أبدأ بتنويه خارج الموضوع الأصلي لهذه الزاوية اليوم، فقد تلقيت (ظهر الأحد) اتصالاً هاتفياً من الصديق الكبير الدكتور سليم العوا عاتبني فيه برقة علي ما كتبته ونُشر هنا أمس الأول بشأن ما جاء في الحديث الذي أدلي به لقناة «الجزيرة» الأسبوع الماضي، ودون الدخول في تفاصيل ما دار بيني وبين الدكتور خلال مهاتفته الكريمة، فإن ما انتهينا إليه كان وعداً مني بالاستجابة لطلبه ألا أكتفي بما اطلعت عليه من نصوص مكتوبة لحديثه الذي أثار جدلاً صاخباً وأثارت بعض مواضعه فزعي وحزني واعتراضي، وإنما أسعي لمشاهدة التسجيل المرئي والمسموع لهذا الحديث حتي أتمكن كما قال من رؤية سياق الكلام وألمس أجواءه المباشرة. وبهذا التنويه فإنني أُلزم نفسي علناً بأن أوفي (قريباً) بما التزمت به في المكالمة الهاتفية، متمنيا بصدق كما قلت للدكتور العوا أن أكون مخطئاً حباً في الوطن أولاً، واعتزازاً بصديق كبير عشمي أن يبقي ويظل ساكناً في مكانته العالية بوصفه علماً من أعلام الوطنية والرصانة والاستنارة وأحد المدافعين بمسئولية وضمير عن وحدة نسيجنا الإنساني وحق المصريين كافة في التمتع بالحرية والعدالة والمساواة والعيش المشترك بكرامة في بلد ناهض ومُتحرر من القهر والظلم والديكتاتورية والتخلف والفساد. و.. أعود لأدخل في الموضوع الأصلي ومختصره أنني أُصبت بدهشة و«اذبهلال» شديدين عندما قرأت تصريحات المهندس أحمد نظيف، رئيس الوزراء التي تحدث فيها عن نتائج الاجتماع الذي قاده الرئيس مبارك أمس الأول لبحث قضية مدينة «فضيحتي» بعد حكم المحكمة الإدارية العليا المدوي الذي فضح مشهداً واحداً فقط من مشاهد جريمة نشل مصر بقضها وقضيضها ومصانعها وصحاريها ونقلها بالسلامة إلي كروش قطعان الحرامية من صنف الحبايب فقط. لقد قال الدكتور نظيف في هذه التصريحات بثقة وفخر إن الرئيس قرر تشكيل «لجنة قانونية محايدة» لحل الأزمة المترتبة علي حكم بطلان عقد بيع أرض «فضيحتي» بالمجان لملياردير «السياسات» المشهور بحب الفن لدرجة «الموت»، فأما سبب دهشتي فيعود إلي عجزي التام عن إدراك معني «حياد» هذه اللجنة، وما الأطراف والأشياء التي ستكون معالي اللجنة المذكورة مُحايدة بينها؟!، يعني مثلاً هل ستبقي حضرتها مُحافظة علي مسافة واحدة بين الأخ الناهب والبلد المنهوب (أو بلد المحبوب) أم ماذا ؟!.. وقد اكتشفت أن الست «ماذا» هي الإجابة الوحيدة المتاحة في هذا الموضوع!! لكن هناك مشكلة أخري تثيرها هذه «اللجنة المحايدة» تتعلق أساساً بالضمانات والشروط التي سوف تكفل لها حياداً حقيقياً وعدم انحياز لمصر التي لا يكف المصريون عن الغناء لها والادعاء في كل مناسبة وبدون أي مناسبة بأنها أمهم.. ففي ظل وضع كهذا فإن تشكيل تلك «اللجنة» من أعضاء مصريين سيكون عملاً مُستهجناً ومحفوفاً بمظنة انحياز هؤلاء الطبيعي لمامتهم، وهو أمر يفرض بدوره ضرورة توسيع الأفق شوية والصحيان جيداً للون والدور «الحيادي» المطلوب، ومن ثم التفكير بجدية في الاستعانة كما في مباريات الأهلي والزمالك بلجنة «محايدة» من إيطاليا أو من كوكب «زحل» !! وما دمنا وصلنا إلي هذا «الزحل» فإن الدكتور رئيس الوزراء لم يكن الدكتور الوحيد الذي تحدث عما دار في اجتماع الرئيس بوزراء سيادته للبحث في موضوع «فضيحتي»، وإنما تحدث أيضاً السفير سليمان عواد بصفته المتحدث الرسمي باسم الرئاسة، وقال إن الرئيس أبدي في الاجتماع «تمسكه بأن يكون هناك نظام جديد ومستقر وعادل لإدارة أراضي الدولة بما يحفظ هذه الأراضي من أي إساءة استخدام». طبعاً هذا الكلام رائع وعظيم ولا غُبار عليه ولا مشكلة فيه خالص البتة، سوي أنه أشعرني لما قرأته بأن العبد لله البعيد كاتب هذه السطور مصاب أكيد بداء «الزهايمر»، بدليل أن ذهني تشوش وعقلي تبرجل تماماً ولم أعد أتذكر منذ متي والرئيس رئيساً.. من أول امبارح، أم من ثلاثين سنة؟!!