«شعرت بما هو أكثر من الإحباط».. «توقعت.. ولكن».. «قلق من القادم».. «جنوب أفريقيا وزامبيا والسنغال أفضل منا».. «فيه تغيير بيحصل».. «النظام لا زم ينسي أنه قادر علي تحدي العالم».. علي هذا النحو جاءت أغلب إجابات حافظ أبو سعدة، الأمين العام للمنظمة المصرية لحقوق الإنسان علي أسئلة «الدستور» التي حاورته عن رؤيته لملف حقوق الإنسان في مصر في 2010. أبوسعدة توقع هجمة كبيرة من الدولة تجاه الحريات العامة خاصة حرية الصحافة والتعبير والحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وطالب القوي السياسية بالنضال من أجل توفير ضمانات نزيهة للانتخابات وتعديل المادتين 76 و77 من الدستور لتسهيل ترشح شخصيات مثل البرادعي وزويل وعمرو موسي.. إلي تفاصيل الحوار : هل تشعر بالإحباط تجاه ملف حقوق الإنسان في مصر عن العام 2009 ؟. وهل كنت تتوقع أن يكون 2009 أقل سوءا مما كان عليه ؟. - طبعا، وشعرت بما هو أكثر من الإحباط ، توقعت الانتهاء من حالة الطوارئ، الرئيس مبارك كلف لجنة برئاسة الدكتور مفيد شهاب- وزير الشئون القانونية والبرلمانية لدراسة وصياغة قانون بديل- وهو قانون مكافحة الإرهاب، ولم يحدث شيء، والتعديلات الدستورية كانت مصدراً أساسياً لانتهاكات حقوق الإنسان في 2009، احنا دخلنا 2010 وحالة الطوارئ مستمرة، وده يخليك مش متفائل، وقلق من القادم إلي حد كبير. وعلي مستوي الإصلاح السياسي لم تجر تعديلات دستورية، ولم تلغ العقوبات السالبة للحرية في جرائم النشر، ولم يقر قانون لحرية تداول المعلومات، وهذا أمر خطير، فأنا لم أجد دولة في العالم حوكم فيها أربعة رؤساء تحرير في قضية نشر، شهدنا هذا العام الماضي. ! بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان هل يمكن اعتبار الحالة المتردية لحقوق الإنسان في مصر مماثلة لنظيرتها في دول أفريقية تعاني حروباً أهلية مثلا ؟ - نحن أفضل نسبيا من الدول التي تقع بها حروب أهلية وصراعات مسلحة. !.. لكن حالة حقوق الإنسان لا تليق بدولة كبيرة مثل مصر، ولاحظ أن جنوب أفريقيا أفضل منا بكثير، وهي الآن رمز للحريات في القارة وفي الأممالمتحدة واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان، ودولة حديثة مثل زامبيا تتفوق علي مصر في احترام حقوق الإنسان، والسنغال أيضا والمغرب. وكيف استطاعت هذه الدول تحقيق تفوق علي مصر في مجال حقوق الإنسان ؟ - لكل دولة ظروفها، يعني مثلا جنوب أفريقيا حققت هذا التقدم عن طريق نضال شعبها ضد التمييز العنصري، وفي زامبيا والسنغال جري الأمر هكذا نتيجة تطور الحركة الشعبية والتقاء قيادات المعارضة بمطالب الجماهير، وأنا في رأيي أنه لا يمكن تحقيق إصلاح سياسي دون أرضية شعبية، وللأسف الشديد ما زالت المعارضة عندنا في مصر نخبوية؛ لذلك لا أتوقع حدوث تغيير في مسار الإصلاح السياسي في العام الحالي. هل يمكن اعتبار التقارير الحقوقية التي تصدرونها وتصدرها المنظمات الحقوقية الأخري، كافية «معلوماتيًا» لإعطاء صورة دقيقة عن حالة حقوق الإنسان في مصر؟