أريد أن أكتب هذه المرة عن الطير المسافر اللي كبر وربي جناحات..أريد أن أكتب عن مريم والتعليم..أطالع في عناوين الأخبار عنوانا عن الشابة المتفوقة التي كانت تحصل في مراحلها السابقة علي 90% ففوجئت بنفسها وقد حصلت في الثانوية العامة علي مجموع قدره 11% نعم 11%؟!! فأحمد الله أني انتبهت بعد المرحلة الابتدائية وهرّبت ابنتي من التعليم المصري..أحمد الله أن ربي قدرني علي ذلك فرحمتها ورحمت ميزانيتي من استنزاف الدروس الخصوصية وكل الحزمة التي يعنيها التعليم المصري الفاسد..و غدا تطير ابنتي إلي إحدي أفقر دول العالم لتقضي ثلاثة أسابيع دراسية صيفية، في الوقت الذي يقضي فيه أقرانها الصيف علي الشواطئ..أتذكر مدرسة الفصل في المدرسة الفرنسية عندما كانت تمر ابنتي بالمرحلة الإعدادية عندما أخبرتنا نحن الآباء والأمهات في بداية العام الدراسي بمنتهي الثقة والبساطة أن أولادنا قد يتفوقون أو لا يتفوقون،لكنهم سيجتازون تلك المرحلة وهم يحملون زادا ثقافيا، مؤكدة أننا سنحصل علي أبناء مثقفين..و تدخل ابنتي الجامعة وتختار علم النفس والفن كمجالين أساسيين للدراسة رغم أن مجموعها كان يؤهلها لدخول إحدي كليات القمة..و تمر أيامها الجامعية لتكتشف ميلا لدراسة «الأنثروبولوجيا» و هو علم دراسة الإنسان وعاداته وتقاليده..واليوم فجراً تطير إلي مالي الإفريقية.منذ أسابيع وهي تستعد للسفرة بالحصول علي التطعيمات والتحصينات المطلوبة ضد الحمي الصفراءو الحمي الشوكية والملاريا ونشتري الملابس القطنية ذات الأكمام الطويلة والبنطلونات والجونلات الطويلة اتقاء لناموسة الملاريا المنتشرة في تلك المنطقة وأقرأ في تلك الأثناء خبرا عن مطربة بريطانية تنهي جولتها الفنية والإنسانية الأفريقية لإصابتها بالملاريا فينقبض قلبي لكني أنهمك معها في الإعداد لتفاصيل الرحلة..لقد كبرت صغيرتي علي حين غرة..كبرت وهي مشغولة بمعاناة ذوي الاحتياجات الخاصة والفقراء ولا يمنعها انشغالها من مشاركتي هي وأصدقاؤها وكذلك أمي وشباب لا أعرفهم في الوقفة الصامتة الثالثة ضد التعذيب والتي ابتكرناها في غفلة من الشرطة بظباطها ومخبريها الذين انتبهوا لوجودنا بعد ساعة من وقوفنا حدادا علي روح خالد سعيد وتضامنا مع كل مصري تعرض أو يمكن أن يتعرض للتعذيب علي أيدي نظام مفتري..و الأسبوع المقبل سأقف دونها وهي في خطر آخر تنتقل من قبيلة لأخري لأجل العلم وبقدر خوفي عليها بقدر فخري بها وباختياراتها..تلك رسالة اعتراف من أم لابنتها وجيلها بمقدار ما يعلموه لنا.. يمكنني أن أكون سيدة مثقفة، ولكن عندما يأتي الأمر إلي ابنتي فأنا أتساوي علي الفور مع أبسط فلاحة مصرية تجلس علي أية ترعة في أعماق ريف مصر ويهتف قلبي من الأعماق مثلها تماما وهو يدعو لها «ربنا يسلم طريقك يا ابنتي».