شدد البابا شنودة، بابا الإسكندرية، بطريرك الكرازة المرقسية، على أن حكم المحكمة الإدارية العليا بإلزام الكنيسة بمنح تصاريح بالزواج الثانى للأقباط، لن ينفذ، مؤكداً أن هذا الأمر دينى ولا علاقة لأى جهة غير دينية به. وقال البابا للإعلامية البارزة لميس الحديدى، فى برنامج «من قلب مصر»، الذى أذيع مساء أمس الأول، على قناة «نايل لايف»: «الرئيس مبارك أرسل لى رسالة عن طريق الدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية، ورسالة أخرى سلمها لى الدكتور مفيد شهاب، وزير الشؤون القانونية والمجالس النيابية، مفادهما طمأنتى بشأن موضوع الزواج الثانى، عقب تأكده من أن الحكم أثار انزعاج الأقباط»، مؤكداً أنه لم يقلق بسبب الحكم القضائى لأنه دائماً يرجع كل الأمور إلى الله. واعتبر هذا الحكم ليس من اختصاص القاضى لأنه أمر دينى بحت، مشيراً إلى أنه إذا كان للقاضى الحق فى أن يحكم لأى شخص بالزواج، فليس من حقه أن يلزم الكنيسة بالزواج الثانى. وتابع: «نحن ننفذ أحكام القضاء فى كل الأمور المدنية، لكن هذا الحكم يدخل فى حيز الكنيسة. ورفض البابا القول بأنه على صدام بالقضاء. وقال: «لم أصطدم بالقضاء ولكن نحن صدمنا بحكم من أحكام القضاء، ونحن نتحدث عن الحكم ذاته ولا نتحدث عن القضاء». وأضاف: «أحب أن أؤكد أن هذا الحكم لا يمكن أن ينفذ لأن هذه الأمور مسائل دينية بحتة، ليست من اختصاص القضاء»، لافتا إلى أن الكنيسة اتخذت كل الإجراءات القانونية للدفاع عن موقفها الدينى الذى يتعارض مع حكم «الإدارية العليا». وعن مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد أكد البابا أنه قدمه عام 1980 إلى الدكتور صوفى أبوطالب، ثم كرر طلبه عام 1998 عندما أودعه لدى المستشار فاروق سيف النصر، وزير العدل الأسبق، إلا أن القانون ظل حبيس الأدراج. ورفض البابا الإجابة عن سؤال المذيعة حول أسباب اهتمام الدولة بقانون الأحوال الشخصية للأقباط فى تلك الفترة، قائلاً: «اسألوا الحكومة عن ذلك». ووصف لائحة 38 التى استدل بها مؤيدو حكم الإدارية بوجوب الزواج الثانى للأقباط بأنها صدرت بواسطة «الباشوات والباكوات» الذين افتقدوا المعرفة الدينية السليمة. وقال: «البابا نفسه لم يكن فى ذاك الوقت يحضر جلسات وضع اللائحة مطلقاً، والدليل هو رفض الرئاسة الدينية لهذه اللائحة فور صدورها. وعن الاتهامات الموجهة للكنيسة بأنها أخذت بظاهر النص وابتعدت عن الإنجيل»، قال البابا: «الشريعة جاءت قبل الإنسان حتى يكون الأشخاص فى روحانية وسمو أخلاقى ومعرفة دينية سليمة، كما أن الشريعة تمنع أشياء كثيرة يحبها الإنسان لحكمة، مفادها النهوض بالمستوى الإنسانى إلى أعلى درجات الدين والأخلاق». واعتبر من يتهم الكنيسة باقتطاع أجزاء من الإنجيل بأنه لم يقرأه جيداً. وعن السماح لليهود بالطلاق، قال: «إن ذلك كان بسبب قسوة قلوبهم وانتشار قتل الأزواج فى العصور السابقة للمسيحية»، لافتاً إلى أن النبى موسى، عليه السلام، أجاب عن ذلك بقوله إن الهدف من ذلك كان القضاء على حالات القتل التى انتشرت فى هذه الفترات. وتابع: «جاءت بعد ذلك المسيحية لتكملة درجات السمو الإنسانى». وحول اتهامه بالتشدد فى رفض الزواج الثانى للأقباط قال: «نحن لا نمنع الزواج الثانى بصفة مطلقة، فمثلاً الأرمل والأرملة يمكن لهما الزواج، أيضاً المرأة التى تحصل على بطلان لها الحق فى ذلك، إضافة إلى العنصر البرىء فى حالة