، وهل هناك قيود تواجهكم في هذا الشأن ؟. - الآن لدينا سيولة إلي حد كبير في المعلومات، والحكومة برغم محاولاتها حجب المعلومات إلا أننا تجاوزنا هذا الأمر، لدينا الصحف المستقلة والمدونات و الفضائيات، ونحن نطلع علي التقارير التي تقدمها مصر للبنك الدولي والجهات الدولية، وهذا لا يعني أننا لا نواجه عوائق، لدينا عوائق في الحصول علي معلومات موثقة، لكن برغم كل شيء نصل إلي المعلومات. هل تعتقد أن الدولة ناجحة في صرف الانتباه دوليا عن سجلها الحقوقي المشين ؟. - لا طبعا، الدولة لا تستطيع أن تخفي الحقائق، فنحن نرصد معظم الانتهاكات، والمنظمات الدولية، ومنظمة العفو الدولية ترصد، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان وهيومان رايتس ووتش، حتي المجلس القومي لحقوق الإنسان المنشأ بقرار من الدولة لم يستطع أن يغفل وقوع انتهاكات لحقوق الإنسان في تقريره المقدم لمجلس حقوق الإنسان بالأممالمتحدة. لكن إلي أي مدي يمكن أن تؤثر «عمليا» التقارير التي سيناقشها مجلس حقوق الإنسان في أداء الحكومة المصرية العام الجاري تجاه ملف حقوق الإنسان ؟ - لأ طبعا إزاي، فيه تأثير، فيه تغييرات بتحصل، يعني مثلا الخطاب الرسمي للدولة تجاه المجتمع الدولي بيقول إن انتهاكات حقوق الإنسان في مصر ليست منهجية، وأنه لا توجد إرادة سياسية وراء حدوثها، وهذا تراجع، والدولة أنشأت المجلس القومي لحقوق الإنسان نتيجة الضغط الدولي، والدولة الآن تعاقب الضباط، وإحنا شفنا اللي حصل في قضية «عماد الكبير» تمت محاكمة الضابط المتورط، وفيه قضايا تانية مماثلة. بصراحة وبصفتك عضواً في المجلس القومي لحقوق الإنسان، هذا المجلس لم يفعل شيئاًَ تجاه ملف حقوق الإنسان، وما تتحدث عنه من تراجع للدولة هو مجرد حالات فردية تحت ضغط الصحافة والمعارضة ؟. - فعلا، مازالت الخطوات محدودة، ودور المجلس القومي ضعيف، لكن صدقني إحنا تقدمنا بتعديلات علي قانون العقوبات لتغليظ العقوبة في جرائم التعذيب، وقدمنا توصيات كثيرة، لكن الاستجابة من الدولة محدودة، لأنه لا توجد إرادة سياسية في مصر لإصلاح أحوال حقوق الإنسان. ما الذي ستقوم به المنظمات الحقوقية لتفويت الفرصة علي الدور الذي ستلعبه الحكومة لتفادي إدانتها في مجلس حقوق الإنسان قريبا ؟ - نحن تقدمنا كمنظمات ب 27 تقريراً حقوقياً، والمجلس القومي لحقوق الإنسان تقدم بتقرير، وسوف نذهب لنشرح للمجلس الدولي الأوضاع وحجم الانتهاكات، والتقارير بالطبع كافية، وأنا لا تهمني إدانة مصر بقدر ما يهمني التزام الحكومة بتعهدات وآليات محددة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في الداخل. لكن حتي لو تعهدت الحكومة بتحسين الأحوال يبقي الحال علي ما هو عليه ؟. - هذه المرة لا، فلم تعد الدولة متصلبة كما كانت، أصبحت مرنة، وتحاول تحسين صورتها الدولية، فمصر لديها اتفاقات دولية كثيرة، أهمها مع الاتحاد الأوروبي الذي يطالبها بالتزامات معينة في مجال حقوق الإنسان، ولذلك قننت 64 مقعدا للمرأة في البرلمان المقبل، وأنشأت وزارة للأسرة والسكان، والتزمت بتعديلات مهمة في قانون الطفل والمرأة، وما كان ليحدث هذا لولا وجود ضغوط! كيف تقرأ مسار حقوق الإنسان في العام 