منذ نحو عام مضي تحقق حلم سكان العاصمة في سيارات أجرة حديثة نظيفة آمنة بها عدادات لاحتساب تعريفة الركوب بناء علي معايير تناسب أوضاع السوق ويرتضيها كل من الراكب والسائق... وكان ذلك من المشروعات الإصلاحية الرائدة التي طال انتظارها بعد أن كانت سيارات الأجرة التي تمرح في شوارع القاهرة مضرب المثل في قدمها وتهرؤها وتهديدها لحياة كل من راكبيها وجيرانها علي الطريق، حتي إن واحداً من الأسباب التي أشيع أن فرصة مصر في استضافة مونديال2010 - الذي عايشنا أحداثه في جنوب أفريقيا - قد تحطمت بسببه كان الشارع المصري بمواصلاته العامة وسيارات لأجرة الكارثية التي تمرح فيه!! كما أن سيارات الأجرة القديمة التي يشار إليها الآن بأنها السيارات ذات اللونين الأسود والأبيض كانت متمردة علي تعريفة الركوب، فبالرغم من أنها كانت مجهزة بالعدادات الخاصة باحتساب التعريفة، فإنها كانت مصابة بالداء الرسمي المصري وهو السكوت علي معيار التعريفة السابق تحديده منذ أكثر من عشر سنوات دون إعادة تقييم أو تقويم حتي بات ذلك المعيار غير مواكب لتكاليف التشغيل ولا لأعباء المعيشة وتمرد عليه السائقون وأصبحوا يحتكمون للاتفاق المباشر بينهم وبين الركاب علي مقابل المسافة المقطوعة، الأمر الذي كان يرضخ له بعض الركاب ويعترض عليه البعض الآخر حتي بات مشهداً مألوفاً في شوارعنا الشجار بين الراكب والسائق علي تعريفة الركوب!! ظهرت علي استحياء، ثم انتشرت تدريجيا سيارات الأجرة بيضاء اللون وعرفها سكان العاصمة علي أنها وليدة مشروع تحديث تاكسي العاصمة، وبعد أن كانوا متوجسين منها معتقدين أنها سوف تسحب من جيوبهم مبالغ تفوق ما تعودوا أن يدفعوها اكتشفوا أنهم كانوا ضحايا لسائقي سيارات الأجرة القديمة-سوداء وبيضاء اللون- الذين كانوا يبالغون كثيراً في تقدير القيمة المطلوبة، وتبين لهم أن عدادات السيارات الحديثة أقل نهماً في احتساب القيمة وأقل شراهة في المقابل المطلوب...فتحول الأمر إلي أن المواطن الذي يقف في الطريق انتظاراً لسيارة أجرة يدع أكثر من سيارة قديمة تمر حتي تأتي واحدة بيضاء حديثة فيركبها مطمئنًا إلي كل من متانتها وصلاحيتها الفنية وإلي عدالة قيمة التعريفة التي سوف يدفعها. هذا الواقع الجديد ظاهره طيب لكن باطنه ظالم، لأن الأصل في مشروع تحديث تاكسي العاصمة القضاء علي جيل قديم متهالك من سيارات الأجرة وإحلال سيارات حديثة بدلا منها، وذلك تم بدرجة ملحوظة أو لعله في سبيله إلي إخراج سائر سيارات الأجرة القديمة فعلاً من الخدمة، لكن أن يتم الاقتصار علي تركيب العدادات ذات التعريفة المعدلة بالسيارات الجديدةالبيضاء فقط، فذلك يمثل شكلاً من أشكال الظلم والتفرقة العنصرية غير المبررة في سيارات الأجرة. ركبت سيارة أجرة ذات اللونين الأسود والأبيض منذ أسبوعين ووجدتها تنتمي إلي الطرازات الحديثة وحالتها الفنية جيدة جداً علاوة علي اهتمام سائقها بها فيما يخص السلامة والنظافة، وعندما أعربت له عن إعجابي بسيارته وجدته يجأر بالشكوي ويتظلم من الواقع الجديد الذي يجعله ملفوظاً مرفوضاً من الجمهور مقارنة بسيارات الأجرة بيضاء اللون!!...وسألته: لكن سيارتك لا غبار عليها، عيبها الوحيد عدم وجود العداد الحديث لاحتساب تعريفة الركوب، وأصارحك القول إنني ما أقدمت علي الركوب معك سوي لأنني أعرف مقابل المسار الذي سأقطعه، لماذا لا تتقدم بطلب تركيب العداد الجديد في سيارتك؟...وكأني نكأت جرحاً يفيض مرارة وألما، فإذا بالسائق ينفجر متظلما: غير مسموح بذلك، العداد الجديد مقصور علي سيارات الأجرة البيضاء ولا نستطيع نحن أصحاب سيارات الأجرة السوداء والبيضاء التقدم لتركيبه، وكأن الأجهزة المسئولة تتشفي في عقابنا علي ذنب لم نرتكبه، فكيف يستقيم، أن تجري في شوارع القاهرة سيارات أجرة مختلفة الألوان ومختلفة التعريفة؟ واحدة قديمة لها تعريفة عفي عليها الزمن ولا يتم تطبيقها عمليًا، وواحدة حديثة لها تعريفة مناسبة تفي السيارة والسائق تكاليف الخدمة وهامش الربح الذي يرتزقه؟ الحقيقة أنني لم أستطع تفهم أو ابتلاع هذا الخلل المتروك في عالم سيارات الأجرة القاهرية، فطالما استوفت السيارة معايير الصلاحية الفنية والأمان فمن حقها تركيب عداد احتساب التعريفة طبقا للمعايير المعدلة الحديثة، خاصة وأنني علمت أن اللون الأبيض لسيارات الأجرة الحديثة ليس علامة علي أنها السيارات المعتمدة فنياً وحدها إنما هو اللون الدال علي أنها تنتمي إلي الجيل الجديد لمشروع تحديث تاكسي العاصمة...فلماذا إذاً التفرقة العنصرية بين سيارات الأجرة فيما يخص عدادات التعريفة؟ الأمر الذي جعل منها سيارات درجة أولي وسيارات درجة ثانية، وهناك قضية أخيرة في هذا الخصوص يجب ألا تغيب عن ذهن المسئولين وهي ضرورة تطبيق سياسة واعية دورية لإعادة تقييم معايير احتساب تعريفة عداد التاكسي الأبيض نفسه- وليكن ذلك كل عامين علي أكثر تقدير- حتي تضمن مواكبة تلك التعريفة لتغيرات السوق ومستوي المعيشة، وحتي لا نفاجأ بعد فترة وجيزة من الآن بأن سائقي سيارات الأجرة البيضاء قد أوقفوا عداداتهم وبدأوا تقدير القيمة حسبما يتراءي لهم ويتشاجرون حولها مع الركاب!!!!