال ومدخرات المواطنين القابلة للأستثمار وتمويل خطط ومشروعات التنمية (إن وجدت). أنتهت المقدمة.. وهيا بنا إلي ملخص الجريمة التي تستهدف تحديدا قطاع شركات التأمين الوطنية المكون أساسا من ثلاث شركات عامة عملاقة هي بحسب ترتيب الضخامة «شركة مصر للتأمين» و«الشرق» و«الأهلية»، وهم مجتمعون يسيطرون علي أكثر من 80 في المائة من السوق التأميني المحلي وبعضهم (شركة «مصر») نجح في دخول حلبة المنافسة في بعض الأسواق الأقليمية، بل أن الشركة الأخيرة جري تصنيفها من مراجع ومؤسسات عالمية مرموقة بأعتبارها الأكبر والأقوي بين كل الشركات المماثلة في المنطقة. حسنا.. فما الذي حدث أذن؟! حدث شئ يشبه تماما ( وإن بخبث أكبر) ما جري علي مدي الأعوام الثلاثين الأخيرة عندما هب قطيع«النشل» الوطني علي الثروات والمشرعات الصناعية والزراعية والتجارية التي بناها الشعب بالعرق والدم وانطلق يعيث فيها تخريبا وتفكيكا قبل أبتلاعها وسرقتها، وبدأت خطة الهجوم الخبيثة عام 2006 باستيراد جيش من الخبراء الأجانب (أغلبهم جواسيس ينتمون لمؤسسات وشركات مالية دولية منافسة تعمل في مجال التأمين) وكان الهدف المعلن من استجلاب هذا الجيش (الذي شفط في عامين ما يزيد عن 400 مليون جنيه) هو تصميم خطة «لتطوير» الشركات الوطنية الثلاث، علي أساس أن الكوادر و الخبرات المصرية في هذا المجال ماتت كلها كما مات من قبل «خبراء» كنس الزبالة من الشوارع ما دفع الحكومة للإستعانة بالخوجات الذين دفنوا عاصمة البلاد تحت جبال النفايات والأوساخ. أما «الخطة» الخوجاتي نفسها فكانت كلها عبارة عن فيض هائل من الكلام الفارغ (لكنه لم يخل من مدح وإشادة بقوة وفاعلية ونجاح مؤسسات القطاع التأميني الوطني خصوصا شركة «مصر») غير أن الحكومة لم تفهم من هذا الفيض كله إلا كلمة واحدة هي «دمج» الشركات الثلاث لتكوين كيان عملاق قادر علي المنافسة الخارجية بقوة، وعلي الفور أستصدرت من برلمانها المزور تشريعا يخترع شركة «قابضة» قبضت فورا علي تلك الشركات، كما بدأ الحبايب والمحظوظين الذين فازوا بمقاعد الإدارة العليا في هذه الشركة المخترعة في «قبض» رواتب ومكافآت بعشرات الملايين. لقد بدأ هذا الإختراع «القابض» عمله عام 2008 وحالة الشركات الثلاث كالآتي: صافي أرباح شركة «مصر للتأمين» في آخر ميزانية بعد سداد كل ألتزاماتها بما فيها حصة الدولة وضرائب بمئات الملايين، هو 484 مليون جنيه، أما صافي أرباح شركة «الشرق» فكان 42 مليونا مقابل أكثر من 5 ملايين حققتها شركة التأمين الأهلية في العام ذاته.. وقد بلغت قيمة اسثماراتها مجتمعة مايزيد عن 30 مليار جنيه فيما أصولها المالية تربو علي 50 مليار جنيه، بالإضافة لثروة هائلة من الأصول والممتلكيات العقارية بعضها لايقدر بثمن (بسبب القيمة التاريخية والمعمارية وقيمة موقعه الجغرافي النادر) وقد يصل تقدير أثمانها السوقية إلي مايقترب من نحو تريليون (ألف ألف مليار) جنيه !! هذا هو حجم «التورتة» الهائلة التي تم «القبض» عليها ثم بدأت رحلة «تقطيعها» تمهيدا لأكلها بالهناء والشفاء كما سأحكي لحضرتك يوم الأحد المقبل.. فإلي اللقاء.