2010 بالنظر إلي الوضع الاستثنائي للعامين المقبلين سياسيا «انتخابات برلمانية ورئاسية» ؟. - الأمر معقد جدا، لكن عندي أمل أن تستجيب الحكومة لمطالبنا بتوفير ضمانات نزيهة لإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، لأن عدم استجابتها يعني أن تزوير الانتخابات البرلمانية سيكون بروفة لتزوير الانتخابات الرئاسية، وهنا سيفقد النظام شرعيته السياسية أمام المجتمع الدولي، والنظام لازم ينسي أنه قادر علي تحدي ضغوط المجتمع الدولي، وإذا لم يفعل ذلك، فسوف يكلفه هذا الكثير.! هل تعتقد أن قانون مكافحة الإرهاب حال إقراره هذا العام سوف يفتح الباب أمام رجال الشرطة لانتهاك حقوق المواطنين ؟ - طبعا، فهذا القانون لو صدر بصيغته الحكومية الحالية سوف يجعل كل الانتهاكات تجري وفقا للقانون، قتل خارج نطاق القانون، وتعذيب وإفلات بسهولة من العقاب، وهذه مصيبة سوداء. ما نطالب به هو أن تكون الرقابة القضائية علي أداء الشرطة سابقة وليست لاحقة كما يقول مشروع قانون مكافحة الإرهاب الحالي، وخطورة هذا القانون أنه سيساوي بين الأبرياء والإرهابيين وتجار المخدرات. هل يمكن القول بأن ملف حرية الرأي والتعبير والصحافة سيتعرض لانتهاكات أعلي في 2010 بالنظر لحساسية اللحظة السياسية المقبلة في مصر ؟. - أنا قلق بشدة، ولاحظ مشاريع قوانين الحكومة لتنظيم البث الفضائي، وحرية تداول المعلومات، والقضايا المرفوعة ضد الصحفيين والمدونين، هذا مقلق، ولابد من حملة قانونية وحقوقية دولية للتصدي لمخاطر انتهاك حريات الصحافة والتعبير وإلزام الدولة بتعهدها «الطوعي» أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان باحترامها. ما تقديرك لوضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في مصر عام 2010 ؟. - عندي خوف شديد، لأن آثار الأزمة المالية لم تنته بعد، والاقتصاد متراجع بسبب تراجع تحويلات العاملين في الخارج، وإيرادات قناة السويس، وعائدات السياحة، والبطالة تتزايد بشكل رهيب، وحقوق السكن ولتأمين الصحي تتدهور، وخذ عندك مؤخرا قانون الضريبة العقارية المعيب لابد للحركات المعارضة أن تتبني برامج ذات بعد اجتماعي، ولا بد للتحركات النقابية أن تناضل بقوة لانتزاع حق التنظيم والإضراب. وهل تعتقد أنه بإمكان القوي السياسية والمعارضة خوض معركة في الانتخابات الرئاسية المقبلة من خلال طرح مرشحين مثل محمد البرادعي وعمرو موسي أم أن الواقع التشريعي والحقوقي الراهن يصعب الأمر؟. - فيه شخصيات كثيرة مثل البرادعي وأحمد زويل وعمرو موسي، لكن الموضوع كله متعلق بتعديل المادتين 76 و77 من الدستور، كل هذه الشخصيات مؤهلة نظريا لخوض انتخابات الرئاسة، لكن الدستور يضع قيودا رهيبة علي ترشحها، وأنا أطالب الأحزاب والقوي السياسية أن تطرح مرشحين وأن تناضل من أجل تعديل الدستور لتسهيل ترشح البرادعي وموسي وشخصيات أخري، وتوفير ضمانات لنزاهة الانتخابات، وحتي لو كسب الرئيس مبارك الانتخابات المقبلة، فإنه يصبح دائما هناك فارق بين الانتخابات المزوررضوان آدمة وأن تخوض المعارضة معركة حتي النهاية في انتخابات أقرب للنزيهة.