أين اللاعب والمطرب وفتي الشاشة المسيحي؟! الأقباط مش واخدين حقهم حتي في كرة القدم.. هكذا قال «البابا شنودة» في حواره مع «لميس الحديدي» في برنامجها «من قلب مصر» ولم يكن البابا في حاجة إلي أن يضرب مثلاً بالكرة لأن هذا الإحساس بالاضطهاد كثيراً ما يعلن عن نفسه في الكثير من المجالات التي كانت تبدو في منأي عن أي مشاعر طائفية مثل الفن!! البابا دائماً ما يغلف آرائه بخفة الظل ولكن هذا لا ينفي عنها جديتها ومدلولاتها.. هناك إحساس بأن فريق كرة القدم سواء الأساسي أو الاحتياطي ليس به أي لاعب قبطي بعد «هاني رمزي» الذي يشغل الآن موقع مدير الفريق القومي للأشبال لكن لم يستطع أن ينضم أي لاعب مسيحي لصفوف الفريق الكرة الأول.. واكب ذلك تغير الاسم الحركي للفريق الذي يعرفه العالم كان الاسم اللصيق بالفريق قبل بضع سنوات هو فريق «الفراعنة» أصبح الآن «الساجدين» لأن سجود اللاعبين في الملعب صار طقساً دائماً يشاهده العالم علي الفضائيات قبل المباراة وعندما يتحقق الهدف وفي بداية الشوط الثاني وعند صفارة الحكم النهائية لو كانت النتيجة لصالحنا.. بل تردد قبل بضعة أشهر أن الفريق أصبح له توجه ديني إسلامي واضح وأن تقييم مدرب الفريق «حسن شحاتة» يأتي أولاً من منطلق ديني من يصلي يلعب ومن يتقاعس عن الصلاة يحرم من اللعب وبرغم نفي «حسن شحاتة» لحالة الدروشة التي ارتبطت بفريقه وتأكيده علي أنه يتمني أن يعثر علي لاعب موهوب مسيحي للمشاركة في الفريق وبالطبع فإن السجود للصلاة لن يعوق اللاعب المسيحي الذي يصلي طبقاً لعقيدته أرثوذكسي أو كاثوليكي.. إلا أن الأمر ينبغي أن نري وجهه الآخر بعيداً عن الكرة وهو الإحساس الدائم بالاضطهاد وحتي في مجال لا يمكن أن يسمح بالاضطهاد مثل كرة القدم حيث إن الناس تنتظر من يحرز الهدف للفريق المصري بغض النظر عن هويته الدينية.. مثل مشاعر الافتخار الوطني التي يحظي بها «د. مجدي يعقوب» و«د. أحمد زويل» نجاحهما في الخارج موضع اعتزاز لكل مصري لا شأن للدين بتلك المشاعر ولكنه الحب بالدرجة الأولي لصاحب الإنجاز الوطني.. ويبقي أن هناك بعض المظاهر التي تحدث في المجتمع وتراها عيوننا أحد علامات الفرقة الوطنية بين المسلم والمسيحي ولكنها بالتأكيد لا يمكن أن تكون كذلك وسأضرب لكم بعض الأمثلة لماذا يغيب عن الساحة اسم مطرب كبير مسيحي فمن هو المطرب المسيحي الذي تطول قامته «عبدالوهاب»، «أم كلثوم»، «عبدالحليم» والآن «عمرو دياب»، «محمد فؤاد»، «تامر حسني».. وأيضاً في الموسيقي الشرقية وطوال التاريخ لم يصل أي ملحن مسيحي الديانة إلي قامة «سلامة حجازي»، «سيد درويش»، «أبوالعلا محمد»، «زكريا أحمد»، «محمد القصبجي»، «محمد عبدالوهاب» من الجيل القديم ثم الجيل التالي لم نجد ملحناً بحجم «الطويل»، «الموجي»، «بليغ» وصولاً لهذا الجيل «وليد سعد»، «محمد ضياء»، «محمد