الانفصال»، مشيراً إلى أن المنع من الزواج الثانى يخص المخطئين وذلك فيه فائدة للمجتمع. واعتبر البابا أن العقوبة الرادعة دائماً تؤدى إلى حسن السير والسلوك والابتعاد عن الشر، موضحاً أن حالات الطلاق بين الأقباط لا تتعدى 4 آلاف من بين 12 مليون قبطى، ونصح بعدم الإسراع فى الزواج دون وجود ضمان حقيقى يتمثل فى التقاء الفكر والتأكد من حسن العشرة والأخلاق الكريمة التى إذا ما انتقت يمكن أن تؤدى بالضرورة إلى الطلاق. ولفت إلى أن مشروع الأحوال الشخصية الموحد الذى تضمن الطلاق لعلة الزنى فقط، وقع عليه جميع رؤساء الكنائس.. وتابع: «بعض البروتستانت لهم أفكار خاصة مخالفة لما اجتمعنا عليه وما جاء بالإنجيل، لكن ذلك لا يمثل فكراً عقيدياً ولا يجوز القول بأنه عقيدة ثانية». ورفض البابا القول بضرورة عقد اجتماع للتوفيق بين الطوائف قائلاً: «كل واحد يطلع بفكرة جديدة نعمل علشانها اجتماع، مش معقول». وأوضح: «الثوابت لا تحتاج إلى عقد اجتماعات ولقاءات»، وضرب مثالاً بالشأن الإسلامى قائلاً: «فى الإسلام مثلاً ثوابت، وهل إذا جاء أحد الشيوخ بفكرة جديدة يقول باقى المشايخ نجتمع علشان نتفق عليها»، مشدداً على أن رفض الزواج الثانى من ثوابت الكنيسة التى لا تحيد عنها إلا بخصوص الأسباب التى وردت سابقاً. وأشار إلى أن النص صريح فى قانون الأحوال الشخصية، ولا يقبل التأويل ولا يجوز إخضاعه لتفسيرات على هوى البعض. وأضاف: «النص القائل لا طلاق إلا لعلة الزنى تكرر 4 مرات فى الإنجيل وأن كل النصوص تجرى فى مجرى واحد». وعن الخلافات حول بعض النصوص بين الأرثوذكس والكاثوليك والإنجيلية، قال البابا: «لا أريد أن أدخل فى نقاش مع أفراد لهم أفكار خاصة بعيدة عن العقيدة»، مؤكداً أنه فى حال اجتماع الكنيسة وإصدارها أمراً سيكون على استعداد لمناقشته. ورفض البابا القول بأنه أقصى أكرام لمعى من اللجنة التى شكلتها وزارة العدل لمناقشة قانون الأحوال الشخصية، موضحاً أن ذلك التعيين أتى من قبل وزير العدل الذى اختار أسماء التمثيل للكنائس الثلاث. وحول التوريث فى المسيحية قال: «إن الإنجيل لا توجد به قواعد ولذلك فالعرف السائد الذى يسير عليه أقباط مصر، هو القانون الإسلامى، وأن ذلك العرف غير مرغوب فيه من قبل الأقباط»، معتبراً أن المسألة ليست أساسية بالنسبة له. وكشف البابا عن رفعه فصل التبنى من قانون الأحوال الشخصية خوفاً من عدم موافقة الدولة على القانون، إذا تضمن موضوع التبنى، لافتاً إلى أن المسملين اعترضوا على التبنى من قبل، وأن ذلك من الأسباب الرئيسية لعدم سريان الأحوال الشخصية. وقال: «مشروع عام 1980 تضمن التبنى وأرسلت منه نسخ للأزهر وللمفتى وللمركز الإسلامى، وكذلك وزارة العدل، وجاءت جميعها بالرفض»، موضحاً أن الإنجيل تضمن التبنى. وحول ما إذا كان راضياً من عدمه عن حال الأقباط فى مصر قال البابا: «الأقباط إجمالاً مش واخدين حقهم، وتعبانين، ولقد تحدثنا كثيراً ولا داعى للمزيد، فالصمت يكون فى أوقات كثيرة أفضل من الحديث». وأوضح: «الأقباط مالهمش وجود فى أشياء كثيرة، منها لعب الكرة»، وتابع: «كنت أتمنى أن يذهب منتخب مصر لكأس العالم ويكسب لأن مصر تهمنا قبل أى شىء، وأنا بكيت من قبل على أحوال الأقباط لأنهم جميعاً أبنائى». وطالب البابا القضاء بالإسراع بالحكم فى قضية نجع حمادى، مشيراً إلى أن القضية تم تأجيلها مرات عديدة مما يزيد مرارة الأقباط وانزعاجهم، على حد وصفه.