رحيم» أسئلة ليس لها إجابة قاطعة.. لو أننا قلنا مثلاً في الماضي كان ارتباط توصيف «الشيخ» بالموسيقي هو الذي وقف حائلاً دون تحقق ذلك حيث أن المدرسة الأساسية التي أفرزت كل هؤلاء الموسيقيين القدامي كانت هي دراسة وحفظ القرآن والتي تبدأ بالالتحاق بالكتاتيب حتي ممن لم يحمل منهم لقب الشيخ مثل «القصبجي» و«عبدالوهاب» سنجد أن جذورهم أيضاً دينية وأنهم التحقوا بالكتاب ودرسوا القرآن وجودوا في تلاوته ولكن أيضاً التراتيل الكنسية تحمل بذوراً موسيقية بل إن السماح الموسيقي في الديانة المسيحية خاصة بين الكاثوليك والبروتستانت يجعل ممارستها في الكنيسة أحد طقوس العبادة.. علي سبيل المثال «وديع الصافي» و«الرحبانية» و«فيروز» كانت بدايتهم في لبنان كنسية فلماذا لم يصعد اسم موسيقي مسيحي مصري مثل هؤلاء ثم إن التاريخ قدم لنا موسيقاراً عظيماً بحجم «داود حسني» وهو يهودي مصري مازلنا نتذكر له بعض الطقاطيق الشهيرة حتي الآن مثل «علي خده يا ناس ميت وردة» و«قمر له ليالي يطلع لم يبالي» وغيرهما.. «داود حسني» له مقولة شهيرة خاصة بارتباط الموسيقي بالدين الإسلامي عندما قال في أول مؤتمر للموسيقي الشرقية عقد عام 1936 طالما بقي القرآن ستظل الموسيقي الشرقية باقية.. دراسة الأداء القرآني هي ثقافة مجتمع لا تعني طائفة إسلامية أو مسيحية أو يهودية لا أعتقد أن الأمر متعلق بالديانة.. ثم إن المصريين كما أحبوا مثلاً «شيرين» أحبوا «نانسي» من لبنان وتجاوبهم معها ليس له بالتأكيد علاقة بالدين ولكنهم في الفن يحبون دون سؤال عن الهوية الدينية.. تعثر نجاح مطرب أو مطربة شابة مصرية مسيحية تبدو لي مثل الظواهر التي لا تستند إلي منطق فإذا كان الاشتغال بالفن غير مرحب به في العائلة المصرية فإننا هنا لا نتحدث عن دين ولكن عن مجتمع يرفض ممارسة الغناء فلماذا فقط جاء الالتزام بالرفض من العائلة المسيحية أكثر من العائلة الإسلامية، ولو تأملت الأمر لاكتشفت أن نفس هذا المجتمع ظهر لديه نجوم في الكوميديا يدينون بالمسيحية بينما التراجيديا لم تر الكثير والناس أحبت الفنان الكوميدي ولا تسأل عن الديانة قبل أن تمارس فعل الضحك، لا نسأل هل أنا أضحك لهاني رمزي أو لمحمد هنيدي.. لم يظهر «جان» فتي أول في السينما المصرية طوال تاريخ السينما.. سؤال أيضاً لا تعثر له علي إجابة.. الفرق الموسيقية الجماعية التي كانت طابعاً مميزاً في السبعينيات مثل هاني شنودة «المصريين» وعمار الشريعي «الأصدقاء» وعزت أبوعوف «الفور إم» وغيرها تنازعت الشعبية في الحياة الفنية في مصر لم يسأل أحد عن ديانتهم.. اختلاف حظوظهم من النجاح ليس له علاقة بالديانة والدليل أن الوحيد الذي استمر وحتي الآن هو «هاني شنودة»؟! لا توجد مطربة مسيحية مصرية حققت شعبية ضخمة، هناك قدر من النجاح لمني عزيز مطربة «المصريين» وبعد ذلك «سيمون» و«أنوشكا» ولكن لا يوجد نجاح لافت.. ربما نعثر من الجيل القديم علي «رجاء عبده» التي اشتهرت لها أغنية «البوسطجية اشتكوا من كتر مراسيلي» التي كتبها «أبوالسعود الإبياري» ولحنها لها «محمد عبدالوهاب».. إلا أن الأسطورة الغنائية مثلاً كانت هي «ليلي مراد» أحبها الناس قبل وبعد أن أشهرت إسلامها لم تلعب الديانة أي دور في تحديد مقدار الحب.. المشاعر تتجاوز الديانة وبالتأكيد عندما نحب لا نسأل إلا أن الأمر لم يخل بالطبع طوال التاريخ من بعض الممارسات الطائفية، مثلاً قد يعتقد البعض أن إلصاق اعتناق الديانة المسيحية بفنان ما من الممكن أن تعوق تقدمه.. مثلاً «هاني شاكر» في وقت ما كان حريصاً في كل أحاديثه علي التأكيد بأنه يصلي بعد أن قال البعض إنه مسيحي الديانة استناداً إلي اسمه الذي من الممكن أن يحتمل الديانتين فأراد أن يقدم هويته الدينية بأسلوب غير مباشر وأتصور أن هذه الممارسات تحدث فقط في حالة ارتفاع نسبة التطرف في الشارع.. أيضاً قبل 12 عاماً كان السؤال الذي يتردد في الشارع هو هل «محمد صبحي» مسيحي الديانة.. لم ينف اسم «محمد» هذه الشائعة بل أضافوا قصة وهمية أكدت أن اسم «محمد» هو دليل علي أنه مسيحي يتخفي حيث قالوا إن والده كلما أنجب ذكوراً يرحلون وهم أطفال فقرر أن يسمي ابنه اسم شهرة «محمد» بينما في أوراقه الرسمية اسمه «مجدي» والغريب أن «مجدي» بالفعل هو شقيقه الأصغر.. ووجد «صبحي» أن الأمر حساس جداً ما الذي يقوله هل يعقد مؤتمراً صحفياً ليعلن للناس أنه مسلم أم يترك الأمر برمته وهذا هو ما حدث، والغريب أن هذه القصص الوهمية عادة ما تنتشر في المجتمع وتتحول إلي سؤال دائم في الشارع.. بعض الأسئلة التي لا نجد تفسيراً مباشراً لها قد تتحول إلي نكتة مثل تلك التي انتشرت في مصر قبل بضع سنوات وهي أن البابا عندما لم يجد أي مطرب مسيحي في الساحة تقدم بشكوي للمسئولين في وزارة الثقافة وتم الاتفاق علي أن يرسل لهم باثنين من الشمامسة للتدريب علي أصول الغناء في معهد الموسيقي العربية وقرروا بعد أن أتموا تدريبهما الغنائي أن يقيموا حفلاً يحضره البابا.. وعند البروفة النهائية ذهب البابا للمعهد حتي يطمئن بنفسه علي نجاحهما وكانا يرددان أغنية «عبدالمطلب» الشهيرة «تسلم ايدين اللي اشتري» وعندما وصل البابا إلي مكان البروفة وصلا إلي مقطع يتكرر كثيراً في الأغنية وهو «تسلم.. تسلم.. تسلم» فما كان من البابا سوي أن أصدر لهما تعليمات بالعودة مرة أخري للكنيسة!! هناك بالتأكيد مظاهر طائفية عديدة في المجتمع إلا أن هناك مظاهر أخري لا يمكن أن تقع تحت طائلة التفسير الطائفي.. لماذا لا يوجد لاعب في فريق كرة القدم ولماذا لم تقدم لنا الساحة الغنائية مطرباً مسيحياً شهيراً أو فتي أولاً علي الشاشة.. أسئلة بلا إجابات قاطعة.. هل لدي أحدكم إجابات غير الطائفية لهذه الأسئلة الطائفية؟!